وعنه عليه السلام في قصار هذه المعاني
وقال
عليه السلام في مسيره إلى كربلاء (٣): إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت
وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى
الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب
المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع
الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم (٤)
يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء (٥) قل الديانون.
وقال عليه السلام لرجل اغتاب عنده رجلا: يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار.
وقال عنده رجل: إن المعروف إذا اسدي إلى غير أهله ضاع (٦) فقال الحسين عليه السلام:
___________________________________
(١) اى قدمه تعالى ليس قدما زمانيا يقارنه الزمان.
والامم: القصد أى ليس قصده بأن يتوجه إلى جهة خاصة فيوجد بل أينما تولوا فثم وجه الله.
(٢) توقل في الجبل: صعد فيه.
(٣)
ذلك في موضع يقال له: ذى حسم ونقل هذا الكلام الطبرى في تاريخه " عن عقبة
بن أبى العيزار قال: قام الحسين عليه السلام بذى حسم فحمد الله واثنى عليه
ثم قال: أما بعد انه قد نزل من الامر ما قد ترون .. إلخ " مع اختلاف يسير.
وايضا نقل شطرا منه السيد ابن طاووس في اللهوف وعلى بن عيسى الاربلى في كشف الغمة أيضا.
والصبابة - بالضم -: بقية الماء في الاناء.
والمرعى: الكلاء. والوبيل: الوخيم.
(٤) في بعض النسخ [ لغو على ألسنتهم ].
(٥) محص الرجل: اختبر.
(٦) اسدى إليه: أحسن إليه. والوابل: المطر الشديد.
(*)
[٢٤٦]
ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر.
وقال عليه السلام: ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته.
ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته.
وقال عليه السلام: إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار.
وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد.
وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار وهي أفضل العبادة.
وقال
له رجل ابتداء: كيف أنت عافاك الله؟ فقال عليه السلام له: السلام قبل
الكلام عافاك الله، ثم قال عليه السلام: لا تأذنوا لاحد حتى يسلم.
وقال عليه السلام: الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر.
وكتب
إلى عبدالله بن العباس حين سيره (١) عبدالله بن الزبير إلى اليمن: أما بعد
بلغني أن ابن الزبير سيرك إلى الطائف فرفع الله لك بذلك ذكرا وحط به عنك
وزرا وإنما يبتلى الصالحون. ولو لم توجر إلا فيما تحب لقل الاجر (٢)، عزم
الله لنا ولك بالصبر عند البلوى والشكر عند النعمى(٣) ولا أشمت بنا ولا بك
عدوا حاسدا أبدا والسلام.
وأتاه
رجل فسأله فقال عليه السلام: إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح أو فقر
مدقع أو حمالة مفظعة (٤)، فقال الرجل: ما جئت إلا في إحديهن، فأمر له بمائة
دينار.
وقال لابنه علي بن الحسين عليهما السلام: أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله عزوجل.
وسأله رجل عن معنى قول الله: " وأما بنعمة ربك فحدث (٥) " قال عليه السلام: أمره
___________________________________
(١)
إنما وقع هذا التسيير بعد قتل المختار الناهض الوحيد لطلب ثار الامام
السبط المفدى فالكتاب هذا لا يمكن أن يكون للحسين السبط عليه السلام ولعله
لولده الطاهر على السجاد سلام الله عليه.
(٢) في بعض النسخ [ لقاء الاجر ].
(٣) والنعمى: الدعه والراحة وخفض العيش.
(٤) الغرم: أداء شئ لازم، وما يلزم أداؤه، والضرر والمشقة.
والفادح: الصعب المثقل.
والمدقع: الملصق بالتراب.
والحمالة: الدية والغرامة والكفالة.
(٥) سورة الضحى آية ١١.
(*)
[٢٤٧]
أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه.
وجاءه
رجل من الانصار يريد أن يسأله حاجة فقال عليه السلام: يا أخا الانصار صن
وجهك عن بذلة المسألة (١) وارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما سارك إن شاء
الله، فكتب: يا أبا عبدالله إن لفلان على خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه
ينظرني إلى ميسرة، فلما قرأ الحسين عليه السلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج
صرة (٢) فيها ألف دينار وقال عليه السلام له: أما خمسمائة فاقض بها دينك
وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة: إلى
ذي دين، أو مروة، أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه.
وأما ذو المروة فإنه يستحيي لمروته.
وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.
وقال
عليه السلام: الاخوان أربعة: فأخ لك وله وأخ لك وأخ عليك. وأخ لا لك ولا
له، فسئل عن معنى ذلك؟ فقال عليه السلام: الاخ الذي هو لك وله فهو الاخ
الذي يطلب بإخائه بقاء الاخاء، ولا يطلب بإخائه موت الاخاء، فهذا لك وله
لانه إذا تم الاخاء طابت حياتهما جميعا وإذا دخل الاخاء في حال التناقض بطل
جميعا.
والاخ
الذي هو لك فهو الاخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم
يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء فهذا موفر (٣) عليك بكليته.
والاخ
الذي هو عليك فهو الاخ الذي يتربص بك الدوائر (٤) ويغشي السرائر ويكذب
عليك بين العشائر وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد.
والاخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملاه الله حمقا فأبعده سحقا (٥) فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب شحاما لديك.
وقال عليه السلام: من دلائل علامات القبول: الجلوس إلى أهل العقول.
ومن علامات
___________________________________
(١) البذلة: ترك الصون.
(٢) الصرة - بالضم فالتشديد -: ما يصر فيه الدراهم والدينار.
(٣) في بعض النسخ [ موفور عليك ].
(٤) الدوائر: النوائب، يقال: دارت الدوائر أى نزلت الدواهى والنوائب.
(٥) اى فابعده الله عن رحمته بعدا.
(*)
[٢٤٨]
أسباب الجهل الممارأة لغير أهل الكفر (١). ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه وعلمه بحقائق فنون النظر.
وقال عليه السلام: إن المؤمن اتخذ الله عصمته.
وقوله
مرآته، فمرة ينظر في نعت المؤمنين وتارة ينظر في وصف المتجبرين، فهو منه
في لطائف. من نفسه في تعارف. ومن فطنته في يقين. ومن قدسه على تمكين (٢).
وقال عليه السلام: إياك وما تعتذر منه، فإن المؤمن لا يسيئ ولا يعتذر. والمنافق كل يوم يسيئ ويعتذر.
وقال عليه السلام: للسلام سبعون حسنة تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد.
وقال عليه السلام: البخيل من بخل بالسلام.
وقال عليه السلام: من حاول أمرا (٣) بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر (٤).
___________________________________
(١) المماراة: المجادلة والمنازعة.
وفى بعض النسخ [ لغير أهل الفكر ].
(٢) أى ومن طهارة نفسه على قدرة وسلطنة.
(٣) في بعض النسخ [ من حاول أمرءا ].
(٤) في بعض النسخ [ أسرع لمجيئ ما يحذر ].
(*)
[٢٤٩]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق