وصفه عليه السلام لنقلة الحديث
قال له سليم بن قيس (1): إني سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد يتحدثون بأشياء من
تفسير القرآن والاحاديث والروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سمعت منك
تصديق ذلك ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن والاحاديث والروايات عن
رسول الله صلى الله على وآله يخالفونها فيكذب الناس متعمدين ويفسرون القرآن
بآرائهم؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس
حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما
وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته كذبا كثيرا حتى قام خطيبا فقال:
" أيها الناس قد كثر علي الكذابة (2)، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار "
وكذلك كذب عليه بعده. إنما أتاك بالحديث أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر
الايمان متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج (3) أن يكذب
___________________
(1) رواه الكلينى (ره) في الكافى باب اختلاف الحديث ج 1
ص 62. والصدوق (ره) في الخصال. والرضى (ره) في النهج. وسليم بن قيس الهلالى - بضم
السين وفتح اللام - نقل العلامة (ره) في الخلاصة عن العقيقى كان سليم من أصحاب أمير
المؤمنين عليه السلام طلبه الحجاج ليقتله وآوى إلى أبان بن أبى عياش فلما حضرته
الوفاة قال لابان: إن لك حقا وقد حضرنى الموت يا ابن أخى انه كان من الامر بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله كيت وكيت وأعطاه كتابا فلم يرو عن سليم سوى أبان وذكر في
حديثه ان سليم كان شيخا متعبدا له نور يعلوه. (2) الكذابة بكسر الكاف وتخفيف الذال
مصدر كذب يكذب أى كثرت على كذبة الكذابين ويصح ايضا جعل الكذاب بمعنى المكذوب
والتاء للتأنيث أى الاحاديث المفتراة أو بفتح الكاف وتشديد الذال بمعنى الواحد
الكثير الكذب والتاء لزيادة المبالغة والمعنى كثرت على أكاذيب الكذابة أو التاء
للتأنيث والمعنى كثرت الجماعة الكذابة ولعل الاخير أظهر وعلى تقديرى صدقه وكذبه يدل
على وقوع الكذب عليه. قاله المجلسى رحمه الله. (3) " متصنع بالاسلام " أى متكلف له
ومتدلس به وغير متصف به في نفس الامر. " لا يتأثم " أى لا يخاف الاثم ولا يخشى منه
أو لا يعتقد الاثم. " لا يتحرج " أي لا يتجنب الحرج ولا يخشى الوقوع فيه. (*)
[194]
على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا ولو علم الناس أنه منافق كذاب لم
يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا: قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه
وسمع منه، فأخذوا منه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبر الله عزوجل عن المنافقين بما
أخبر (1) ووصفهم بأحسن الهيئة فقال: " إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع
لقولهم (2) " ثم تفرقوا من بعده وبقوا واختلفوا وتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة
إلى النار بزور والكذب فولوهم الاعمال والاحكام والقضاء وحملوهم على رقاب الناس
وأكلوا بهم الدنيا (3).
___________________
(1) في الكافى [ بما أخبره ].وفى النهج [ أخبرك الله
بما أخبرك ]. (2) سورة المنافقون آية 4. " إن يقولوا " أى إذا قالو شيئا اصغيت إلى
كلامهم. (3) كأبى هريرة الذى كان من الضعة والهوان باقصى مكان وقضى شطرا من حياته
وهو معدم فقير خادم في البيوت يستأجر نفسه لشبع بطنه فلما أسلم أدرج نفسه بفقراء
الصفة، يعيش بصدقات المسلمين على ما نقله البخارى في الصحيح وكان ملازما لرسول الله
ليشبع بطنه ويسد خلته كما في الاصابة وهو على هذا الحال المرير إلى أن انتهت
الخلافة إلى الثانى فتفضل عليه واستعمله على البحرين سنة احدى وعشرين ثم عزله بعد
عامين لخيانته واستنقذ منه ما اختلسه من اموال المسلمين وقال له: انى استعملك على
البحرين وانت بلا نعلين ثم بلغنى أنك ابتعت أفراسا بالف دينار وستمائة دينار. وضربه
بالدرة حتى أدماه فرجع إلى حاله الاول وقد وسم بالخيانة والاختلاس إلى أن آل الامر
إلى الثالث انضم اليه وصار من أعوانه وأنصاره وأخذ يفتعل الاحاديث في فضله فقال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ان لكل نبى خليلا من امته وان خليلى عثمان "
كما ذكره الذهبى في ميزان الاعتدال وجزم ببطلانه وقال أيضا: " لكل نبى رفيق في
الجنة ورفيقى فيها عثمان " وعده الذهبى أيضا من منكراته: إلى غير ذلك من الاحاديث
التى افتعلها على رسول الله صلى الله عليه وآله في فضل عثمان والامويين ولما انقضت
ايامه وصارت الخلافة إلى أمير المؤمنين هاجر أبوهريرة إلى الشام فعقد صلته بمعاوية
و أخذ يتزور الحديث في ارضائه وجعل يروى لاهل الشام عن رسول الله صلى الله عليه
وآله أنه قال: " ان الله ائتمن على وحيه ثلاثا أنا وجبرئيل ومعاوية " وقال لهم ان
النبى صلى الله عليه وآله ناول معاوية سهما فقال له: خذ هذا السهم حتى تلقانى في
الجنة كما رواهما الخطيب في تاريخه وهكذا يفتعل الحديث بعد الحديث في فضل معاوية
والامويين والصحابة ويتقرب بذلك إلى معاوية وهو شكر سعيه ورفع شأنه فكساه الخز
وأغدق عليه بالاموال فلما كان عام الجماعة قدم مع ولى نعمته ابن آكلة الاكباد إلى
العراق فاذا رأى كثرة الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا وقال: يا اهل العراق
أتزعمون أنى اكذب على الله ورسوله واحرق نفسى بالنار والله لقد سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول: " ان لكل نبى حرما وان المدينة حرمى فمن احدث فيها حدثا فعليه
لعنة الله والملائكة والناس اجمعين " قال: وأشهد بالله (بقية الحاشيه في الصفحة
الاتية) (*)
[195]
وقد علمت أن الناس مع الملوك أتباع الدنيا (1) وهي غايتهم التي يطلبون إلا من
عصم الله فهذا أحد الاربعة. والثاني: رجل سمع [ من ] رسول الله شيئا ووهم فيه ولم
يحفظه على وجهه ولم يتعمد كذبا، فهو في يده يعمل به ويقول: أنا سمعته من رسول الله
صلى الله عليه وآله ولو علم الناس أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه ولم
يعمل به فهذا الثاني. والثالث: رجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله أشياء
أمرها بها ثم نهى عنها وهو لم يعلم النهي، أو نهى عن شئ ثم أمر به ولم يعلم الامر،
حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم الناس أنه منسوخ لرفضه الناس ورفضه هو (2)
فهذا الرجل الثالث. والرابع: رجل لم يكذب على الله وعلى رسوله، يبغض الكذب خوفا من
الله وتعظيما لرسوله صلى الله عليه وآله ولم يتوهم ولم ينس، بل حفظ ما سمع فجاء به
على وجهه لم يزد فيه ولم ينقص حفظ الناسخ وعمل به وعلم المنسوخ ورفضه. فان أمر
الرسول صلى الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه، يكون من رسول
الله صلى الله عليه وآله الامر له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقد قال
الله عزوجل:
___________________
(بقية الحاشية من الصفحة الماضية) أن عليا احدث فيها.
فلما بلغ معاوية قوله أجازه واكرمه وولاه امارة المدينة. أقول: إلى هنا مأخوذ من
كتاب (أبوهريره) تأليف سماحة العلامة الجليل الحاج السيد عبدالحسين شرف الدين (مد
ظله) وأخرج العلامة الكبير الامينى في كتابه (الغدير) ج 11 ص 30 عن الطبرى في
تاريخه ج 6 ص 132 أن معاوية اعطى سمرة بن جندب من بيت المال أربعمائة ألف درهم على
أن يخطب في أهل الشام بان قوله تعالى: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا
ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك
الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " أنها نزلت في على بن أبى طالب عليه السلام وأن
قوله: " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله " نزل في ابن ملجم أشقى مراد.
اه. فقبل وروى الايتين واستخلفه زياد على البصرة فقتل فيها ثمانية آلاف من الناس.
قال الفيض (ره) في الوافى نقل العتايقى في شرحه لنهج البلاغة عن المدائنى أنه قال
في كتاب الاحداث أن معاوية كتب إلى عماله أن ادعوا الناس إلى الرواية في فضائل
الصحابة ولا تتركوا خبرا يرويه أحد في أبى تراب الا وآتونى بمناقض له في الصحابة،
فرويت أخبار كثيرة مفتعلة لا حقيقة لها حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر. وروى ابن
أبى الحديد أن معاوية أعطى صحابيا مالا كثيرا ليضع حديثا في ذم على عليه السلام
ويحدث به ففعل. ويروى عن ابن عرفة المعروف بنفطويه أن أكثر الاحاديث الموضوعة في
فضائل الصحابة افتعلت في أيام بنى امية تقربا اليهم بما يظنون انهم يرغمون بها أنف
بنى هاشم. (1) في الكافى والخصال والنهج وكتاب سليم كذا [ وانما الناس مع الملوك
والدنيا ]. (2) كذا. (*)
[196]
" ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (1) " فكان يسمع قوله من لم
يعرفه ومن لم يعلم ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله ويحفظ ولم يفهم (2).
وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشئ ويستفهمه، كان منهم
من يسأل ولا يستفهم حتى لقد كانوا يحبون أن يجيئ الاعرابي أو الطاري (3) أو الذمي
فيسأل حتى يسمعوا ويفهموا. ولقد كنت أنا أدخل كل يوم دخلة فيخليني معه أدور فيها
معه حيثما دار، علم ذلك أصحابة أنه لم يصنع ذلك بأحد غيري ولربما أتاني في بيتي
وإذا دخلت عليه منازله أخلاني وأقام نساءه فلا يبقى أحد عند غيري، كنت إذا سألت
أجابني وإذا سكت وفنيت مسائلي إبتدأني. وما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء
ولا أرض ولا دنيا وآخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلا
أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بيدي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها
ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها وأين نزلت وفيم نزلت إلى يوم القيامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق