وصيته عليه السلام لزياد بن النضر (3)
حين أنفذه على مقدمته إلى صفين:
إتق الله في كل ممسى ومصبح (4) وخف على نفسك
الغرور ولا تأمنها على حال من البلاء واعلم أنك إن لم تزع نفسك (5) عن كثير مما تحب
مخافة مكروهه، سمت بك الاهواء (6) إلى كثير من الضر حتى تظعن فكن لنفسك مانعا وازعا
(7) عن الظلم والغي والبغي والعدوان. قد وليتك هذا الجند، فلا تستذلنهم ولا تستطل
عليهم (8)، فإن خيركم أتقاكم تعلم من عالمهم وعلم جاهلهم واحلم عن سفيههم، فإنك
إنما تدرك الخير بالعلم وكف الاذى والجهل. - ثم أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذره -:
إعلم أن مقدم القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم. فإذا أنت خرجت من بلادك ودنوت من
عدوك فلا تسأم من توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض الشعاب
___________________
(1) سورة الفرقان آية 44. وفى الكافى [ لان الدابة إنما
تحمل ]. (2) في الكافى [ أحييت قلبى باذن الله يا امير المؤمنين ]. (3) زياد بن
النضر الحارثى - بالضاد المعجمة - وقيل: ابن النصر - بالصاد المهملة - كان من أصحاب
امير المؤمنين عليه السلام وقد ولاه على مقدمة جيشه عند مسيره إلى صفين وكانت
مقدمته اثنى عشر ألفا وأوصاه عند عزمه على المسير بوصية ذكرها المؤلف رحمه الله في
المتن فقال زياد: " اوصيت - يا أمير المومنين - حافظا لوصيتك، مؤدبا بأدبك، يرى
الرشد في إنفاذ أمرك والغى في تضييع عهدك " وكان عليه السلام جعله يوم صفين على
مذحج والاشعريين خاصة من اليمانين. وفى النهج: شريح بن هانى بدل زياد بن النضر. (4)
أى المساء والصباح كما في النهج. (5) لم تزع: لم تكف ولم تمنع (6) سمت أى ارتفعت بك
الاهواء. (7) وازعا أى زاجرا. (8) ولا تستطل أى لا تقتل منهم أكثر ما كانوا قد
قتلوا. (*)
[192]
والشجر والخمر (1) وفي كل جانب حتى لا يغيركم عدوكم ويكون لكم كمين. ولا تسير
الكتائب والقبائل (2) من لدن الصباح إلى المساء إلا تعبية (3)، فإن دهمكم أمر أو
غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبية. وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم
في أقبال الاشراف (4) أو في سفاح الجبال أو أثناء الانهار كيما يكون لكم ردءا
ودونكم مردا (5). ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد واثنين. واجعلوا رقباءكم في صياصي
الجبال (6) وبأعلى الاشراف وبمناكب الانهار، يريئون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان
مخافة أو أمن. وإذا نزلتم فانزلوا جميعا. وإذا رحلتم فارحلوا جميعا. وإذا غشيكم
الليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والترسة (7) واجعلوا رماتكم يلوون ترستكم كيلا
تصاب لكم غرة (8) ولا تلقى لكم غفلة. واحرس عسكرك بنفسك وإياك أن ترقد أو تصبح إلا
غرارا أو مضمضة (9). ثم ليكن ذلك شأنك ودأبك حتى تنتهي إلى عدوك. وعليك بالتأني في
حربك. وإياك والعجلة إلا أن تمكنك فرصة (10) وإياك أن تقاتل إلا أن يبدأوك أو يأتيك
أمري والسلام عليك ورحمة الله.
___________________
(1) الخمر - بالتحريك -: كل ما واراك من جبل أو غيره.
(2) الكتائب: جمع الكتيبة: القطعة من الجيش. والقبائل: جمع القبيلة. وفى بعض النسخ
[ القنابل ] وهى جمع قنبلة: طائفة من الناس. (3) عبى الجيش: هيأه وجهزه. دهمكم أمر
أى فجأكم وغشيكم. (4) أقبال: جمع القبل - بالضم - من المكان: سفحه أى أسفله.
والاشراف: المكان العالى. وسفح الجبل: أصله وأسفله حيث يسفح - أى ينصب - فيه الماء.
وثنى الوادى - بكسر الثاء -: منعطفه. (5) مردا: مصرفا. (6) الصياصى: الحصون والقلاع
وكل ما امتنع بها. وصياصى الجبال: أطرافها العالية. ومناكب الانهار: نواحيها
وجوانبها. (7) فحفوا: فأحدقوا وأحيطوا بها. الترسة - بالكسر -: جمع الترس - بالضم
-: ما يقال لها بالفرسية: (سپر). (8) والرماة: بالضم: جمع الرامى. والغرة: بالكسر:
الغفلة. (9) ترقد: تنام. والغرار: بالكسر: النوم القليل. وتمضمض النعاس في عينيه
دب. (10) الفرصة - بالضم -: النوبة. (*)
[193]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق