الأحد، 6 سبتمبر 2015

ما روي عن أمير المؤمنين (ع) - خطبته عليه السلام المعروفة بالديباج

خطبته عليه السلام المعروفة بالديباج

الحمد لله فاطر الخلق وخالق الاصباح ومنشر الموتى وباعث من في القبور و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله. عباد الله ! إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره الايمان بالله و برسله وما جاء‌ت به من عند الله والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الاسلام (2) وكلمة الاخلاص، فإنها الفطرة. وإقامة الصلاة. فإنها الملة. وإيتاء الزكاة، فإنها فريضة. وصوم شهر رمضان فإنه جنة حصينة. وحج البيت والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر ويكفران الذنب ويوجبان الجنة. وصلة الرحم، فإنها ثروة في المال (3) و منسأة في الاجل وتكثير للعدد. والصدقة في السر فإنها تكفر الخطأ وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى. والصدقة في العلانية، فإنها تدفع ميتة السوء. وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع السوء. وأفيضوا في ذكر الله جل ذكره (4) فإنه أحسن الذكر وهو أمان من النفاق وبراء‌ة من النار وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله عزوجل وله دوي تحت العرش (5). وارغبوا فيما وعد المتقون، فإن وعد الله أصدق الوعد وكل ما وعد فهو

___________________
(1) أى زيادة الكرامة أضعافا. (2) الذروة - بالكسر والضم -: من كل شئ أعلاه. (3) الثروة: الكثرة. وفى النهج [ مثراة ]. المنسأة - من النساء -: التأخير. (4) أفيضوا: أسرعوا واندفعوا. (5) الدوى: الصوت. (*)

[150]

آت كما وعد، فاقتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله (1) فإنه أفضل الهدي واستنوا بسنته. فإنها أشرف السنن. وتعلموا كتاب الله تبارك وتعالى، فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة، وتفقهوا فيه، فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور وأحسنوا تلاوته، فإنه أحسن القصص، " وإذا قرئ عليكم القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون (2) " وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم منه لعلكم تفلحون. فاعلموا عباد الله ! أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله (3) بل الحجة عليه أعظم وهو عند الله ألوم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحير في جهله وكلاهما حائر بائر مضل مفتون متبور ما هم فيه (4) وباطل ما كانوا يعملون. عباد الله ! لا ترتابوا فتشكوا. ولا تشكوا فتكفروا. ولا تكفروا فتندموا ولا ترخصوا لانفسكم فتدهنوا، وتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا. ولا تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخسروا خسرانا مبينا. عباد الله ! إن من الحزم أن تتقوا الله. وإن من العصمة ألا تغتروا بالله. عباد الله ! إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه وأغشهم لنفسه أعصاهم له. عباد الله ! إنه من يطع الله يأمن ويستبشر ومن يعصه يخب ويندم ولا يسلم. عباد الله ! سلوا الله اليقين، فإن اليقين رأس الدين وارغبوا إليه في العافية، فإن أعظم النعمة العافية، فاغتنموها للدنيا والآخرة وارغبوا إليه في التوفيق، فإنه اس

___________________
(1) الهدى - بالفتح -: الطريقة والسيرة. (2) سورة الاعراف آية 203. (3) أى كالجاهل المتحير الذى لا يفيق من جهله. (4) البائر: الفاسد، الهالك، الذى لا خير فيه وفى المثل " حائر بائر " أى لا يطيع مرشدا ولا يتجه لشئ: والمبتور: المقطوع. (5) لا ترخصوا أى لا تجعلوه رخيصا والرخصة - بالضم -: التسهيل والتخفيف. والادهان: المصانعة كالمداهنة أى المساهلة. (*)

[151]

وثيق (1) واعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين وأحسن اليقين التقى وأفضل امور الحق عزائمها وشرها محدثاتها. وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. وبالبدع هدم السنن. المغبون من غبن دينه والمغبوط من سلم له دينه وحسن يقينه. والسعيد من وعظ بغيره والشقي من انخدع لهواه. عباد الله ! اعلموا أن يسير الرياء شرك. وأن إخلاص العمل اليقين. والهوى يقود إلى النار. ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن ويحضر الشيطان. والنسيئ زيادة في الكفر (2) وأعمال العصاة تدعو إلى سخط الرحمن. وسخط الرحمن يدعو إلى النار. ومحادثة النساء تدعو إلى البلاء وتزيغ القلوب. والرمق لهن يخطف نور ابصار القلوب (3) ولمح العيون مصائد الشيطان. ومجالسة السلطان يهيج النيران. عباد الله ! اصدقوا، فإن الله مع الصادقين. وجانبوا الكذب، فإنه مجانب للايمان وإن الصادق على شرف منجاة وكرامة (4). والكاذب على شفا مهواة وهلكة. وقولوا الحق تعرفوا به. واعملوا به تكونوا من أهله. وأدوا الامانة إلى من ائتمنكم عليها. وصلوا أرحام من قطعكم. وعودوا بالفضل على من حرمكم. وإذا عاقدتم فأوفوا. وإذا حكمتم فاعدلوا. وإذا ظلمتم فاصبروا. وإذا اسيئ إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبون أن يعفى عنكم. ولا تفاخروا بالآباء " ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان " ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا (5) ولا يغتب بعضكم بعضا " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا (6) " ولا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الايمان

___________________
(1) الاس - بالتثليث -: الاساس. (2) قد مضى بيان ما فيه في الصفحة 32. (3) والرمق: طول النظر إلى الشئ وفعله من باب قتل واللمحة - بالفتح -: النظرة بالعجلة والنظرة الخفيفة اى ونظر العيون إليهن بنظر خفيف من حبائل الشيطان ومكائده. (4) شرف - بالتحريك -: العلو والمكان العالى. والمنجاة - بالفتح -: الباعث على النجاة ويقال: الصدق منجاة أى منج. وشفا كل شئ طرفه وجانبه والهواة: ما بين الجبلين ونحوه. (5) التمازح: التداعب والتلاعب. والتباذخ: التفاخر. (6) سورة الحجرات آية 12. (*)

[152]

كما تأكل النار الحطب ولا تباغضوا فإنها الحالقة (1) وأفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها. وارحموا الارملة (2) واليتيم وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب والمكاتب والمساكين وانصروا المظلوم وأعطوا الفروض وجاهدوا أنفسكم في الله حق جهاده. فإنه شديد العقاب وجاهدوا في سبيل الله. واقروا الضيف (3). وأحسنوا الوضوء وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها فإنها من الله عزوجل بمكان، " ومن تطوع خيرا [ فهو خير له ] فإن الله شاكر عليم (4) ". " تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان (5) ". و " اتقو الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (6) ". واعلموا عباد الله ! أن الامل يذهب العقل ويكذب الوعد ويحث على الغفلة ويورث الحسرة فاكذبوا الامل فإنه غرور وإن صاحبه مأزور (7). فاعملوا في الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا واجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذن للمسلمين بالحسنى (8) ولمن شكر بالزيادة فإني لم أر مثل الجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها ولا أكثر مكتسبا ممن كسبه. اليوم تذخر فيه الذخائر وتبلى فيه السرائر. وإن من لا ينفعه الحق يضره الباطل. ومن لا يستقيم به الهدى تضره الضلالة (9). ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك. وإنكم قد امرتم بالظعن (10) ودللتم على الزاد

___________________
(1) الحالقة: الخصلة السيئة التى تحلق أى تهلك كل خصلة حسنة. (2) الارملة: الضعفاء. ويطلق أيضا على المسكين ومن لا أهل له ومن ماتت زوجها. (3) قرى الضيف. أضافه. (4) سورة البقرة آية 153. وقوله: " تطوع " أى تبرع. (5) سورة المائدة آية 5. (6) سورة آل عمران آية 97. (7) المأزور: الآثم - من وزر - وقياسه موزور. (8) الحسنى: العاقبة الحسنة. (9) لانه ليس بين الهدى والضلالة شئ فان وراء الهدى ضلال كله. وفى النهج [ ومن لم يستقم به الهدى يجر به الضلال إلى الردى ]. (10) الظعن: الرحيل والامر تكوينى والمراد بالزاد عمل الصالحات وترك السيئات. (*)

[153]

ألا إن أخوف ما أتخوف عليكم إثنان طول الامل واتباع الهوى. ألا وإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بانقلاع (1) ألا وإن الآخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع. ألا وإن المضمار اليوم (2) والسباق غدا. ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار. ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل (2) يحثه [ ال‍ ] - عجل. فمن أخلص لله عمله في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أجله ومن لم يعمل في أيام مهله ضره أجله ولم ينفعه عمله. عباد الله ! افزعوا إلى قوام دينكم (3) بإقام الصلاة لوقتها. وإيتاء الزكاة في حينها والتضرع والخشوع. وصلة الرحم. وخوف المعاد. وإعطاء السائل. وإكرام الضعفة [ والضعيف ] (4) وتعلم القرآن والعمل به. وصدق الحديث. والوفاء بالعهد. وأداء الامانة إذا ائتمنتم. وارغبوا في ثواب الله وارهبوا عذابه. وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم. وتزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم. واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدم الخير. أقول قولي واستغفر الله لي ولكم.

___________________
(1) آذنت أى أعلمت، وإعلامها هو ما أودع في طبيعتها من التقلب والتحول. ومن نظر إليها تحصل له اليقين بفنائها. والاطلاع من اطلع على فلان أى أشرف وأتاه ويفهم منه الاتيان بفجأة. وفى النهج كذا [ قد آذنت بوداع والآخرة قد أشرفت باطلاع ألا وان اليوم المضمار وغدا السباق ]. والمضمار: الموضع الذى تضمر فيه الخيل. وتضميره أن تربط ويكثر علفها وماؤها حتى تسمن ثم يقلل علفها وماؤها وتجرى في الميدان حتى تهزل وذلك في مدة اربعين يوما و هذه المدة أيضا تسمى المضمار. والسباق: المسابقة وإجراء الخيل في مضمار فتسابق فيه. والسبقة - بفتح فسكون -: المرة من السبق - وبفتحتين -: الغاية المحبوبة التى يحب السابق أن يصل إليها.و - بضم فسكون -: ما يتراهن عليه المتسابقون وهذا الكلام على سبيل الاستعارة أى العمل في الدنيا للاستباق في الآخرة. (2) المهل - بالفتح -: المهلة. وايضا: الرفق. وفى النهج [ أمل ]. أى الامل في البقاء واستمرار الحياة. (3) الافزاع: الاخافة، الاغاثة وازالة الفزع (ضد). (4) في بعض النسخ [ الضعيفة والضعيف ]. (*)

[154]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق