(آدابه عليه السلام لاصحابه)
(وهى أربعمائة باب للدين والدنيا)
(وهى أربعمائة باب للدين والدنيا)
الحجامة تصح البدن وتشد العقل. خذ الشارب من النظافة وهو من السنة. الطيب في الشارب كرامة للكاتبين وهو من السنة. الدهن يلين البشرة (1)، ويزيد في الدماغ والعقل، ويسهل موضع الطهور، ويذهب بالشعث ويصفي اللون. __________________
(1) هذا الخبر مروى في الخصال مع اختلاف غير يسير في بعض المواضع.
والدهن: الاسم من دهن الشئ إذا بله ودهن الشئ: زيته والبشرة - بفتحتين -: ظاهر الجلد.
والشعث: انتشار الامر وخلله.
والمراد هنا شعث الشعر وفى الخصال ومكارم الاخلاق هكذا [ قال: الدهن يلين البشر ويزيد في الدماغ ويسهل مجارى الماء ويذهب بالقشف ويسفر اللون ].
[101]
السواك مرضاة للرب ومطيبة للفم، وهو من السنة. غسل الرأس بالخطمي يذهب بالدرن وينقى الاقذار (1) المضمضة والاستنشاق بالماء عند الطهور طهور للفم والانف. السعوط مصحة للرأس (2) وشفاء للبدن وسائر أوجاع الرأس. النورة مشدة للبدن وطهور للجسد، وتقليم الاظفار يمنع الداء الاعظم ويجلب الرزق ويدره (3). نتف الابط ينفي الرائحة المنكرة وهو طهور وسنة. غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في الرزق. غسل الاعياد طهور لمن أراد طلب الحوائج بين يدي الله عزوجل واتباع السنة. قيام الليل مصحة للبدن (4) ورضى للرب وتعرض للرحمة وتمسك بأخلاق النبيين. أكل التفاح نضوح للمعدة (5). مضغ اللبان يشد الاضراس وينفي البلغم ويقطع ريح الفم. الجلوس في المسجد بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب في الارض. أكل السفرجل قوة للقلب الضعيف وهو يطيب المعدة، ويذكي الفؤاد. ويشجع الجبان ويحسن الولد. أكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء على الريق (6) في كل يوم تدفع الامراض إلا مرض الموت. يستحب للمسلم أن يأتي أهله في أول ليلة من شهر رمضان لقول الله: " احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم(7) ". لا تختموا بغير الفضة فإن رسول
___________________
(1) الخطمى بالكسر: نبت معروف والدرن - بفتحتين - الوسخ.
والاقذار: جمع قذر - بفتحتين - وهو أيضا الوسخ.
وفى بعض نسخ الحديث [ ينفى الاقذار ].
(2) السعوط: الدواء الذى يصب في الانف.
(3) في المكارم عن الباقر عليه السلام " قال: إنما قصت الاظفار لانها مقيل الشيطان ومنه يكون النسيان ".
ويدره أى يحسنه ويكثر خيره.
(4) المصحة - بالفتح -: ما يجلب الصحة أو يحفظها أى مجلبة للصحة.
(5) أى طيب للمعدة.
والنضوح: ضرب من الطيب تفوح رائحته وأصل النضح: الرش فشبه كثرة ما طيبه بالرش.
واللبان - بالضم -: الكندر.
(6) الريق من كل شئ أوله وعلى الريق أى قبل أن يأكل شيئا.
(7) سورة البقرة آية 187.[102]
الله صلى الله عليه وآله قال: ما طهر الله يدا فيها خاتم حديد (1) من نقش على خاتمه اسما من أسماء الله فليحوله عن اليد التي يستنجي بها (2) إذا نظر أحدكم إلى المرآة فليقل: " الحمد لله الذي خلقنى فأحسن خلقي وصورني فأحسن صورتي وزان مني ما شان من غيري وأكرمني بالاسلام(3)".
ليتزين أحدكم لاخيه المسلم إذا أتاه كما تزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن هيئة. صوم ثلاثة أيام في كل شهر وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب (4) الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير. غسل الثياب يذهب بالهم وطهور للصلاة. لا تنتفوا الشيب فإنه نور. ومن شاب شيبة في الاسلام كانت له نورا يوم القيامة. لا ينام المسلم وهو جنب. ولا ينام إلا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد (5)، فإن روح المؤمن ترتفع إلى الله عزوجل فيقبلها ويبارك عليها، فإن كان أجلها قد حضر جعلها في صورة حسنة وإن لم يحضر أجلها بعث بها مع أمنائه من الملائكة فردها في جسده. لا يتفل المسلم في القبلة (6)، فإن فعل ناسيا فليستغفر الله. لا ينفخ المرء موضع سجوده ولا في طعامه ولا في شرابه ولا في تعويذه. لا يتغوطن أحدكم على المحجة (7) ولا يبل على سطح في الهواء ولا في ماء جار، فمن فعل ذلك فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه، فإن للماء أهلا وللهواء
___________________
(1) في المكارم، عن السكونى، عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما طهر الله يدا فيها خاتم من حديد.
(2) في المكارم " وقال عليه السلام في وصيته لاصحابه: من نقش خاتما وفيه أسماء الله فليحوله عن اليد التى يستنجى بها إلى المتوضأ ".
وفى الكافى عن أبى بصير عن أبى عبدالله عن امير المؤمنين مثله.
(3) الزين: ضد الشين يقال: زانه الشئ: حسنه وزخرفه.
(4) بلابل: الاحزان والهموم واحدته بلبلة وهى شدة الهم والحزن.
(5) الصعيد: وجه الارض ترابا كان أو غيره وقيل: التراب.
(6) التفل: البصاق، يقال: تفل في الارض أى طرح البصاق فيها وقوله: " لا ينفخ المرء " أى لا يخرج من فمه الريح.
والتعويذ: ما يكتب ويعلق على الانسان ليقيه من الاصابة بالعين.
(7) المحجة: جادة الطريق.
(*)
[103]
أهلا. وإذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله (1) ولا يستقبل به الريح، لا ينامن مستلقيا على ظهره. لا يقومن الرجل في الصلاة متكاسلا ولا متقاعسا (2). ليقل العبد الفكر إذا قام بين يدي الله، فإنما له من صلاته ما أقبل عليه. لا تدعوا ذكر الله في كل مكان ولا على كل حال. لا يلتفتن أحدكم في صلاته، فإن العبد إذا التفت فيها قال الله له: إلي عبدي خير لك ممن تلتفت إليه. كلوا ما يسقط من الحوان (3) فإنه شفاء من كل داء باذن الله لمن أراد أن يستشفي به. البسوا ثياب القطن فإنه لباس رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن يلبس الصوف ولا الشعر إلا من علة (4) إذا أكل أحدكم الطعام فمص أصابعه التي أكل بها قال الله عزوجل ذكره: بارك الله فيك. إن الله ليحب الجمال وأن يرى أثر نعمته على عبده. صلوا أرحامكم ولو بالسلام لقول الله: " واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام (5) ". ولا تقطعوا نهاركم بكيت وكيت وفعلنا كذا وكذا (6)، فإن معكم حفظة يحفظون عليكم. واذكروا الله عزوجل بكل مكان. صلوا على النبي وآله صلى الله عليه وعليهم، فإن الله يتقبل دعاءكم عند ذكره ورعايتكم له. أقروا الحار حتى يبرد ويمكن، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال - وقد
___________________
(1) أى يرفع ببوله ويرمى به في الهواء.
(2) المتكاسل: المتثاقل.
والمتقاعس من تقاعس الرجل من الامر إذا تأخر ورجع إلى خلف ولم يتقدم فيه ولعل مراده (ع) لم يصل متثاقلا ويحتمل أن يكون متناعسا من النعاس كما في الخصال.
(3) الخوان: ما يوضع عليه الطعام ويقال لها: " سفرة " أيضا.
(4) وفى الكافى عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله.
وفى المكارم، عن جابر، عن أبى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس من ثيابكم شئ أحسن من البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم.
(5) سورة النساء آية 2 " واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام إن الله كان بكم رقيبا " وقوله: " تساءلون " أى يسأل بعضكم بعضا فيقول: أسألك بالله، وأصله تتساءلون.
و " الارحام " إما عطف على " الله " إى اتقوا الارحام أن تقطعوها أو على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمروا كما قيل.
(6) كيت وكيت - بفتح آخرهما وقد يكسر - يكنى بهما عن الخبر والحديث.
(*)
[104]
قرب إليه طعام حار -: أقروه حتى يبرد ويمكن وما كان الله ليطعمنا الحار والبركة في البارد، والحار غير ذي بركة. علموا صبيانكم ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة (1). أيها الناس كفوا ألسنتكم وسلموا تسليما، أدوا الامانات ولو إلى قتلة الانبياء. أكثروا ذكر الله إذا دخلتم الاسواق وعند اشتغال الناس بالتجارات، فإنه كفارة للذنوب وزيادة في الحسنات ولا تكونوا من الغافلين. ليس للعبد أن يسافر إذا حضر شهر رمضان لقول الله: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه (2) ". ليس في شرب المسكر والمسح على الخفين تقية (3) إياكم والغلو فينا، قولوا: إنا عباد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم. من أحبنا فليعمل بعملنا ويستعن بالورع، فإنه أفضل ما يستعان به في الدنيا والآخرة.
لا تجالسوا لنا عائبا ولا تمدحونا معلنين عند عدونا فتظهروا حبنا وتذلوا أنفسكم عند سلطانكم. إلزموا الصدق فإنه منجاة. ارغبوا فيما عند الله واطلبوا مرضاته وطاعته واصبروا عليهما. فما أقبح بالمؤمن أن يدخل الجنة وهو مهتوك الستر. لا تعيونا(4) في طلب الشفاعة لكم يوم القيامة بسبب ما قدمتم(5).
___________________
(1) في الكافى عن جميل بن دراج عن أبى عبدالله عليه السلام قال: بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم اليهم المرجئة.
وذكره الفيض رحمه الله في الوافى قائلا بعده بيان: يعنى علموهم في شرخ شبابهم بل في أوائل إدراكهم وبلوغهم التمييز من الحديث ما يهتدون به إلى معرفة الائمة عليهم السلام والتشيع قبل أن يغويهم المخالفون ويدخلهم في ضلالتهم فيتعسر بعد ذلك صرفهم عن ذلك، والمرجئة في مقابلة الشيعة من الارجاء بمعنى التأخير لتأخيرهم عليا عليه السلام عن مرتبته وقد يطلق في مقابلة الوعيدية إلا أن الاول هو المراد هنا.
انتهى.
وفى الخصال [ لا يغلب عليهم المرجئة برأيها ].
(2) سوره البقرة آية 182 أى السفر بعد الرؤية كانه فرار عن أمر المولى سبحانه وهذا مناف لمقام العبودية.
(3) الخف: ما يلبس بالرجل. وعدم جواز التقية في شرب المسكر من المخالفين لعدم الاضطرار إليها لما جاء به النص وهكذا المسح على الخفين لاختلافهم فيه فلا يجوز شرب المسكر والمسح على الخفين في حال من الاحوال تقية.
(4) أى لا تتعبونا. من أعياه أى أتعبه وأكله (بشد اللام).
وفى الخصال [ لا تعنونا ].
(5) من الاعمال القبيحة والاخلاق الذميمة.
(*)
[105]
ولا تفضحوا أنفسكم عند عدوكم يوم القيامة ولا تكذبوا أنفسكم في منزلتكم عند الله بالحقير من الدنيا. تمسكوا بما أمركم الله به فما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى ما يحب إلا أن يحضره رسول الله (1) ما عند الله خير وأبقى وتأتيه البشارة والله فتقر عينه ويحب لقاء الله. لا تحقروا ضعفاء إخوانكم، فإنه من احتقر مؤمنا حقره الله ولم يجمع بينهما يوم القيامةإلا أن يتوب. ولا يكلف المرء أخاه الطلب إليه إذا عرف حاجته. تزاوروا وتعاطفوا وتباذلوا ولا تكونوا بمنزلة المنافق الذي يصف مالا يفعل.
تزوجوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من كان يحب أن يستن بسنتي فليتزوج، فإن من سنتي التزويج. اطلبوا الولد فإني مكاثر بكم الامم، توقوا على أولادكم من لبن البغي من النساء والمجنونة (2)، فإن اللبن يعدى. تنزهوا عن أكل الطير الذي ليس له قانصة ولا صيصية ولا حوصلة ولا كابرة (3). اتقوا أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. ولا تأكلوا الطحال، فإنه ينبت من الدم الفاسد. ولا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون. اتقوا الغدد من اللحم، فإنها تحرك عرق الجذام. لا تقيسوا الدين فإنه لا يقاس وسيأتي قوم يقيسون الدين هم أعداؤه، وأول من قاس إبليس، لا تتخذوا الملسن فإنه حذاء فرعون وهو أول من حذا الملسن (4). خالفوا
___________________
(1) لا يفصل بينكم وبين ما تحبون إلا حضور رسول الله عند احتضار الموت.
(2) البغى: المرأة الزانية الفاجرة.
(3) القانصة للطير بمنزله المعا لغيره.
والصيصية - بكسر أوله بغير همزة - الاصبع الزائد في باطن رجل الطائر بمنزلة الابهام من بنى آدم لانها شوكته فان الصيصية يقال للشوكة. والحوصلة للطير مكان المعدة لغيره يجتمع فيه الحب وغيره من المأكول ويقال لها بالفارسية (چينه دان).
وقال بعض اللغويين: القانصة: اللحمة الغليظة جدا التى يجتمع فيها كل ما تنقر من الحصى الصغار بعدما انحدر من الحوصلة ويقال لها بالفارسية: (سـنـگ دان) وهذا القول هو الصواب لموافقته للاخبار، في الكافى " عن ابن سنان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: الطير ما يؤكل منه؟ فقال: لا يؤكل ما لم تكن له قانصة ". وهى غير المعدة كمعدة الانسان لانها موجودة في الطيور كلها.
وليست في الخصال " ولا كابرة ". ولم أجده في اللغة.
(4) الحذاء: النعل. والملسن منها كمعظم: ما جعل طرفه كطرف اللسان والملسنة من النعال: ما فيها طول ولطافة كهيئة اللسان.
(*)
[106]
أصحاب المسكر. وكلوا التمر فإن فيه شفاء من الادواء. اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر. أكثروا الاستغفار فإنه يجلب الرزق. قدموا ما استطعتم من عمل الخير تجدوه غدا. إياكم والجدال فإنه يورث الشك. من كانت له إلى الله حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات: ساعة من يوم الجمعة - ساعة الزوال حين تهب الريح وتفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة وتصوت الطير، وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر، فإن ملكين يناديان: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من طالب حاجة؟، فأجيبوا داعي الله. واطلبو الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنه أسرع لطلب الرزق من الضرب في الارض، وهي الساعة التي يقسم الله عزوجل فيها الارزاق بين عباده. انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الامور إلى الله انتظار الفرج وما داوم عليه المؤمن (1). توكلوا على الله عند ركعتي الفجر بعد فراغكم منها ففيها تعطى الرغائب. لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم، ولا يصل أحدكم وبين يديه سيف، فإن القبلة أمن. ألموا (2) برسول الله صلى الله عليه وآله إذا حججتم، فإن تركه جفاء وبذلك امرتم. ألموا بالقبور التي يلزمكم حق سكانها وزوروها واطلبوا الرزق عندها، فإنهم يفرحون بزيارتكم، ليطلب الرجل الحاجة عند قبر أبيه وامه بعد ما يدعو لهما. لا تستصغروا قليل الاثم لما لم تقدروا على الكبير، فإن الصغير يحصى ويرجع إلى الكبير. أطيلوا السجود فمن أطاله أطاع ونجا. أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور، ويوم قيامكم بين يدي الله تهن عليكم المصائب.
إذا اشتكى أحدكم عينه فليقرأ آية الكرسي وليضمر في نفسه أنها تبرء فإنه يعافى إن شاء الله.
توقوا الذنوب فما من بلية ولا نقص رزق إلا بذنب حتى الخدش والنكبة
___________________
(1) انتظار الفرج هو التهيؤ والترقب له بحيث يصدق اطلاق اسم المنتظر عليه وقد مر الكلام فيه.
(2) يقال: ألم به أى أتاه فنزل به وزاره زيارة غير طويلة.
يعنى إذا ذهبتم إلى مكة لزيارة بيت الله وإذا فرغتم من أعمال الحج فأذهبوا إلى المدينة فزوروا قبر النبى صلى الله عليه وآله.
(*)
[107]
والمصيبة (1)، فإن الله جل ذكره يقول: " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير (2) ".
أكثروا ذكر الله عزوجل على الطعام ولا تلفظوا فيه فإنه نعمة من نعم الله ورزق من رزقه يجب عليكم شكره وحمده.
أحسنوا صحبة النعم قبل فواتها فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها.
من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل.
إياكم والتفريط، فإنه يورث الحسرة حين لا تنفع الحسرة.
إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام وأكثروا ذكر الله عزوجل ولا تولوا الادبار فتسخطوا الله وتستوجبوا غضبه إذا رأيتم من إخوانكم المجروح في الحرب أو من قد نكل (3) أو طمع عدوكم فيه فقووه بأنفسكم.
اصطنعوا المعروف (4) بما قدرتم عليه، فإنه تقي مصارع السوء.
من أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله منه عند الذنوب.
أفضل ما يتخذ الرجل في منزله الشاة، فمن كانت في منزله شاة قدست عليه الملائكة كل يوم مرة ومن كان عنده شاتان قدست عليه الملائكة كل يوم مرتين وكذلك في الثلاث ويقول الله: بورك فيكم.
إذا ضعف المسلم فليأكل اللحم باللبن، فإن الله جعل القوة فيهما.
إذا أردتم الحج فتقدموا في شراء بعض حوائجكم بأنفسكم فإن الله تبارك وتعالى قال: " ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة (5) ".
إذا جلس أحدكم في الشمس فليستدبرها لظهره فإنها تظهر الداء الدفين.
إذا حججتم فإكثروا النظر إلى بيت الله، فإن لله مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام، منها ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين أقروا عند بيت الله الحرام بما حفظتموه من ذنوبكم وما لم تحفظوه فقولوا: ما حفظته يا رب علينا ونسيناه فاغفره لنا.
فإنه من أقر بذنوبه
___________________
(1) الخدش: تفرق اتصال في الجلد أو الظفر أو نحو ذلك وإن لم يخرج الدم.
والنكبة كسجدة: الجراحة وما يصيب الانسان من الحوادث.
(2) سورة الشورى آية 30.
(3) النكالة ونكل به من باب قتل ونكل به - بالتشديد -: أصابه بنازلة.
(4) أى اتخذوا المعروف واختاروه.
(5) سورة التوبة آية 47.
(*)
[108]
في ذلك الموضع وعددها وذكرها واستغفر الله جل وعز منها كان حقا على الله أن يغفرها له.
تقدموا في الدعاء قبل نزول البلاء فإنه تفتح أبواب السماء في ستة مواقف: عند نزول الغيث وعند الزحف (1) وعند الاذان وعند قراءة القرآن ومع زوال الشمس وعند طلوع الفجر.
من مس جسد ميت بعدما يبرد لزمه الغسل.
من غسل مؤمنا فليغتسل بعدما يلبسه أكفانه ولا يمسه بعد ذلك (3) فيجب عليه الغسل.
ولا تجمروا الاكفان (2).
ولا تمسوا موتاكم الطيب إلا الكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم.
مروا أهاليكم (4) بالقول الحسن عند الميت، فإن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لما قبض أبوها عليهما السلام أشعرها بنات هاشم فقالت: اتركوا الحداد (5).
وعليكم بالدعاء.
المسلم مرآة أخيه فإذا رأيتم من أخيكم هفوة فلا تكونوا عليه إلبا (6) وأرشدوه وانصحوا له وترفقوا به. وإياكم والخلاف فإنه مروق. وعليكم بالقصد (7) تراءفوا وتراحموا. من سافر بدابته بدأ بعلفها وسقيها. لا تضربوا الدواب على حر وجوهها (8) فإنها تسبح ربها.
من ضل منكم في سفر أو خاف على نفسه فليناد: " يا صالح أغثني " فإن في إخوانكم الجن من إذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضال منك وحبس عليه دابته.
ومن خالف منكم الاسد على نفسه ودابته وغنمه فليخط عليها خطة وليقل: " اللهم رب دانيال والجب
___________________
(1) الزحف: الجيش الكثير يمشى ويزحف إلى العدو والمراد به ههنا الجهاد.
(2) أى لا تبخروا بالطيب.
(3) أى بعدما يبرد قبل أن يغسل.
(4) كذا ويمكن أن يكون " عزوا " من التعزية. و " مروا " من أمر يأمر كما في الخصال.
(5) في الخصال [ ساعدها جميع بنات بنى هاشم فقالت: دعوا التعداد ].
والحداد - بالكسر -: ترك الزينة.
وثياب الماتم السود ومنه حدت المرأة على زوجها إذا أحزنت ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة.
(6) الهفوة: الزلة والسقطة.
والالب: القوم يجمعهم عداوة واحد.
(7) أى بالاسقامة والعدل والرشد.
وتراءفوا من الرأفة.
(8) حر الوجه: ما بدا من الوجنة.
(*)
[109]
وكل أسد مستأسد، احفظني وغنمي (1) " ومن خاف منكم الغرق فليقل: " بسم الله مجريها ومرسيها إن ربي لغفور رحيم، وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ".
ومن خاف العقرب فليقرأ " سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ".
عقوا عن أولادكم في اليوم السابع وتصدقوا إذا حلقتم رؤوسهم بوزن شعورهم فضة، فإنه واجب على كل مسلم (2) وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بالحسن والحسين.
إذا ناولتم سائلا شيئا فاسألوه أن يدعو لكم فإنه يستجاب فيكم ولا يجاب في نفسه لانهم يكذبون، ويرد الذي يناوله يده إلى فيه فليقبلها فإن الله يأخذها قبل أن تقع في يد السائل: قال الله تبارك وتعالى: " ويأخذ الصدقات (3) ".
تصدقوا بالليل فإن صدقة الليل تطفئ غضب الرب.
احسبوا كلامكم من أعمالكم يقل كلامكم إلا في الخير.
أنفقوا مما رزقكم الله، فإن المنفق في (4) بمنزلة المجاهد في سبيل الله.
فمن أيقن بالخلف أنفق وسخت نفسه بذلك (5).
من كان على يقين فأصابه ما يشك فليمض على يقينه، فإن الشك لا يدفع اليقين ولا ينقضه.
ولا تشهدوا قول الزور.
___________________
(1) الجب: البئر العميقة ودانيال النبى عليه السلام كان من أنبياء بنى إسرائيل محبوسا في الجب في زمن بخت النصر على ما قيل وروى الشيخ الطوسى (ره) في أماليه عن أبى عبدالله عليه السلام أنه كان في زمن ملك جبار عات أخذه فطرحه في جب وطرح معه السباع فلم تدنوا منه ولم تخرجه فأوحى الله عزوجل إلى نبى من أنبيائه أن ائت دانيال بطعام، قال: يا رب وأين دانيال؟ قال: تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فاتبعه فانه يدلك إليه، فأتت به الضبع إلى ذلك الجب فاذا فيه دانيال، فأدلى إليه الطعام فقال دانيال: الحمد لله الذى من وثق به لم يكله إلى غيره - إلى آخر ما قال. انتهى.
وقوله: " أسد مستأسد " أى قوى مجترئ.
(2) يعنى أنه من سنن الاسلام فعلى المسلم أن يأخذ به ولا ينبغى تركه مهما أمكن.
(3) قال الله تعالى في سورة التوبة آية 105: " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم ".
(4) كذا وليست " في " في الخصال.
(5) الخلف - بفتحتين -: البدل والعوض.
(*)
[110]
ولا تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر، فإن العبد لا يدري متى يؤخذ وإذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ويأكل على الارض ولا يضع إحدى رجليه على الاخرى ولا يتربع، فإنها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها.
عشاء الانبياء بعد العتمة (1) فلا تدعوا العشاء، فإن تركه يخرب البدن.
الحمى رائد الموت (2) وسجن الله في الارض، يحبس بها من يشاء من عباده وهي تحت الذنوب كما تحات الوبر عن سنام البعير، ليس من داء إلا وهو داخل الجوف إلا الجراحة والحمى، فإنهما يردان على الجسد ورودا (3) اكسروا حر الحمى بالبنفسج والماء البارد، فإن حرها من فيح جهنم (4) لا يتداوى المسلم حتى يغلب مرضه صحته (5). الدعاء يرد القضاء المبرم فأعدوه واستعملوه.
للوضوء بعد الطهر عشر حسنات فتطهروا. إياكم والكسل فإنه من كسل لم يؤد حق الله.
تنظفوا بالماء من الريح المنتنة وتعهدوا أنفسكم فان الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفف به من جلس إليه (6). لا يعبث أحدكم بلحيته في الصلاة ولا بما يشغله عنها.
بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه بغيره. المؤمن نفسه منه في تعب والناس منه في راحة.
ليكن جل كلامكم ذكر الله. احذروا الذنوب، فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق.
داووا مرضاكم بالصدقة. وحصنوا أموالكم بالزكاة. الصلاة قربان كل تقي. والحج جهاد كل
___________________
(1) العشاء - بالفتح -: طعام العشى.
العتمة - بالتحريك -: ظلمة الليل ويطلق أيضا على الثلث الاول من الليل.
(2) الرائد: الذى يرسله القوم لينظر لهم مكانا ينزلون فيه، او ليخبرهم بما خفى عليهم والمراد به ههنا الذى يخبر بالموت.
وتحت الذنوب أى تزال وترد وتسقط الذنوب.
(3) اما الجراجة فمعلوم، وأما الحمى فلاثارها لان أثر الحمى يظهر في الجسد وترتفع حرارة الجسم فيها إلى ما فوق درجتها المعتادة وتسرع حركة النبض أيضا.
(4) فاح يفوح فوحا وفاح يفتح فيحا: انتشر.
وقيل: الفيح: شيوع الحر.
(5) لان التداوى لا يمكن غالبا إلا بالدواء والدواء له أثر ويهيج داءا غالبا ولذا وردت في الاحاديث " اجتنبوا الدواء ما احتمل بذلك الداء " " وما من دواء إلا ويهيج داءا ".
(6) التعهد: التحفظ وتجديد العهد ويتأفف أى يقول أف من كرب أو ضجر.
(*)
[111]
ضعيف. حسن التبعل جهاد المرأة. الفقر الموت الاكبر. قلة العيال أحد اليسارين (1). التقدير نصف المعيشة. الهم نصف الهرم. ما عال امرؤ اقتصد (2). ما عطب امرؤ استشار. لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب ودين. لكل شئ ثمرة وثمرة المعروف تعجيل السراح. من أيقن بالخلف جاد بالعطية.
من ضرب على فخذيه عند المصيبة فقد حبط أجره (3). أفضل عمل المؤمن انتظار الفرج. من أحزن والديه فقد عقهما. استنزلوا الرزق بالصدقة. ادفعوا أنواع البلاء بالدعاء، عليكم به قبل نزول البلاء، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة (4) للبلاء أسرع إلى المؤمن من السيل من إعلى التلعة إلى أسفلها أو من ركض البراذين. سلوا العافية من جهد البلاء، فإن جهد البلاء ذهاب الدين (5). السعيد من وعظ بغيره واتعظ. روضوا أنفسكم على الاخلاق الحسنة فإن العبد المؤمن يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم. من شرب الخمر وهو يعلم أنها خمر سقاه الله من طينة الخبال (6) وإن كان مغفورا له. لا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة. الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر. لتطيب المرأة لزوجها. المقتول دون ماله شهيد. المغبون لا محمود ولا محاور (7). لا يمين للولد مع والده ولا للمرأة مع زوجها. لا صمت إلى الليل إلا في ذكر الله. لا تعرب بعد الهجرة (8) ولا هجرة بعد الفتح.
تعرضوا لما عند الله عزوجل فإن فيه غنى عما في أيدي الناس. الله يحب المحترف
___________________
(1) اليسر: الهين.
(2) أى من اقتصد لا يفتقر. وعطب أى هلك. الصنيعة: الاحسان.
(3) أى حرم من ثواب أعماله.
(4) النسمة: كل ذى روح من إنسان وغيره. والتلعة: ما علا من الارض.
والبراذين جمع البرذون - بكسر الباء وفتح الذال المعجمة -: التركى من الخيل والدابة الحمل الثقيلة وأصلها من برذن أى أثقل. وركضها: سرعتها.
(5) الجهد: المشقة. وبمعنى الطاقة والاستطاعة والمراد به ههنا الاول.
(6) فسرت طينة الخبال بصديد أهل النار وما يخرج من فروج الزناة فيجتمع ذلك في جهنم فيشربه أهل النار وأصل الخبال: الفساد والهلاك والسم القاتل.
(7) في الخصال [ لا محمود ولا مأجور ].
وقوله: " لا يمين " أى بدون أذنهما.
(8) أى الالتحاق ببلاد الكفر والاقامة بها بعد المهاجرة عنها إلى بلاد الاسلام.
وفى زماننا هذا أن يشتغل بتحصيل العلم والمعرفة بالدين ثم بتركه ويصير منه غريبا.
(*)
[112]
الامين (1).
ليس من عمل أحب إلى الله من الصلاة، لا تشغلنكم عن أوقاتها أمور الدنيا، فإن الله ذم أقواما استهانوا بأوقاتها فقال: " الذين هم عن صلاتهم ساهون (2) " يعني غافلين.
اعلموا أن صالحي عدوكم يرائي بعضهم من بعض وذلك أن الله عزوجل لا يوفقهم ولا يقبل إلا ما كان له. البر لا يبلى والذنب لا ينسب. " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (3) ".
المؤمن لا يعير أخاه ولا يخونه ولا يتهمه ولا يخذله ولا يتبرء منه. إقبل عذر أخيك فإن لم يكن له عذر فالتمس له عذرا. مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجل " استعينوا بالله واصبروا إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (4) ". لا تعجلوا الامر قبل بلوغه فتندموا. ولا يطولن عليكم الامد (5) فتقسو قلوبكم. ارحموا ضعفاءكم واطلبوا الرحمة من الله عزوجل. إياكم والغيبة فإن المسلم لا يغتاب أخاه وقد نهى الله عن ذلك فقال: " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه (6) " لا يجمع المؤمن يديه في الصلاة وهو قائم يتشبه بأهل الكفر (7). لا يشرب أحدكم الماء قائما، فإنه يورث الداء الذي لا دواء له إلا أن يعافي الله. إذا أصاب أحدكم في الصلاة الدابة فليدفنها [ أ ] ويتفل عليها أو يضمها في ثوبه حتى ينصرف. والالتفات الفاحش يقطع الصلاة ومن فعل
___________________
(1) الاحتراف: الاكتساب.
(2) سورة الماعون آية 5.
(3) سورة النحل آية 128.
(4) سورة الاعراف آية 125.
(5) الامد: الاجل.
(6) سورة الحجرات آية 14.
(7) روى الصدوق طاب ثراه في الخصال عن أبى بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: لا يجمع المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين يدى الله عزوجل إلا تشبه بأهل الكفر يعنى المجوس.
وفى دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: إذا قمت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى فان ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن ارسلهما إرسالا فانه أحرى أن لا تشتغل نفسك عن الصلاة.
وحكى الطحاوى في اختلاف الفقهاء عن مالك ان وضع اليدين أحدهما على الاخرى انما يفعل في صلاة النوافل في طول القيام وتركه أحب إلى، وحكى أيضا عن الليث بن سعد أنه قال: سدل اليدين في الصلاة احب إلى الا أن يطول القيام.
(*)
[113]
فعليه الابتداء بالاذان والاقامة والتكبير.
من قرأ قل هو الله أحد إلى أن تطلق الشمس عشر مرات ومثلها إنا أنزلناه في ليلة القدر ومثلها آية الكرسي منع ماله مما يخاف عليه.
ومن قرأ قل هو الله أحد وإنا أنزلناه في ليلة القدر قبل طلوع الشمس لم يصب ذنبا وإن اجتهد فيه إبليس. استعيذوا بالله عز وجل من غلبة الدين. مثل أهل البيت سفينه (1) نوح من تخلف عنها هلك. تشمير الثياب طهور للصلاة، قال الله تعالى: " وثيابك فطهر (2) " أي فشمر.
لعق العسل شفاء قال الله: " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس (3) ".
ابدؤوا بالملح في أول طعامكم واختموا به فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الدرياق (4)، ومن ابتدأ طعامه به أذهب الله عنه سبعين داء لا يعلمه إلا الله.
صوموا ثلاثة أيام من كل شهر فهي تعدل صوم الدهر ونحن نصوم خميسين وأربعاء بينهما لان الله خلق جهنم يوم الاربعاء فتعوذوا بالله عزوجل منها.
إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر فيها يوم الخميس، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " اللهم بارك لامتي في بكرتها يوم الخميس.
وليقرأ إذا خرج من بيته " إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار - إلى قوله -: إنك لا تخلف الميعاد (5) " وآية الكرسي. وإنا أنزلناه في ليلة القدر وأم الكتاب فإن فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة. عليكم بالصفيق من الثياب (6)، فإنه من رق ثوبه رق دينه. لا يقومن أحدكم بين يدي ربه عزوجل وعليه ثوب يصفه (7). توبوا إلى الله وادخلوا في محبته
___________________
(1) كذا وقد استفاض عن رسول الله صلى الله عليه وآله من طريق الخاصة والعامة أنه قال: " مثل أهل بيتى كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ".
(2) سوره المدثر آية 4.
(3) سورة النحل آية 71.
(4) الدرياق: لغة في الترياق وهو دواء يدفع السموم.
(5) سورة آل عمران آية 193.
(6) في المكارم " قال رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيته لابى ذر: يا أبا ذر البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك مسلكا ". ثوب صفيق: كثيف نسجه.
(7) في المكارم عن أبى عبدالله عليه السلام " قال: كان لابى ثوبان خشنان يصلى فيهما صلاته فاذا أراد أن يسأل الحاجة لبسهما وسأل الله حاجته ".
" وعنه عليه السلام قال: إن الجسد إذا لبس الثوب اللين طغى ".
(*)
[114]
فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والمؤمن منيب وتواب.
إذا قال المؤمن لاخيه: أف انقطع ما بينهما، وإذا قال له: أنت كافر كفر أحدهما، ولا ينبغي له أن يتهمه فإن اتهمه انماث الايمان بينهما كما ينماث الملح في الماء.
باب التوبة مفتوح لمن أرادها فتوبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم.
أوفوا بالعهود إذا عاهدتم. فما زالت نعمة عن قوم ولا عيش إلا بذنوب أجترحوها، إن الله ليس بظلام للعبيد ولو استقبلوا ذلك بالدعاء لم تزل ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم أو زالت عنهم النعم فزوعوا إلى الله عزوجل بصدق من نياتهم ولم يهنوا ولم يسرفوا لاصلح لهم كل فاسد ورد عليهم كل ضائع، إذا ضاق المسلم فلا يشكون ربه ولكن يشكو إليه، فإن بيده مقاليد الامور وتدبيرها في السماوات والارضين وما فيهن وهو رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين.
وإذا جلس العبد من نومه فليقل قبل أن يقوم: " حسبي الرب من العباد، حسبي هو حسبي ونعم الوكيل(1) " وإذا قام أحدكم من الليل فلينظر إلى أكناف السماء وليقرأ " إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار - إلى قوله -: لا تخلف الميعاد ".
الاطلاع في بئر زمزم يذهب بالداء فاشربوا من مائها مما يلي الركن الذي فيه الحجر الاسود (2).
أربعة أنهار من الجنة: الفرات، والنيل، وسيحان، وجيحان وهما نهران (3).
لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ولا ينفذ في الفيئ أمر الله عزوجل وإن مات في ذلك كان معينا لعدونا في حبس حقنا والاشاطة (4) بدمائنا وميتته ميتة جاهلية.
ذكرنا - أهل البيت - شفاء من الوغل والاسقام (5) ووسواس
___________________
(1) من قوله: " وتدبيرها " إلى هنا مشوه والصحيح ما في الخصال ولا يسعنا تصحيحه.
(2) وكذا في البحار في كتاب الحج.
ولعله من الطلاع أى الاناء ويحتمل أن يكون بالهمزة بدل العين فمن الطلى وهو واضح.
(3) الفرات بالعراق والنيل بمصر وسيحان وجيحان ببلخ وفى بعض النسخ [ ومهران ] موضع " وهما نهران ". وهذه الانهار لكثرة منافعها كأنها من أنهار الجنة ومادة منها فلا منحصر فيها.
(4) أشاط السلطان دمه.
وبدمه: عرضه للقتل وأهدر دمه.
(5) الوغل: الخباثة، الاغتيال، الافساد.
(*)
[115]
الريب وحبنا رضى الرب. والآخذ بأمرنا وطريقتنا ومذهبنا معنا غدا في حظيرة الفردوس، والمنتظر لامرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله. من شهدنا في حربنا وسمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار. نحن باب الجنة إذا بعثوا وضاقت المذاهب. ونحن باب حطه (1) وهو السلم، من دخله نجا ومن تخلف عنه هوى. بنا فتح الله عزوجل وبنا يختم الله وبنا يمحو الله ما يشاء وبنا يدفع الله الزمان الكلب وبنا ينزل الغيب (2) ولا يغرنكم بالله الغرور. لو قد قام قائمنا لانزلت السماء قطرها ولاخرجت الارض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد و اصطلحت السباع (3) والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على نبات وعلى رأسها زنبيلها، لا يهيجها سبع ولا تخافه. لو تعلمون ما في مقامكم بين عدوكم وصبركم على ما تسمعون من الاذى لقرت أعينكم. لو قد فقدتموني لرأيتم بعدي أشياء يتمنى أحدكم الموت مما يرى من الجور والعدوان والاثرة (4) والاستخفاف بحق الله والخوف على نفسه، فإذا كان ذلك فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وعليكم بالصبر والصلاة والتقية واعلموا أن الله عزوجل يبغض من عباده التلون. لا تزولوا عن الحق وأهله فإن من استبدل بنا هلك وفاتته الدنيا وخرج منها آثما. إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله (5)، فإن لم يكن له أهل فليقل: " السلام علينا من ربنا " ويقرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله، فإنه ينفي الفقر. علموا صبيانكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا ثماني سنين. تنزهوا عن قرب الكلاب،
___________________
(1) في الحديث " من ابتلاه في جسده فهو له حطة أى يحبط عنه خطاياه وذنوبه " وهى فعلة من حط الشئ يحطه إذا أنزله وألقاه.
ومعنى كونهم عليهم السلام باب حطة أى أنهم باب الانابة إلى الله والطريق إليه.
(2) " بنا فتح الله - إلى قوله -: ينزل الغيث " إنما ذلك لكونهم المقصود من الوجود والايجاد.
والزمان الكلب: الشديد الصعب.
(3) الشحناء: العداوة امتلات منها النفس.
واصطلحت اى تصالحت.
(4) الاثرة - بالتحريك -.
اسم من استأثر بالشئ إذا استبد به بمعنى الاختيار وحب النفس المفرط واختصاص الرجل نفسه بأحسن الشئ دون غيره.
(5) قال الله تعالى: " وتسلموا على أهلها " و " فاذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة " سورة النور آية 61.
(*)
[116]
فمن أصابه كلب جاف فلينضح ثوبه بالماء (1) وإن كان الكلب رطبا فليغسله.
إذا سمعتم من حديثنا ما لا تعرفونه فردوه إلينا وقفوا عنده وسلموا إذا تبين لكم الحق ولا تكونوا مذائيع عجلى (2). فإلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر. من تمسك بنا لحق ومن تخلف عنا محق، من اتبع أمرنا لحق. من سلك غير طريقتنا سحق (3). لمحبينا أفواج من رحمة الله ولمبغضينا أفواج من سخط الله. طريقنا القصد وأمرنا الرشد، لا يجوز (4) السهو في خمس: الوتر والركعتين الاوليين من كل صلاة مفروضة التي تكون فيهما القراءة، والصبح والمغرب وكل ثنائية مفروضة وإن كانت سفرا. ولا يقرء العاقل القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر له. اعطوا كل سورة حقها من الركوع والسجود إذا كنتم في الصلاة. لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به (5)، فإنه من فعال أهل لوط. تجزي للرجل الصلاة في ثوب واحد، يعقد طرفيه على عنقه، وفي القميص الصفيق يزره عليه(6)، لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط هي فيه. ويجوز أن يكون الصورة تحت قدميه أو يطرح عليها ما يواريها. ولا يعقد الرجل الدرهم الذي فيه الصورة في ثوبه وهو يصلي
___________________
(1) أى رشه وبله لينظف به.
(2) المذائيع جمع مذياع: لا يكتم السر، من الاذاعة بمعنى الافشاء.
وعجلى مؤنث العجلان بمعنى العجول.
(3) في النهج " نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالى وإليها يرجع الغالى " وذلك لان سيرتهم عليهم السلام هى الطريق والدين القويم والصراط المستقيم وهم السبل إلى الفطرة الحنيفية التى بنيت الشرائع عليها فنوديت كافة الناس باتباعها " فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون " فهم عليهم السلام قاموا بخلوص الفطرة وأسسوا تعاليمهم عليها ولم تتأثروا بأية عاطفة اعتيادية أو تعليمات بشرية وان قل، فلذا من غلا في دينه وتجاوز بالافراط حدود الجادة الالهية فانما نجاته بالرجوع إلى سيرتهم والتفيؤ في ظلالهم.
والمحق: الابطال.
والسحق: البعد والهلاك.
(4) أى لا يكون.
(5) يقال: فلان يتوشح بثوبه هو أن يدخله تحت إبطه فألقاه على منكبه كما يتوشح الرجل بحمائل سفيه. وفى الحديث " التوشح في القميص من فعل الجبابرة ".
(6) الصفيق من الثوب خلاف السخيف.
ويزره أى يشد أزراره وأدخلها في العرى والازرار جمع الزر وهو ما يجعل في العروة.
وعروة الثوب ما يدخل فيه الزر عند شده.
(*)
[117]
ويجوز أن يكون الدرهم في هميان أو في ثوب إن كان ظاهرا. لا يسجد الرجل على كدس حنطة(1) ولا على شعير ولا على شئ مما يؤكل ولا على الخبز. إذا أراد أحدكم الخلاء فليقل: " بسم الله اللهم أمط عني الاذى وأعذني من الشيطان الرجيم (2) " وليقل إذا جلس: " اللهم كما أطعمتنيه طيبا وسوغتنيه فاكفنيه " (3). فإذا نظر إلى حدثه بعد فراغه فليقل: " اللهم ارزقني الحلال وجنبني الحرام " فإن رسول الله صلى الله على وآله قال: ما من عبد إلا وقد وكل الله به ملكا يلوي عنقه إذا أحدث حتى ينظر إليه فعند ذلك ينبغي له أن يسأل الله الحلال، فإن الملك يقول: يا ابن آدم هذا ما حرصت عليه، انظر من أين أخذته وإلى ماذا صار.
لا يتوضأ الرجل حتى يسمي قبل أن يمس الماء، يقول: " بسم الله، اللهم أجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ".
فإذا فرغ من طهورة قال: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله ". فعندها يستحق المغفرة. من أتى الصلاة عارفا بحقها غفر الله له. ولا يصل الرجل نافلة في وقت فريضة ولا يتركها إلا من عذر وليقض بعد ذلك إذا أمكنه القضاء (4)، فإن الله عزوجل يقول: " الذين هم على صلاتهم دائمون (5) " هم الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار ومن النهار بالليل. لا تقضوا النافلة في وقت الفريضة ولكن ابدؤوا بالفريضة ثم صلوا ما بدا لكم.
الصلاة في الحرمين تعدل ألف صلاة. درهم ينفقه الرجل في الحج يعدل ألف درهم. ليخشع الرجل في صلاته فإنه من خشع لله في الركعة فلا يعبث بشئ في صلاة (6). القنوت في كل صلاة ثنائية قبل الركوع في الركعة الثانية إلا الجمعة فإن فيها قنوتين
___________________
(1) الكدس - بالضم -: الحب المحصود المجموع.
(2) ماط وأماط عنه أى أزال وأبعده ويريد بالاذى الفضلة.
(3) يقال: ساغ الطعام أو الشراب أى هنأ وسهل مدخله في الحلق.
والسائغ من الشراب: سهل المرور في الحلق.
(4) وإلا فليوص بذلك.
(5) سورة المعراج آية 23.
(6) كذا.
وفى الخصال [ فان من خشع قلبه لله خشعت جوارحه ].
(*)
[118]
أحدهما قبل الركوع في الركعة الاولى والآخر بعده في الركعة الثانية.
والقراءة في الجمعة في الركعة الاولى بسورة الجمعة بعد فاتحة الكتاب وإذا جاءك المنافقون (1).
اجلسوا بعد السجدتين حتى تسكن جوارحكم. ثم قوموا فإن ذلك من فعلنا. إذا افتتح أحدكم الصلاة فليرفع يديه بحذاء صدره. إذا قام أحدكم بين يدي الله فليتجوز وليقم صلبه ولا ينحني (2).
إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء في الدعاء ولينتصب، فقال ابن سبأ (3): يا أمير المؤمنين أليس الله بكل مكان؟ قال: بلى، قال: فلم نرفع أيدينا إلى السماء؟ فقال: ويحك أما تقرأ: " وفي السماء رزقكم وما توعدون (4) " فمن أين نطلب الرزق إلا من موضعه وهو ما وعد الله في السماء. لا تقبل من عبد صلاة حتى يسأل الله الجنة ويستجير به من النار ويسأله أن يزوجه من الحور العين. إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليصل صلاة مودع. لا يقطع الصلاة التبسم وتقطعها القهقهة.
إذا خالط النوم القلب فقد وجب الوضوء. إذا غلبتك عينك وأنت في الصلاة فاقطعها ونم، فإنك لا تدري لعلك أن تدعو على نفسك. من أحبنا
___________________
(1) اى في الركعة الثانية بعد الفاتحة.
(2) " فليتجوز " اى فاقتصر على الجائر المجزى. وفى الخصال [ فليتحرى بصدره ]. والصلب عظم الفقرات تكون في الظهر. ويمتد من الكاهل إلى أسفل الظهر.
(3) ابن سبا هو عبدالله بن سبا الذى رجع إلى الكفر وأظهر الغلو وانه كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وممن يهيج الناس على عثمان ويعين عليه ويقول بإمرة على بن ابي طالب عليه السلام وقال فيما قال لهم: " لكل نبى وصى وكان على وصى محمد صلى الله عليه وآله، ثم قال محمد خاتم الانبياء وعلى خاتم الاوصياء ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وآله ووثب على وصى رسول الله صلى الله عليه وآله وتناول أمر الامة - ثم قال لهم -: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصى رسول الله فانهضوا في هذا الامر وحركوه وابدؤوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الامر بالمعروف وانهو عن المنكر " قيل: انه يدعى أن عليا عليه السلام هو الله فاستتابه على عليه السلام ثلاثة فلم يرجع فأحرقه بالنار وروى الكشى باسناده عن عبدالله بن سنان عن أبيه عن الباقر عليه السلام أن عبدالله بن سبا كان يدعى النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله - تعالى الله عن ذلك - فبلغ أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: نعم أنت هو وقد كان ألقى في روعى أنك أنت الله وإنى نبى فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك امك وتب فابى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار.
وأنكر وجوده بعض من عاصرناه.
(4) سورة الذاريات آية 22.
[١١٩]
بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل بيده فهو معنا في الجنة في درجتنا. ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولم يقاتل معنا فهو أسفل من ذلك بدرجة. ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولا بيده فهو معنا في الجنة. ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو في أسفل درك من النار. ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ولم يعن علينا بيده فهو فوق ذلك بدرجة. ومن أبغضنا بقلبه ولم يعن علينا بلسانه ولا يده فهو في النار. إن أهل الجنة لينظرون إلى منازل شيعتنا كما ينظر الانسان إلى الكواكب التي في السماء. إذا قرأتم من المسبحات شيئا فقولوا: سبحان ربي الاعلى. [ وإذا قرأتم ] " إن الله وملائكته يصلون على النبي " فصلوا عليه في الصلاة كثيرا وفي غيرها. ليس في البدن أقل شكرا من العين فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله عزوجل. إذا قرأتم والتين فقولوا [ في آخرها ]: " ونحن على ذلك من الشاهدين. [ إذا قرأتم " قولوا آمنا بالله " ] فقولوا: " آمنا بالله - حتى تبلغوا إلى قوله -: ونحن له مسلمون " (١). إذا قال العبد في التشهد الاخير من الصلاة المكتوبة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ثم أحدث حدثا (٢) فقد تمت صلاته. ما عبدالله عزوجل بشئ هو أشد من المشي إلى الصلاة.
اطلبوا الخير في أعناق الابل وأخفافها صادرة وواردة (٣). إنما سمي نبيذ السقاية لان رسول الله صلى الله عليه وآله اتي بزبيب من الطائف فأمر أن ينبذ ويطرح في ماء زمزم لانه مر فأراد أن تسكن مرارته، فلا تشربوا إذا اعتق (٤). إذا تعرى الرجل نظر إليه الشيطان فطمع فيه، فاستتروا.
ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه و يجلس بين يدي قوم. من أكل شيئا من المؤذيات (٥) فلا يقربن المسجد.
___________________________________
(١) سورة البقرة آية ١٣١.
(٢) أى أتى بشئ من المبطلات.
(٣) لعل مراده عليه السلام بيعها وشرائها.
(٤) اى إذا مضى عليه زمانا.
(٥) كالثوم والبصل.
(*)
[١٢٠]
ليرفع الساجد مؤخره في الصلاة. إذا أراد أحدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلهما. إذا صليت وحدك فأسمع نفسك القراءة والتكبير والتسبيح. إذا انفتلت من صلاتك (١). فعن يمينك. تزودوا من الدنيا التقوى فإنها خير ما تزودتموه منها. من كتم وجعا أصابه ثلاثة أيام من الناس وشكا إلى الله كان حقا على الله أن يعافيه منه. أبعد ما يكون العبد من الله إذا كانت همته بطنه وفرجه. لا يخرج الرجل في سفر يخاف على دينه منه. اعط السمع أربعة في الدعاء: الصلاة على النبي وآله، والطلب من ربك الجنة، والتعوذ من النار، وسؤالك إياه الحور العين. إذا فرغ الرجل من صلاته فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليسأل الله الجنة ويستجير به من النار ويسأله أن يزوجه الحور العين، فإنه من لم يصل على النبي رجعت دعوته ومن سأل الله الجنه سمعت الجنة فقالت: يا رب أعط عبدك ما سأل. ومن استجار به من النار قالت النار: يا رب أجر عبدك مما استجار منه. ومن سأل الحور العين سمعت الحور العين فقالت: أعط عبدك ما سأل. الغناء نوح إبليس على الجنة (٢). إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خده الايمن وليقل: " بسم الله وضعت جنبي لله على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية من افترض الله طاعته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " من قال ذلك عند منامه حفظ من اللص المغير والهدم واستغفرت له الملائكة حتى ينتبه. ومن قرأ قل هو الله أحد حين يأخذ مضجعه وكل الله به خمسين ألف ملك يحرسونه ليلته. إذا نام أحدكم فلا يضعن جنبه حتى يقول: " اعيذ نفسي وأهلي وديني ومالي وولدي وخواتيم عملي و [ ما ] خولني ربي (٣) ورزقني بعزة الله وعظمة الله وجبروت الله وسلطان الله ورحمة الله ورأفة الله وغفران الله وقوة الله وقدرة الله ولا إله إلا الله وأركان الله وصنع الله وجمع الله وبرسول الله صلى الله عليه وآله وبقدرته على ما يشاء من شر السامة والهامة (٤) ومن شر الجن والانس ومن شر ما ذرأ في الارض وما يخرج
___________________________________
(١) انفتل من الصلاة أى انصرف عنها.
(٢) النوح: الصيحة مع الجزع.
(٣) كذا وفى الخصال [ وما رزقنى ربى وخولنى ].
خوله الشئ: ملكه إياه وأعطاه متفضلا.
(٤) السامة: ما يسم ولا يقتل مثل العقرب والزنبور والهامة: ما يسم ويقتل وقد تطلق على ما يدب وإن لم يقتل كالحشرات.
(*)
[١٢١]
منها ومن شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وهو على كل شئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله " فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعوذ الحسن والحسين بها وبذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليهم أجمعين. نحن الخزان لدين الله ونحن مصابيح العلم. إذا مضى منا علم بدا علم، لا يضل من اتبعنا ولا يهتدي من أنكرنا ولا ينجو من أعان علينا عدونا، ولا يعان من أسلمنا، ولا يخلو عنا بطمع في حطام الدنيا الزائلة عنه، فإنه من آثر الدنيا علينا (١) عظمت حسرته غدا وذلك قول الله: " أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين (٢) ". اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشم الغمر(٣) فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به الكاتبان(٤). لكم من النساء أول نظرة فلا تتبعوها واحذروا الفتنة. مد من الخمر يلقى الله عزوجل حين يلقاه كعابد وثن فقال له حجر بن عدي (٥): يا أمير المؤمنين من المدمن للخمر؟
___________________________________
(١) أى قدم نفسه علينا وغصب حقنا.
(٢) سورة الزمر آية ٥٦. وقوله: فرطت أى قصرت.
(٣) الغمر - بالتحريك -: الدسم والزهومة من اللحم والوضر من السمن وفى الحديث لا يبيتن أحدكم ويده غمرة.
(٤) أى الملكان الموكلان على الانسان ويكتبان أعماله وأفعاله من الخير والشر.
(٥) بتقديم الحاء المهملة على الجيم المعجمة الساكنة من قبيلة كندة وكان رحمه الله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بل من خواصه وكان مقيما بالكوفة إلى زمن زياد بن أبيه فأخذه زياد وحبسه وأصحابه ثم بعث بهم إلى معاوية بن أى سفيان حتى انتهوا إلى مرج عذراء (قرية بغوطة دمشق على أميال منها) وحبسوا به وكانوا أربعة عشر رجلا فجاء رسل معاوية إليهم فقال لهم: إنا قد امرنا أن نعرض عليكم البراءة من على واللعن له فان فعلتم هذا تركناكم وإن ابيتم قتلناكم وأمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم عليكم غير أنه عفى عن ذلك فابرؤوا من هذا الرجل يخل سبيلكم، قالوا: لسنا فاعلين، فامروا بقيودهم فحلت واتى باكفانهم فقاموا الليل كله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء قد رأيناكم البارحة اطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق، فقالوا: أمير المؤمنين أعرف بكم، ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرؤون من هذا الرجل قالوا: بل نتولاه فأخذ كل رجل منهم رجلا يقتله فقال: لهم حجر: دعونى أصلى ركعتين فانى والله ما توضأت قط إلا صليت فقالوا له: صل فصلى ثم انصرف فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ولولا أن يروا أن ما بى جزع من الموت لاحببت ان استكثر منها فمشى إليه هدبة بن الفياض الاعور بالسيف فارعدت فرائصه فقال: كلا زعمت أنك لا تجزع من الموت فانا ندعك فابرء من صاحبك فقال: مالى لا أجزع وأنا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا وإنى والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب، ثم قتله رضوان الله عليه وقد عظم قتله على قلوب المسلمين وعابوا معاوية على ذلك. (*)
[١٢٢]
قال: الذي إذا وجدها شربها. من شرب مسكرا لم تقبل صلاته أربعين ليلة. من قال لمسلم قولا يريد به انتقاص مروته حبسه الله في طينة خبال (١) حتى يأتي مما قال بمخرج. لا ينم الرجل مع الرجل في ثوب واحد ولا المرأة مع المرأة في ثوب واحد ومن فعل ذلك وجب عليه الادب وهو التعزير. كلوا الدباء (٢) فإنه يزيد في الدماغ وكان يعجب النبي صلى الله عليه وآله. كلوا الاترج قبل الطعام وبعده فإن آل محمد صلى الله عليه وآله يأكلونه. الكمثرى يجلو القلب ويسكن أوجاعه بإذن الله. إذا قام الرجل في الصلاة أقبل إبليس ينظر إليه حسدا لما يرى من رحمة الله التي تغشاه. شر الامور محدثاتها (٣). خير الامور ما كان لله عزوجل رضى. من عبد الدنيا وآثرها على الآخرة استوخم العاقبة (٤). لو يعلم المصلي ما يغشاه من رحمة الله ما انفتل ولا سره أن يرفع رأسه من السجدة.
إياكم والتسويف في العمل، بادروا به إذا أمكنكم. ما كان لكم من رزق فسيأتيكم على ضعفكم وما كان عليكم فلن تقدروا على دفعه بحيلة. مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. إذا وضع الرجل في الركاب يقال: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون (٥) ". وإذا خرج أحدكم في سفر فليقل: " اللهم أنت الصاحب في السفر والحامل على الظهر والخليفة في الاهل والمال والولد".
وإذا نزلتم فقولوا: " اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ".
إذا دخلتم الاسواق لحاجة فقولوا: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله اللهم إني أعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين فاجرة وأعوذ بك من بوار الايم (٦). المنتظر وقت الصلاة بعد العصر زائر لله وحق على الله عزوجل
___________________________________
(١) يقال: انتقص الرجل أى عابه.
والخبال: الفساد وطينة الخبال فسرت بصديد أهل النار.
(٢) الدباء: القرع وهو نوع من اليقطين. والاترج: الترنج.
(٣) المحدثات -: ما لم يكن معروفا في كتاب ولا سنة ولا إجماع ومنه الخبر " إياكم و محدثات الامور ".
(٤) " آثرها " اى اختاره وفضله عليها.
واستوخم العاقبة: وجدها وخيما أى ثقيلا.
(٥) سورة الزخرف آية ١٢، ١٤.
(٦) الصفقة: ضرب اليد على اليد في البيع وكانت العرب إذا وجب البيع ضرب أحدهما يده على يد صاحبه، ثم اسعملت الصفقة في عقد البيع والمراد بها ههنا بيعة خاسرة.
والبوار: الكساد و الايم مرأة لا زوج لها وفى النسخ: " بواء الاثم " أى جزاؤه.
لكنه تصحيف.
(*)
[١٢٣]
أن يكرم زائره ويعطيه ما سأل.
الحاج والمعتمر وفد الله وحق على الله أن يكرم وفده (١) ويحبوه بالمغفرة. من سقى صبيا مسكرا وهو لا يعقل حبسه الله في طينة خبال حتى يأتي مما فعل بمخرج. الصدقة جنة عظيمة وحجاب للمؤمن من النار ووقاية للكافر من تلف المال ويعجل له الخلف ويدفع السقم عن بدنه، وماله في الآخرة من نصيب. باللسان يكب أهل النار في النار، وباللسان يستوجب أهل القبور النور، فاحفظوا ألسنتكم واشغلوها بذكر الله. من عمل الصور سئل عنها يوم القيامة. إذا أخذت من أحدكم قذاة (٢) فليقل: أماط الله عنك ما تكره. إذا خرج أحدكم من الحمام فقال له أخوه: طاب حميمك، فليقل: أنعم الله بالك. وإذا قال له: حياك الله بالسلام فليقل: وأنت فحياك الله بالسلام وأحلك دار المقام. السؤال بعد المدح فامدحوا الله ثم سلوه الحوائج وأثنوا عليه قبل طلبها. يا صاحب الدعاء لا تسأل مالا يكون ولا يحل. إذا هنأتم الرجل من مولود ذكر فقولوا: بارك الله لك في هبته وبلغ أشده ورزقت بره. إذا قدم أحدكم من مكة فقبل عينيه وفمه الذي قبل الحجر الاسود الذي قبله رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل موضع سجوده وجبهته، وإذا هنأتموه فقولوا: قبل الله نسكك وشكر سعيك وأخلف عليك نفقتك ولا جعله آخر عهدك ببيته الحرام. إحذروا السفلة فإن السفلة لا يخاف الله عزوجل. إن الله اطلع فاختارنا واختار لنا شيعتنا، ينصروننا ويفرحون بفرحنا ويحزنون بحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منا وإلينا. ما من شيعتنا أحد يقارف أمرا (٣) نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه (٤) إما في مال أو ولد وإما في نفسه
___________________________________
(١) الوافد: الوارد القادم.
ويحبوه أى يعطيه، من حباه بكذا أى أعطاه إياه بلا جزاء.
(٢) القذى والقذاة: ما يقع في العين أو في الشراب من تراب وتبن ونحوهما وأماط: أى نحاه وأبعده.
(٣) أى يقارب أمرا ويدنوه.
(٤) تمحص بها ذنوبه أى تطهر بها.
ويخلص بها.
وفى سورة آل عمران ١٤١ " وليمحص الله الذين آمنوا ".
(*)
[١٢٤]
حتى يلقى الله محبنا وما له ذنب وإنه ليبقى عليه شئ من ذنوبه فيشدد عليه عند الموت فيمحص ذنوبه. الميت من شيعتنا صديق شهيد، صدق بأمرنا وأحب فينا وأبغض فينا، يريد بذلك وجه الله، مؤمنا بالله ورسوله. من أذاع سرنا أذاقه الله بأس الحديد (١). اختنوا أولادكم يوم السابع ولا يمنعكم حر ولا برد، فإنه طهر للجسد وإن الارض لتضج على الله من بول الاقلف (٢). أصناف السكر أربعة: سكر الشباب (٣) وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك. احب للمؤمن أن يطلى في كل خمسة عشر يوما مرة بالنورة. أقلوا أكل الحيتان فإنها تذيب البدن وتكثر البلغم وتغلظ النفس. الحسو باللبن (٤) شفاء من كل داء إلا الموت. كلوا الرمان بشحمه. فإنه دباغ للمعدة (٥) وحياة للقلب ويذهب بوسواس الشيطان. كلوا الهندباء (٦) فإنه ما من صباح إلا وعليه قطرة من قطر الجنة. اشربوا ماء السماء. فإنه طهور للبدن ويدفع الاسقام قال الله عزوجل: " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان (٧) ". الحبة السوداء ما من داء إلا وفيها منه شفاء إلا السام. لحوم البقر داء وألبانها شفاء كذلك أسمانها. ما تأكل الحامل شيئا ولا تبدأ به أفضل من الرطب قال الله: " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (٨) " حنكوا أولادكم بالتمر (٩) فهكذا فعل
___________________________________
(١) يعنى بالسيف في الدنيا لان من أذاع سر أهل البيت سيما في زمان خلفاء الجور قتل به.
(٢) الاقلف: الذى لم يختن.
(٣) في الخصال [ سكر الشراب ].
(٤) الحسو من البن: شربه شيئا بعد الشئ والحسوة - بالضم والفتح -: الجرعة.
(٥) أى أزال ما بها من رطوبة ونتن.
(٦) الهندباء: نبات يقال له بالفارسية: (كاسنى).
(٧) سورة الانفال آية ١١.
(٨) سورة مريم آية ٢٥.
(٩) الحنك - بالتحريك - أعلى باطن الفم والاسفل من طرف مقدم اللحيين وقد يطلق على ما تحت الذقن.
وتحنك المولود بالتمر هو أن يمضغ حتى يصير مايعا فيوضع في فيه ليصل شئ إلى جوفه يقال: حنك اى مضغ فدلك بحنكه.
(*)
١٠
[١٢٥]
رسول الله صلى الله عليه وآله بالحسن والحسين.
إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعاجلنها وليمكث يكن منها مثل الذي يكون منه.
إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليلق أهله فإن عندها مثل الذي رأى ولا يجعل للشيطان على قلبه سبيلا وليصرف بصره عنها، فإن لم تكن له زوجة فليصل ركعتين ويحمد الله كثيرا.
إذا أراد أحدكم غشيان زوجته فليقل الكلام فإن الكلام عند ذلك يورث الخرس (١).
لا ينظرن أحدكم إلى باطن فرج المرأة، فإنه يورث البرص.
وإذا أتى أحدكم زوجته فليقل: " اللهم إني استحللت فرجها بأمرك وقبلتها بأمانك فإن قضيت منها ولدا فاجعله ذكرا سويا ولا تجعل للشيطان فيه شركا ونصيبا ".
الحقنة من الاربعة التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيها ما قال، وأفضل ما تداويتم به الحقنة وهي تعظم البطن وتنقي داء الجوف وتقوي الجسد. استعطوا بالبنفسج، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لو يعلم الناس ما في البنفسج لحسوه حسوا (٢).
إذا أراد أحدكم إتيان أهله فليتوق الاهلة وأنصاف الشهور فإن الشيطان يطلب الولد في هذين الوقتين. توقوا الحجامة يوم الاربعاء ويوم الجمعة، فإن الاربعاء نحس مستمر وفيه خلقت جهنم. وفي يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيه أحد إلا مات.
___________________________________
(١) الغشيان - بالكسر -: الاتيان بالمجامعة.
والخرس - بالتحريك -: آفة تصيب اللسان فتمنعه من الكلام.
(٢) أى شربوه شيئا بعد شئ.
واعلم أنه ينبغى أن يراعى الانسان في استعمال ما جاء عن الائمة عليهم السلام في خواص بعض النباتات بل في كل ما صدر عنهم في الطب والتداوى الاهوية والامكنة والامزجة فما قيل على هواء مكة والمدينة لا يجوز استعماله في سائر الاهوية وما روى في العسل أنه شفاء من كل داء فهو صحيح ومعناه أنه شفاء من كل داء بارد وما روى في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير فان ذلك اذا كان بواسيره من الحرارة وهكذا في غير ذلك انظر سفينة البحار المجلد الثانى ص ٧٨ قول المشايخ في ذلك.
(*)
[١٢٦]
(عهده عليه السلام إلى الاشتر حين ولاه مصر وأعمالها) [ بسم الله الرحمن الرحيم ] (١).هذا ما أمر به عبدالله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الاشتر في عهده إليه حين ولاه مصر: جباية خراجها ومجاهدة عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها. أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر الله به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه، فإنه قد تكفل بنصل من نصره إنه قوي عزيز وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم. وأن يعتمد كتاب الله عند الشبهات، فإن فيه تبيان كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. وأن يتحرى رضا الله، ولا يتعرض لسخطه ولا يصر على معصيته، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه. ثم اعلم يا مالك أني وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور وأن الناس ينظرون من امورك في مثل ما كنت تنظر فيه من امور الولاة قبلك. ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح بالقصد فيما تجمع وما ترعى به رعيتك. فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك (٢)، فإن الشح بالنفس الانصاف منها فيما أحببت وكرهت. وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة
___________________________________
(١) مختار هذا العهد منقول في النهج ودعائم الاسلام مع اختلاف.
وهو مالك بن الحارث الاشتر النخعى من اليمن كان من أكابر أصحابه عليه السلام ذو النجدة والشجاعة روى أن الطرماح لما دخل على معاوية قال له: قل لابن أبى طالب: انى جمعت العساكر بعدد حب جاورس الكوفة وها أنا قاصده فقال له الطرماح: ان لعلى عليه السلام ديكا أشتر يلتقط جميع ذلك فانكسر من قوله معاوية.
(٢) أى وابخل بنفسك عن الوقوع في غير الحل.
(*)
[١٢٧]
لهم واللطف بالاحسان إليهم. ولا تكوننن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم (١) فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق، تفرط منهم الزلل (٢) وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفو [ ه ] فإنك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاك بما عرفك من كتابه وبصرك من سنن نبيه صلى الله عليه وآله. عليك بما كتبنا لك في عهدنا هذا لا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يد لك بنقمته (٣) ولا غنى بك عن عفوه ورحمته. فلا تند من على عفو ولا تبجحن بعقوبة (٤) ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة ولا تقولن إني مؤمر آمر فاطاع (٥) فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين و تقرب من الفتن، فتعوذ بالله من درك الشقاء. وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به ابهة أو مخيلة (٦) فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على مالا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطامن إليك من طماحك (٧) ويكف عنك من غربك و يفئ إليك ما عزب من عقلك. وإياك ومساماته في عظمته (٨) أو التشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال فخور. أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصتك ومن أهلك ومن لك فيه هوى
___________________________________
(١) الضارى من الكلاب: ما لهج بالصيد وتعود بأكله وأولع به.
(٢) تفرط: تسبق. والزلل: الخطأ.
وأراد بالعلل الامور الصارفة لهم عما ينبغى من إجراء أوامر الوالى على وجوهها.
(٣) يعنى لا تخالف أمر الله بالظلم والجور فليس لك يد أن تدفع نقمته.
(٤) بجح كفرح لفظا ومعنى.
(٥) البادرة: حدة الغضب. والمندوحة: السعة والفسحة. والمؤمر - كمعظم -: المسلط.
والادغال: الافساد. والنهك: الضعف ونهكه أضعفه.
(٦) الابهة - بضم الهمزة وفتح الباء مشددة وسكونها -: العظمة والكبرياء.
والمخيلة: الكبر والعجب.
(٧) يطامن أى يخفض ويسكن.
والطماح: الفخر والنشوز والجماح.
وارتفاع البصر والغرب: الحدة ويفئ أى يرجع ما غاب عن عقلك.
(٨) المساماة: المفاخرة والمباراة في السمو أى العلو.
(*)
[١٢٨]
من رعيتك، فإنك إن لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته (١) وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب. وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة من إقامة على ظلم، فإن الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بمرصاد و من يكن كذلك فهو رهين هلاك في الدنيا والآخرة. وليكن أحب الامور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها (٢) للرعية فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة (٣) وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقل له معونة في البلاء وأكره للانصاف وأسأل بالالحاف (٤) وأقل شكرا عند الاعطاء وأبطأ عذرا عند المنع وأضعف صبرا عند ملمات الامور من الخاصة، وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للاعداء أهل العامة من الامة فليكن لهم صغوك (٥) واعمد لاعم الامور منفعة وخيرها عاقبة ولا قوة إلا بالله. وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لعيوب الناس، فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها فلا تكشفن ما غاب عنك واستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك واطلق عن الناس عقد كل حقد (٦) واقطع عنك سبب كل وتر واقبل العذر وادرء الحدود بالشبهات. وتغاب عن كل ما لا يضح لك ولا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين (٧).
___________________________________
(١) أدحض: أبطل. وحربا أى محاربا. وينزع أى يقلع عن ظلمه. وأدعى أى أشد دعوة.
(٢) في النهج [ أجمعها لرضى الرعية ].
(٣) يجحف أى يذهب برضى الخاصة.
(٤) الالحاف: الالحاح والشدة في السؤال.
(٥) الصغو: الميل. وفى بعض النسخ [ صغوك ].
(٦) أى احلل عقد الاحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة مع الناس.
والوتر - بالاكسر -: العداوة أى اقطع عنك أسباب العداوات بترك الاساءة إلى الرعية.
(٧) الساعي: النمام بمعاتب الناس. والغاش: الخائن.
(*)
[١٢٩]
لا تدخلن في مشورتك بخيلا يخذلك عن الفضل ويعدك الفقر (١). ولا جبانا يضعف عليك الامور ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجور والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله كمونها في الاشرار (٢). أيقن ان شر وزرائك من كان للاشرار وزيرا ومن شركهم في الآثام وقام بامورهم في عباد الله. فلا يكونن لك بطانة تشركهم في أمانتك (٣) كما شركوا في سلطان غيرك فأوردوهم وأوردوهم مصارع السوء ولا يعجبنك شاهد ما يحضرونك به، فإنهم أعوان الاثمة(٤) وإخوان الظلمة وعباب كل طمع ودغل وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل أدبهم ونفاذهم ممن قد تصفح الامور فعرف مساويها بما جرى عليه منها (٥) فأولئك أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة وأحنى عليك عطفا (٦) وأقل لغيركم إلفا، لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه. ولم يكن مع غيرك له سيرة أجحفت بالمسلمين والمعاهدين (٧) فاتخذ أولئك خاصة لخلوتك وملائك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق (٨) وأحوطهم على الضعفاء بالانصاف وأقلهم لك
___________________________________
(١) في النهج [ يعدل بك عن الفضل ] والفضل هنا الاحسان بالبذل والجود. ويعدك أى يخوفك. والشره - بالتحريك: أشد الحرص. وفى النهج [ يضعفك عن الامور ] بمعنى تحملك على الضعف.
(٢) أى يجتمع كلها فيهم سوء الظن بكرم الله وفضله. وفى النهج [ فان البخل والجبن والحرص ].
(٣) البطانة - بالكسر -: الخاصة، من بطانة الثوب خلاف ظهارته.
(٤) الاثمة: جمع آثم، كظلمة: جمع ظالم.
والعباب - بضم العين -: معظم السيل وعباب البحر: موجه.
(٥) تصفح: تأمل ونظر مليا. والمساوى: جمع مساءة وهى القبيح.
وفى النهج [ وأنت واجد منهم خير الخلق ممن له مثل أرائهم ونفاذهم وليس عليه آصارهم وأوزارهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه ].
(٦) أحنى عليك أى أشفق و " عطفا " مصدر جيئ به من غير لفظ فعله.
والالف - بالكسر -: الالفة والمحبة.
(٧) اجحف بهم: ساتأصلهم وأهلكهم وفى النهج [ فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك ].
والمعاهدين: أهل الكتاب.
(٨) أى ليكن أفضلهم لديك أكثرهم قولا بالحق المر.
(*)
[١٣٠]
مناظرة (١) فيما يكون منك مما كره الله لاوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع (٢) فإنهم يقفونك على الحق ويبصرونك ما يعود عليك نفعه والصق بأهل الورع و الصدق وذوي العقول والاحساب، ثم رضهم على أن لا يطروك (٣) ولا يبجحوك بباطل لم تفعله فإن كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من الغرة والاقرار بذلك يوجب المقت من الله. لا يكوننن المحسن والمسيئ عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيد لاهل الاحسان في الاحسان وتدريب لاهل الاساءة على الاساءة فالزم كلا منهم ما ألزم نفسه (٤) أدبا منك ينفعك الله به وتنفع به أعوانك. ثم اعلم أنه ليس شئ بأدعى لحسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و تخفيفه المؤونات عليهم وقلة استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن في ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنك برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده (٥) وأحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده. فاعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزدك بصيرة في حسن الصنع واستكثار حسن البلاء عند العامة مع ما يوجب الله بها لك في المعاد. ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة واجتمعت بها الالفة وصلحت
___________________________________
(١) وفى النهج [ مساعدة ].
وقوله: " فيما يكون منك " أى يقع ويصدر.
(٢) أى لا يساعدك على ما كره الله حال كونه نازلا من ميلك إليه.
ومن قوله عليه السلام " ثم ليكن " على هنا تنبيه على من ينبغى أن يتخذ عونا ووزيرا وميزه باوصاف أخص.
(٣) رضهم اى عودهم على أن لا يطروك أى يزيدوا في مدحك من أطرى إطراء: أحسن الثناء وبالغ في المدح.
ولا يبجحوك أى ولا يفرحوك بنسبة عمل إليك.
قوله: " تدنى " أى تقرب.
والزهو: العجب.
والغرة - بالكسر -: الحمية والانفة.
وهذا كله أمر بأن يلازم أهل الورع والصدق منهم ثم أن يروضهم ويؤدبهم بالنهى عن الاطراء له أو يوجبوا له سرورا بقول باطل ينسبونه فيه إلى فعل ما يفعله.
(٤) والتدريب: الاعتياد والتجرى.
وقوله: " وما ألزم نفسه " في مقابلة الاحسان أو الاساءة بمثلها.
(٥) اى اختبارك عنده.
(*)
[١٣١]
عليها الرعية.
ولا تحدثن سنة تضر بشئ مما مضى من تلك السنن، فيكون الاجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها.
وأكثر مدارسة العلماء مثافنة الحكماء (١) في تثبيت ما صلح عليه أهل بلادك وإقامة ما استقام به الناس من قبلك، فإن ذلك يحق الحق ويدفع الباطل ويكتفى به دليلا ومثالا لان السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة الله. ثم اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله. ومنها كتاب العامة والخاصة. ومنها قضاة العدل. ومنها عمال الانصاف والرفق. ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس (٢). ومنها التجار وأهل الصناعات. ومنها طبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكلا قد سمى الله سهمه ووضع على حد فريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله. وعهدا عندنا محفوظا (٣). فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبيل الامن والخفض (٤) وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوهم ويعتمدون عليه ويكون من وراء حاجاتهم ثم لا بقاء لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من الامور ويظهرون من الانصاف ويجمعون من المنافع ويؤمنون عليه من خواص الامور وعوامها. ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجمعون
___________________________________
(١) المثافنة: المجالسة والملازمة.
وفى بعض نسخ النهج [ ومنافثة ] أى المحادثة.
(٢) " مسلمة الناس " قال بعض شراح النهج: هذا تفصيل لاهل الخراج ويجوز أن يكون تفسير لاهل الجزية والخراج معا لان للامام أن يقبل أهل الخراج من سائر المسلمين وأهل الذمة.
(٣) أراد عليه السلام بالسهم الذى سماه الله الاستحقاق لكل من ذوى الاستحقاق في كتابه إجمالا من الصدقات كالفقراء والمساكين وعمال الخراج والصدقة وفصله في سنة نبيه صلى الله عليه وآله، وحده الذى وضع الله عليه عهدا منه أهل بيت نبيه هو مرتبته ومنزلته من أهل المدينة الذين لا يقوم الا بهم فان للجندى منزلة وحدا محدودا وكذلك العمال والكتاب والقضاة وغيرهم فان لكل منهم حدا يقف عنده وفريضة يلزمها عليها عهدا من الله محفوظا عند نبيه وأهل بيته عليهم السلام.
(٤) يعنى الراحة والسعة والعيش.
(*)
[١٣٢]
من مرافقهم (١) ويقيمون من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم.
ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم (٢) وفي فئ الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر يصلحه وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر فيما خف على وثقل.
فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولامامك وأنقاهم جيبا (٣) وأفضلهم حلما وأجمعهم علما وسياسة ممن يبطئ عن الغضب ويسرع إلى العذر، ويرأف بالضعفاء وينبو على الاقوياء (٤) ممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم الصق بذوي الاحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة. ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من الكرم (٥) وشعب من العرف، يهدون إلى حسن الظن بالله والايمان بقدره. ثم تفقد أمورهم بما يتفقد الوالد من ولده ولا يتفاقمن في نفسك شئ قويتهم به (٦). ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وإن قل، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة وحسن الظن بك. فلا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه.
___________________________________
(١) المرافق: المنافع.
(٢) الرفد: العطاء والمعونة.
(٣) الجيب من القميص: طوقه.
وأيضا: الصدر والقلب، يقال: فلان نقى الجيب أى أمين الصدر والقلب.
وأيضا: الامين، يقال: رجل ناصح الجيب أى أمين لا غش فيه.
(٤) النبو: العلو والارتفاع وينبو أى يشتد ويعلو عليهم ليكف أيديهم عن الظلم.
والعنف - مثلث العين -: الشدة والمشقة، ضد الرفق.
ويحتمل أن يكون بمعنى اللوم كما جاء في اللغة أيضا.
(٥) أى مجموع منه.
والعرف: المعروف.
ومراده عليه السلام شرح أوصاف الذين يؤخذ منهم الجند ويكون منهم رؤساؤه.
(٦) تفاقم الامر: عظم أى لا تعد ما قويتهم به عظيما ولا ما تلطفك حقيرا بل لكل موضع وموقع.
(*)
[١٣٣]
وليكن آثر رؤوس جنودك من واساهم في معونته (١) وأفضل عليهم في بذله ممن يسعهم ويسع من ورائهم من الخلوف من أهلهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو. ثم واتر إعلامهم (٢) ذات نفسك في إيثارهم والتكرمة لهم والارصاد بالتوسعة. وحقق ذلك بحسن الفعال والاثر والعطف، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك. وإن أفضل قرة العيون للولاة استفاضة العدل في البلاد (٣) وظهور مودة الرعية لانه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم. ولا تصح نصيحتهم إلا بحوطتهم على ولاة أمورهم (٤) وقلة استثقال دولتهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم (٥). ثم لا تكلن جنودك إلى مغنم وزعته بينهم بل أحدث لهم مع كل مغنم بدلا مما سواه مما أفاء الله عليهم، تستنصر بهم به ويكون داعية لهم إلى العودة لنصر الله ولدينه. واخصص أهل النجدة (٦) في أملهم إلى منتهى غاية آمالك من النصيحة بالبذل وحسن الثناء عليهم ولطيف التعهد لهم رجلا رجلا وما أبلى في كل مشهد، فإن كثرة الذكر منك لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله. ثم لا تدع أن يكون لك
___________________________________
(١) آثر أى أكرم وأفضل وأعلى منزلة.
من واساهم أى ساعدهم وعاونهم.
وأفضل عليهم أى أفاض وأحسن إليهم، فلا يقتر عليهم في الفرض ولا ينقص منهم شيئا ويجعل البذل شاملا لمن تركوهم في الديار.
والخلوف - مضمومتين جمع خلف بفتح فسكون -: من يخلف في الديار من النساء والعجزة.
(٢) واتر: أمر من المواترة وهى إرسال الكتب بعضها أثر بعض والاعلام: الاطلاع.
ويحتمل أن يكون وآثر بالثاء: أمر من الافعال أى أكرم وفضل.
والاعلام: جمع علم: سيد القوم ورئيسهم.
(٣) الاستفاضة: الانتشار والاتساع.
وفى النهج [ الاستقامة ].
(٤) الحوطة: الحيطة: مصدر حاطه بمعنى حفظه وتعهده أى بحفظهم على ولاتهم وحرصهم على بقائهم.
(٥) استثقل الشئ: عده وجده ثقيللا.
واستبطأ الشئ: عده اوجده بطيئا، فيعدون زمنهم قصيرا.
(٦) النجدة: الشدة والبأس والشجاعة.
والناكل: الجبان الضعيف والمراد هنا المتاخر القاعد.
(*)
[١٣٤]
عليهم عيون (١) من أهل الامانة والقول بالحق عند الناس فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلائهم. ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى ولا تضمن بلاء امرئ إلى غيره ولا تقصرن به دون غاية بلائه (٢) وكاف كلام منهم بما كان منه واخصصه منك بهزة. ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا ولا ضعة امرئ (٣) على أن تصغر من بلائه ما كان عظيما. ولا يفسدن امرءا عندك علة إن عرضت له (٤) ولا نبوة حديث له، قد كان له فيها حسن بلاء، فإن العزة لله يؤتيه من يشاء والعاقبة للمتقين. وإن استشهد أحد من جنودك وأهل النكاية في عدوك فاخلفه في عياله بما يخلف به الوصي الشفيق الموثق به حتى لا يرى عليهم أثر فقده، فإن ذلك يعطف عليك قلوب شيعتك ويستشعرون به طاعتك ويسلسون لركوب معاريض التلف الشديد في ولايتك (٥).
وقد كانت من رسول الله صلى الله عليه وآله سنن في المشركين ومنا بعده سنن، قد جرت بها سنن وأمثال في الظالمين ومن توجه قبلتنا وتسمى بديننا.
وقد قال الله لقوم أحب إرشادهم: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (٦) " وقال: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (٧) "
___________________________________
(١) العين: الرقيب والناظر والجاسوس.
(٢) لا تضم عمل امرئ إلى غيره ولا تقصر به في الجزاء دون ما يبلغ منتهى عمله.
(٣) الضعة: من مصادر وضع - كشرف -: صار وضيعا أى دنيا.
(٤) أى لا يفسدن عندك أحدا علة تعرض له.
ونبوة الزمان: خطبه وجفوته.
(٥) يسلسون: ينقادون ويسهل عليهم.
(٦) سورة النساء آية ٦٢.
(٧) سورة النساء آية ٨٥.
(*)
[١٣٥]
فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه (١) والرد إلى الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة (٢) ونحن أهل رسول الله الذين نستنبط المحكم من كتابه ونميز المتشابه منه ونعرف الناسخ مما نسخ الله ووضع إصره (٣). فسر في عدوك بمثل ما شاهدت منا في مثلهم من الاعداء وواتر إلينا الكتب (٤) بالاخبار بكل حدث يأتك منا أمر عام والله المستعان. ثم انظر في أمر الاحكام بين الناس بنية صالحة فإن الحكم في إنصاف المظلوم من الظالم والاخذ للضعيف من القوي وإقامة حدود الله على سنتها و منهاجها مما يصلح عباد الله وبلاده. فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك وأنفسهم للعلم والحلم والورع والسخاء ممن لا تضيق به الامور ولا تمحكه الخصوم (٥) ولا يتمادى في إثبات الزلة ولا يحصر من الفئ (٦) إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع (٧) ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه (٨) وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصوم (٩) وأصبرهم على تكشف الامور وأصرمهم (١٠) عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء (١١) ولا يستميله إغراق ولا يصغى للتبليغ. فول
___________________________________
(١) محكم الكتاب:نصه الصريح.
(٢) أى الاخذ بما أجمع عليه مما لا يختلف في نسبته إليه، فلا يكون مما افترق به الاراء في نسبته إليه.
(٣) الاصر: الثقل أى ثقل التكليف كما قال الله تعالى في سورة الاعراف آية ١٥٦: " ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم ".
(٤) واتر: أمر من المواترة. والحدث - بفتحين -: الحادثة أى الامر الحادث.
(٥) لا تمحكه: لا تغضبه - من محك الرجل: نازع في الكلام وتمادى في اللجاجة عند المساومة - أى ولا تحمله مخاصمة الخصوم عند اللجاجة على رأيه. والزلة: السقطة والخطيئة.
(٦) حصر: ضاق صدره أى إذا عرف الحق لا يضيق صدره من الرجوع إليه.
وفى بعض النسخ [ في انبات الزلة ولا يحصر من العى ].
(٧) الاشراف على الشى: الاطلاع عليه من فوق.
(٨) أى ينبغى له التامل في الحكم فلا يكتفى بما يبدو له باول فهم.
(٩) التبرم: الضجر. والملل.
(١٠) وأصرمهم: أقطعهم للخصومة عند وضوح الحكم.
(١١) لا يزدهيه: افتعال من الزهو: العجب والفخر.
والاطراء: المبالغة في المدح أى لا تحمله على الكبر والعجب ولا يستخفه زيادة الثناء عليه.
وفى النهج [ ولا يستميله اغراء ].
(*)
[١٣٦]
قضاءك من كان كذلك وهم قليل. ثم أكثر تعهد قضائه (١) وافتح له في البذل ما يزيح علته (٢) ويستعين به وتقل معه حاجته إلى الناس وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال إياه عندك. وأحسن توقيره في صحبتك وقربه في مجلسك وأمض قضاءه وأنفذ حكمه واشدد عضده واجعل أعوانه خيار من ترضى من نظرائه من الفقهاء وأهل الورع والنصيحة لله ولعباد الله، ليناظرهم فيما شبه عليه ويلطف عليهم لعلم ما غاب عنه ويكونون شهداء على قضائه بين الناس إن شاء الله. ثم حملة الاخبار لاطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه (٣) لا يختلفون ولا يتدابرون في حكم الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله فإن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل وغرة في الدين (٤) وسبب من الفرقة. وقد بين الله ما يأتون وما ينفقون وأمر برد ما لا يعلمون إلى من استودعه الله علم كتابه واستحفظه الحكم فيه، فإنما اختلاف القضاة في دخول البغى بينهم واكتفاء كل امرئ منهم برأيه دون من فرض الله ولايته، ليس يصلح الدين ولا أهل الدين على ذلك. ولكن على الحاكم أن يحكم بما عنده من الاثر والسنة، فإذا أعياه ذلك (٥) رد الحكم إلى أهله، فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له ترك ذلك إلى غيره وليس لقاضيين من أهل الملة أن يقيما على اختلاف في [ ال ] حكم دون ما رفع ذلك إلى ولي الامر فيكم فيكون هو الحاكم بما علمه الله، ثم يجتمعان على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما فانظر في ذلك نظرا بليغا فإن هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الاشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا. واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل حكم اختلفوا فيه على حقوقه. ثم تصفح تلك الاحكام فما وافق كتاب الله وسنة نبيه والاثر من إمامك فأمضه واحملهم عليه. وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء
___________________________________
(١) تعهد: تفقد وتحفظ.
(٢) يزيح: يبعد ويزول وفى النهج [ يزيل ]. أى وسع له حتى يكون ما يأخذه كافيا لمعيشته.
(٣) كذا. وفى بعض النسخ [ حملة الاختيار ] وفى بعضها [ حمل الاختيار ].
وقيل الصحيح " ثم اختيار حملة الاخبار لاطرافك قضاة تجتهد فيه نفوسهم " وإن نعثر على نسخة مصححة بعد نشر إليها في آخر الكتاب.
وفى دعائم الاسلام " واختر لاطرافك قضاة تجهد فيهم نفسك - إلخ " مع اختلاف كثير.
(٤) الغرة - بالكسر -: الغفلة.
(٥) أعياه: أعجزه ولم يهتد لوجه مراده.
(*)
[١٣٧]
بحضرتك فناظرهم فيه ثم أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين، فإن كل أمر اختلف فيه الرعية مردود إلى حكم الامام وعلى الامام الاستعانة بالله والاجتهاد في إقامة الحدود وجبر الرعية على أمره ولا قوة إلا بالله.
ثم انظر إلى أمور عمالك واستعملهم اختبارا ولا تولهم امورك محاباة (١) و أثرة، فإن المحاباة والاثرة جماع الجور والخيانة وإدخال الضرورة على الناس وليست تصلح الامور بالادغال (٢) فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام. فإنهم أكرم أخلاقا وأصح أعراضا وأقل في المطامع إشرافا وأبلغ في عواقب الامور نظرا من غيرهم فليكونوا أعوانك على ما تقلدت. ثم أسبغ عليهم في العمالات ووسع عليهم في الارزاق فإن في ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك (٣) ثم تفقد إعمالهم وابعث العيون عليهم من أهل الصدق والوفاء، فإن تعهدك في السر أمورهم حدوة لهم (٤) على استعمال الامانة والرفق بالرعية. وتحفظ من الاعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة فوسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة. وتفقد ما يصلح أهل الخراج (٥) فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، فليكن نظرك في عمارة الارض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج فإن الجلب لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم له أمره إلا قليلا، فاجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك ومرهم فليعلموك حال بلادهم وما
___________________________________
(١) " محاباة " أى اختصاصا وميلا.
والاثرة - بالتحريك -: اختصاص المرء نفسه بأحسن الشئ دون غيره ويعمل كيف يشاء، يعنى استعمل عمالك بالاختبار والامتحان لا اختصاصا واستبدادا.
(٢) الادغال: الافساد وإدخال في الامر بما يخالفه ويفسده.
(٣) نقصوا وخانوا في أدائها وأحدثوا فيها.
(٤) الحدوة: السوق والحث.
(٥) في النهج [ وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله ].
(*)
[١٣٨]
فيه صلاحهم ورخاء جبايتهم (١) ثم سل عما يرفع إليك أهل العلم به من غيرهم، فان كانوا شكوا ثقلا (٢) أو علة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خففت عنهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم. وإن سألوا معونة على إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهم مؤونته، فإن في عاقبة كفايتك إياهم صلاحا. فلا يثقلن عليك شئ خففت به عنهم المؤونات، فإنه ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك وتزيين ولايتك مع إقتنائك مودتهم وحسن نياتهم (٣) واستفاضة الخير وما يسهل الله به من جلبهم (٤)، فإن الخراج لا يستخرج بالكد والاتعاب مع أنها عقد تعتمد عليها إن حدث حدث كنت عليهم معتمدا لفضل قوتهم بما ذخرت عنهم من الجمام (٥) و الثقة منهم بما عودتهم من عدلك ورفقك ومعرفتهم بعذرك فيما حدث من الامر الذي اتكلت به عليهم فاحتملوه بطيب أنفسهم، فإن العمران (٦) محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الارض لاعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لاسراف الولاة (٧) وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر. فاعمل فيما وليت عمل من يحب أن يدخر حسن الثناء من الرعية والمثوبة من الله والرضا من الامام. ولا قوة إلا بالله. ثم انظر في حال كتابك فاعرف حال كل امرئ منهم فيما يحتاج إليه منهم، فاجعل لهم منازل ورتبا، فول على امورك خيرهم واخصص رسائلك التي تدخل فيها
___________________________________
(١) الجباية: الخراج.
(٢) أى من الخراج أو علة اخرى كانقطاع الشرب (بالكسر أى النصيب من الماء) أو إحالة أرض يعنى تغييرها عما كانت عليه من الاستواء لاجل الاغتمار أى الانغماس في الماء بالغرق فلم ينجب زرعها ولا أثمر نخلها. وقوله: " أو أجحف بهم " أى ذهب بمادة الغذاء من الارض فلم تنبت.
(٣) في بعض النسخ [ نيتهم ]. وفى النهج [ مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم ].
(٤) في بعض النسخ [ حليهم ].
(٥) في بعض النسخ [ الجمام ] وفى النهج [ من اجمامك ] والجمام: الراحة.
(٦) فان العمران ما دام قائما فكل ما حملت أهله سهل عليهم أن يحملوه. والاعواز: الفقر والحاجة.
(٧) في النهج [ لاشراف أنفس الولاة على الجمع ]. أى لتطلع أنفسهم إلى جمع المال.
(*)
[١٣٩]
مكيدتك وأسرارك بأجمعهم (١) لوجوه صالح الادب ممن يصلح للمناظرة في جلائل الامور من ذوي الرأي والنصيحة والذهن، أطواهم عنك لمكنون الاسرار كشحا ممن لا تبطره الكرامة ولا تمحق به الدالة فيجترئ بها عليك في خلاء أو يلتمس إظهارها في ملاء، ولا تقصر به الغفلة (٢) عن إيراد كتب الاطراف عليك وإصدار جواباتك على الصواب عنك وفيما يأخذ ويعطي منك ولا يضعف عقدا اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الامور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل. وول ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كتب خرجك ودواوين جنودك قوما تجتهد نفسك في إختيارهم، فإنها رؤوس أمرك أجمعها لنفعك وأعمها لنفع رعيتك. ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك (٣) وحسن الظن بهم، فإن الرجال يعرفون فراسات الولاة بتصنعهم وخدمتهم (٤) وليس وراء ذلك من النصيحة والامانة. ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لاحسنهم كان في العامة أثرا وأعرفهم فيها بالنبل والامانة (٥)، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره. ثم مرهم بحسن الولاية ولين الكلمة واجعل لرأس كل أمر من امورك رأسا منهم، لا يقهره كبيرها (٦) ولا يتشتت عليه كثيرها، ثم تفقد ما غاب عنك من حالاتهم وامور
___________________________________
(١) باجمعهم متعلق باخصص، أى ما يكون من رسائلك حاويا لشئ من المكائد والاسرار فاخصصه بمن كان ذا أخلاق وصلاح ورأى ونصيحة وذهن وغير ذلك من الاوصاف المذكورة.
وطوى الحديث: كتمه. وطوى كحشا عنه أى أعرض عنه وقاطعه.
وبطر الرجل يبطر بطرا - محركة - إذا دهش وتحير في الحق. وبالامر ثقل به.
وبطره النعمة: أدهشه. والدالة: الجرأة.
(٢) أى ولا تكون غفلته موجبة لتقصيره في اطلاعك على ما يرد من أعمالك ولا في اصدار الاجوبة عنه على وجه الصواب.
(٣) الفراسة - بالكسر -: حسن النظر في الامور والاستنامة: السكون والاستيناس، أى لا يكون انتخاب الكتاب تابعا لميلك الخاص.
(٤) وفى النهج [ بتصنعهم وحسن خدمتهم ].
(٥) النبل - بالضم -: الذكاء و: النجابة والفضل.
(٦) أى لا يقهره عظيم تلك الاعمال ولا يخرج عن ضبطه كثيرها.
(*)
[١٤٠]
من يرد عليك رسله وذوي الحاجة وكيف ولايتهم وقبولهم وليهم وحجتهم (١) فإن التبرم والعز والنخوة من كثير من الكتاب إلا من عصم الله وليس للناس بد من طلب حاجاتهم ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه الزمته (٢) أو فضل نسب إليك مع مالك عند الله في ذلك من حسن الثواب.
ثم التجار وذوي الصناعات فاستوص وأوص بهم خيرا: المقيم منهم والمضطرب بماله (٣) والمترفق بيده فانهم مواد للمنافع وجلابها في البلاد في برك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها (٤) ولا يجترئون عليها من من بلاد أعدائك من أهل الصناعات التي أجرى الله الرفق منها على أيديهم فاحفظ حرمتهم وآمن سلبهم وخذلهم بحقوقهم فإنهم سلم لا تخاف بائقته (٥) وصلح لا تحذر غائلته، أحب الامور إليهم أجمعها للامن وأجمعها للسلطان، فتفقد امورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك. واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا (٦) وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة، فامنع الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عنه. وليكن البيع والشراء بيعا سمحا (٧) بموازين عدل وأسعار لا
___________________________________
(١) في بعض النسخ [ وقبولهم ولينهم وحجتهم ].
والتبرم: التضجر.
(٢) تغابيت أى تغافلت عن عيب في كتابك يكون ذلك العيب لاصقا بك.
(٣) المضطرب بماله: المتردد بأمواله في الاطرف والبلدان.
والمترفق بيده: المكتسب به وأصله ما به يتم الانتفاع كالادوات.
والجلاب: الذى يجلب الارزاق والمتاع إلى البلدان.
(٤) يلتئم: يجتمع وينضم أى بحيث لا يمكن اجتماع الناس في مواضع تلك المرافق.
و لا يجترئون أى ولا يكون لهم الجرأة على الاقدام من تلك الامكنة من بلاد الاعداء.
والرفق - بالفتح النفع.
(٥) البائقه: الداهية والشر.
والغائلة: الفتنة والفساد والشر.
أى فان التجار والصناع مسالمون ولا تخشى منهم فتنة ولا داهية.
(٦) الضيق: عسر المعاملة.
البياعات: جمع بياعة: ما يباع.
(٧) السمحة: السهلة التى لا ضيق فيها وبيع السماح: ما كان فيه تساهل في بخس الثمن وفى الخبر " السماح رباح " أى المساهلة في الاشياء تربح صاحبها.
(*)
[١٤١]
تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع (١)، فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكل وعاقب في غير إسراف.
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله فعل ذلك.
ثم ألله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وذوي البؤس، والزمنى (٢)، فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا (٣) فاحفظ الله ما استحفظك من حقه فيها واجعل لهم قسما من غلات صوافي الاسلام (٤) في كل بلد، فإن للاقصى منهم مثل الذي للادنى. وكلا قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم نظر (٥)، فإنك لا تعذر بتضييع الصغير لاحكامك الكثير المهم (٦)، فلا تشخص همك عنهم. ولا تصعر خدك لهم وتواضع لله يرفعك الله واخفض جناحك للضعفاء واربهم (٧) إلى ذلك منك حاجة وتفقد من امورهم ما لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون (٨) وتحقره الرجال، ففرغ لاولئك ثقتك (٩) من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك امورهم، ثم اعمل فيهم بالاعذار إلى الله يوم تلقاه، فإن هؤلاء أحوج إلى الانصاف من غيرهم وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه. وتعهد أهل اليتم والزمانة والرقة في السن ممن لا
___________________________________
(١) المبتاع: المتشرى. وقارف: قارب وخالط. والحكرة - بالضم -: اسم من الاحتكار.
(٢) البؤس - بضم الباء - وفى النهج [ البؤسى ] - كصغرى -: شدة الفقر. والزمنى - بالفتح جمع زمن - ككتف -: المصاب بالزمانة - بالفتح - وهى العاهة وتعطيل القوى وعدم بعض الاعضاء.
(٣) القانع - من قنع بالكسر كعلم -: إذا رضى بما معه وما قسم له. ومن قنع بالفتح كمنع إذا سأل وخضع. المعتر - بتشديد الراء -: المتعرض للعطاء من غير أن يسأل.
(٤) الصوافى: جمع صافية: الارض التى جلا عنها أهلها أو ماتوا ولا وارث لهم.
وصوافى الاسلام هى ارض الغنيمة. وغلات: جمع غلة وهى الدخل الذى يحصل من الزرع.
والتمر واللبن والاجارة والبناء ونحو ذلك وغلات صوافى الاسلام: ثمراتها.
(٥) في النهج [ بطر ].
(٦) في بعض النسخ [ الكبير المهم ]. " فلا تشخص " أى لا تصرف إهتمامك عن ملاحظه شؤونهم.
والصعر: الميل في الخد إعجابا وكبرا أى لا تعرض بوجهك عنهم. (٧) كذا. وفى نسخة [ ارئهم ].
(٨) تقتحمه العيون: تكره أن تنظر إليه احتقارا.
(٩) " ففرغ " أى فاجعل للتفحص عنهم وعن حالهم اشخاصا ممن تثق بهم يتفرغون أنفسهم لمعرفة أحوالهم ويبذلون جهدهم فيهم.
[١٤٢]
حيلة له. ولا ينصب للمسألة نفسه فاجر لهم أرزاقا فإنهم عباد الله فتقرب إلى الله بتخلصهم ووضعهم مواضعهم في أقواتهم وحقوقهم، فإن الاعمال تخلص بصدق النيات. ثم إنه لا تسكن نفوس الناس أو بعضهم إلى أنك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب دون مشافهتك بالحاجات (١) وذلك على الولاة ثقيل.
والحق كله ثقيل. وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة (٢) فصبروا نفوسهم ووثقوا بصدق موعود الله لمن صبر واحتسب فكن منهم واستعن بالله. واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وذهنك من كل شغل، ثم تأذن لهم عليك وتجلس لهم مجلسا تتواضع فيه لله الذي رفعك. وتقعد عنهم جندك وأعوانك (٣) من أحراسك وشرطك تخفض لهم في مجلسك ذلك جناحك وتلين لهم كنفك (٤) في مراجعتك ووجهك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع (٥)، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن: " لن تقدس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع". ثم احتمل الخرق منهم والعي (٦) ونح عنك الضيق والانف (٧) يبسط الله عليك أكناف رحمته (٨) و
___________________________________
(١) المشافهة: المخاطبة بالشفه أى من فيه إلى فيه والمراد حضورهم.
(٢) في بعض النسخ [ العافية ].
(٣) تأمر بآن يقعد عنهم ولا يتعرض لهم. والاحراس: جمع حارس وهو من يحرس الحاكم من وصول المكروه إليه. أى أعوان الحاكم.
والشرط - بضم ففتح -: جمع شرطة - بضم فسكون - وهم طائفة من أعوان الولاة وسموا بذلك لانهم اعلموا أنفسهم بالعلامات يعرفون بها. وهم المعروفون الان بالضابطة.
(٤) الكنف - بالتحريك - الجانب، الظل.
(٥) التعتعة في الكلام: التردد فيه من عى أو عجز والمراد غير خائف منك ومن أعوانك وفى النهج [ غير متتعتع ] في الموضعين ولعله أصح.
(٦) الخرق - بالضم -: العنف.
والعى - بالكسر -: العجز عن النطق أى اطق واصبر، لا تضجر من هذا ولا تغضب لذاك.
(٧) المراد بالضيق: ضيق الصدر من هم أو سوء خلق.
والانف - بالتحريك -: الاستكبار والترفع.
أى بعد عن نفسك هذا وذاك.
(٨) الاكناف: الاطراف.
(*)
[١٤٣]
يوجب لك ثواب أهل طاعته، فأعط ما أعطيت هنيئا (١) وامنع في إجمال وإعذار و تواضع هناك فإن الله يحب المتواضعين. وليكن أكرم أعوانك عليك الينهم جانبا و أحسنهم مراجعة وألطفهم بالضعفاء، إن شاء الله. ثم إن امورا من امورك لابد لك من مباشرتها، منها إجابة عمالك ما يعيى عنه (٢) كتابك. ومنها إصدار حاجات الناس في قصصهم. ومنها معرفة ما يصل إلى الكتاب والخزان مما تحت أيديهم، فلا تتوان فيما هنالك ولا تغتنم تأخيره واجعل لكل أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريغ لقلبك وهمك، فكلما أمضيت أمرا فأمضه بعد التروية (٣) ومراجعة نفسك ومشاورة ولي ذلك، بغير احتشام ولا رأي (٤) يكسب به عليك نقيضه. ثم أمض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه. واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت وأجزل تلك الاقسام (٥) وإن كانت كلها لله إذا صحت فيها النية (٦) و سلمت منها الرعية. وليكن في خاص ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب، فإن الله جعل النافلة لنبيه خاصة دون خلقه فقال: " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (٧) "، فذلك أمر اختص الله به نبيه وأكرمه به ليس لاحد سواه وهو لمن سواه تطوع فإنه يقول: " ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم (٨) " فوفر ما تقربت به إلى الله وكرمه وأد فرائضه إلى الله كاملا غير مثلوب ولا منقوص (٩) بالغا ذلك من
___________________________________
(١) هنيئا: سهلا لينا أى لا تخشنه وإذا منعت فامنع بلطف وعذر.
(٢) أى يعجز عنه.
(٣) التروية: النظر في الامر والتفكر فيه.
(٤) الاحتشام من الحشمة - بالكسر -: الاستحياء والانقباض والغضب.
(٥) أجزل: أعظم.
(٦) في النهج [ إذا صلحت ].
(٧) سورة الاسراء آية ٨١.
(٨) سورة البقرة آية ١٥٣.
وفى النهج [ ووف ما تقربت ].
(٩) المثلوب: المعيوب.
وفى النهج [ المثلوم ] أى المخدوش.
وبالغا أى وإن بلغ من اتعاب بدنك أى مبلغ.
(*)
[١٤٤]
بدنك ما بلغ. فإذا قمت في صلاتك بالناس فلا تطولن ولا تكونن منفرا ولا مضيعا (١) فإن في الناس من به العلة وله الحاجة. وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله حين وجهني إلى اليمن: كيف نصلي بهم؟ فقال: " صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما. وبعد هذا (٢) فلا تطولن احتجابك عن رعيتك. فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالامور. والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل (٣) وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الامور وليست على القول سمات (٤) يعرف بها الصدق من الكذب، فتحصن من الادخال في الحقوق بلين الحجاب (٥) فإنما أنت أحد رجلين: إما امرء سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك؟ من واجب حق تعطيه؟ أو خلق كريم تسديه؟، وإما مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك مالا مؤونة عليك فيه من شكاية مظلمة أو طلب إنصاف. فانتفع بما وصفت لك واقتصر فيه على حظك ورشدك إن شاء الله. ثم إن للملوك خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف (٦) فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الاشياء، ولا تقطعن لاحد من حشمك ولا حامتك قطيعة (٧) ولا تعتمدن في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك
___________________________________
(١) أى بالتطويل والتنقيص.
والمطلوب المتوسط.
(٢) وفى النهج [ وأما بعد ].
(٣) يشاب: يخلط.
(٤) سمات: جمع سمة - بكسر السين -: العلامة.
وفى النهج [ وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب ].
(٥) الادخال في الحقوق: الافساد فيها.
ومن المحتمل " الادغال في الحقوق ".
(٦) الاستئثار: تقديم النفس على الغير.
والتطاول: الترفع والتكبر.
(٧) الحسم: القطع.
والحشم - محركة -: الخدم.
وفى النهج [ حاشيتك ].
والحامة: الخاصة والقطيعة - من الاقطاع -: المنحة من الارض (*)
[١٤٥]
يحملون مؤونتهم على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة (١).
عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت الامور إليك وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابرا محتسبا، وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليه منه (٢). فإن مغبة ذلك محمودة. وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك (٣) واعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإن في تلك رياضة منك لنفسك ورفقا منك برعيتك وإعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق في خفض وإجمال (٤). لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك فيه رضى (٥) فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك. ولكن الحذر كل الحذر من مقاربة عدوك في طلب الصلح (٦) فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم وتحصن كل مخوف تؤتى منه. وبالله الثقة في جميع الامور. وإن لجت بينك (٧) وبين عدوك قضية عقدت له بها صلحا أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالامانة واجعل نفسك جنة دونه (٨). فإنه ليس شئ من فرائض الله عزوجل الناس أشد عليه
___________________________________
(١) العقدة: الولاية على البلد، وما يمسك الشئ ويوثقه، وموضع العقد وهو ما عقد عليه والضيعة، والعقار الذى اعتقده صاحبه ملكا، والبيعة المعقودة لهم، والمكان الكثير الشجر أو النخل والكلاء الكافى للابل. وفى النهج هكذا [ ولا تقطعن لاحد من حاشيتك وحامتك قطيعة ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس ]. والمهنأ: ما يأتيك بلا مشقة والمنفعة الهنيئة.
(٢) في النهج [ واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه ].
والمغبة: العاقبة.
(٣) الحيف: الظلم. والاصحار: الابراز والاظهار. أى إذا فعلت فعلا وظنت الرعية أنه ظلم فأبرز لهم عذرك وبينه. وعدل عنه: نحاه عنه.
(٤) الخفض: السكون والدعة.
(٥) في النهج [ ولله فيه رضى ].
(٦) في النهج [ ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه ].
(٧) اللجاج: العناد والخصومة.
لج في الامر: لازمه وأبى أن ينصرف عنه.
(٨) أى دون ما أعطيت، كما في النهج.
(*)
[١٤٦]
اجتماعا في تفريق أهوائهم وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود (١). وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا (٢) من الغدر والختر فلا تغدرن بذمتك ولا تخفر بعهدك (٣) ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل. وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته (٤) وحريما يسكنون إلى منعته ويستفيضون به إلى جواره، فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه (٥). فلا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه فإن صبرك على ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته (٦) وأن تحيط بك من الله طلبة ولا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك. وإياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شئ أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق. والله مبتدئ بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء. فلا تصونن سلطانك (٧) بسفك دم حرام، فإن ذلك يخلقه ويزيله، فإياك والتعرض لسخط الله فإن الله قد جعل لولي من قتل مظلوما سلطانا قال الله: " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا (٨) "
___________________________________
(١) الناس مبتدأ وخبره أشد والجملة خبر ليس، يعنى إن الناس مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم لم يجتمعوا على فريضة أشد إهتماما من اجتماعهم على تعظيم الوفاء بالعهود حتى أن المشركين التزموا به مع أنهم ليسوا من المسلمين.
(٢) استوبلوا: استوخموا من عواقب الغدر والخطر.
(٣) فلا تخفر اى فلا تنقض بعهدك وفى النهج [ ولا تخيسن ] من خاس بعهده أى خانه ونقضه.
(٤) الافضاء أصله الاتساع وهنا مجاز ويراد به الافشاء والانتشار.
والحريم: ما حرم أن يمس.
والمنعة: القوة التي تمنع من يريد باحد سوءا.
(٥) المدالسة: الخيانة.
والادغال: الافساد.
(٦) التبعة: ما يترتب على الفعل من الخير أو الشر واستعماله في الشر أكثر.
و " أن تحيط " عطف على تبعة والطلبة اسم من المطالبة أى وتخاف أن تتوجه عليك من الله مطالبة بحقه في الوفاء الذى غدرته ولا يمكن أن تسأل الله أن يقيلك من هذه المطالبة بعفوه عنك.
(٧) في النهج [ ولا تقوين سلطانك ].
(٨) سورة الاسرى آية ٣٣.
(*)
[١٤٧]
ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لان فيه قود البدن (١). فإن ابتليت بخطأ وأفرط عليه سوطك أو يدك لعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أهل المقتول حقهم دية مسلمة يتقرب بها إلى الله زلفى (٢). إياك والاعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء (٣)، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن. إياك والمن على رعيتك بإحسان أو التزيد فيما كان من فعلك (٤) أو تعدهم فتتبع موعدك بخلفك أو التسرع إلى الرعية بلسانك(٥)، فإن المن يبطل الاحسان (٦). والخلف يوجب المقت. وقد قال الله جل ثناؤه: " كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون (٧) ". إياك والعجلة بالامور قبل أوانها والتساقط فيها (٨) عند زمانها واللجاجة فيها إذا تنكرت (٩) والوهن فيها إذا أوضحت، فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه. وإياك والاستئثار بما للناس فيه الاسوة والاعتراض فيما يعنيك والتغابي
___________________________________
(١) القود - بالتحريك -: القصاص.
(٢) " أفرط عليه " عجل بما لم يكن يريده أى أردت تاديبا فاعقب قتلا.
والوكزة: الضربة بجمع الكف.
وهى تعليل: " لقوله وفرط عليه ".
قوله: " فلا تطمحن " جواب الشرط أى لا يرتفعن بك كبرياء السلطان عن تأدية الدية إلى أهل المقتول في القتل الخطاء.
(٣) الطراء: المبالغة في المدح والثناء.
الفرص: جمع الفرصة - بالضم -: الوقت المناسب للوصول إلى المقصد.
(٤) التزيد - كالتقيد -: إظهار الزيادة وتكلفها في الاعمال عن الواقع منها.
(٥) التسرع: المبادرة والتعجيل.
(٦) في النهج بعد هذه العبارة [ والتزيد يذهب بنور الحق ].
والمقت: السخط والبغض.
(٧) سورة الصف آية ٤.
(٨) التساقط: تتابع السقوط والمراد به هنا التهاون وقيل: من ساقط الفرس إذا جاء مسترخيا وفى النهج [ التسقط فيها عند إمكانها والوهن عنها إذا استوضحت ].
(٩) اى لم يعرف وجه الصواب فيها.
والوهن الضعف.
(*)
[١٤٨]
عما يعنى به (١) مما قد وضح لعيون الناظرين، فإنه مأخوذ منك لغيرك. وعما قليل تكشف عنك أغطية الامور ويبرز الجبار بعظمته فينتصف المظلومون من الظالمين، ثم املك حمية أنفك (٢) وسورة حدتك وسطوة يدك وغرب لسانك. واحترس كل ذلك بكف البادرة (٣) وتأخير السطوة وارفع بصرك إلى السماء عندما يحضرك منه حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد (٤). ثم اعلم أنه قد جمع ما في هذا العهد من صنوف ما لم آلك فيه رشدا إن أحب الله إرشادك وتوفيقك أن تتذكر ما كان من كل ما شاهدت منا فتكون ولايتك هذه من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو أثر عن نبيك صلى الله عليه وآله أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به منها. وتجتهد نفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي واستوثقت من الحجة لنفسي لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها. فليس يعصم من السوء ولا يوفق للخير إلا الله جل ثناؤه. وقد كان مما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في وصايته تحضيضا على الصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم. فبذلك أختم لك ما عهدت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأنا أسأل الله سعة رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة (٥) أن يوفقني وإياك لما في رضاه من الاقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه (٦)، مع حسن الثناء
___________________________________
(١) التغابى: التغافل عما يهتم به و " يعنى " بصيغة المفعول.
(٢) الحمية: الانفة والنخونة وفلان حمى الانف: إذا كان أبيا بأنف الضيم.
والسورة - بفتح فسكون -: السطوة.
والحدة - بالكسر - من الانسان: بأسه وما يعتريه منالغضب.
والغرب: الحدة والنشاط وأيضا بمعنى الحد.
(٣) البادرة: الحدة أو ما يبدر من اللسان عند الغضب من السب ونحوه.
(٤) في النهج [ بذكر المعاد إلى ربك ].
(٥) أى إعطاء كل سائل ما سأله.
كانه قال: القادر على إعطاء كل سؤال.
(٦) المراد من العذر الحجة الواضحة العادلة، يعنى فانه حجة لك عند من قضيت عليه وعذر عند الله فيمن أجريت عليه عقوبة أو حرمته من منفعة.
(*)
[١٤٩]
في العباد وحسن الاثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة (١) وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة وإنا إليه راغبون والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق