[ بسم الله الرحمن الرحيم ]
وروى عن الامام سيد العابدين على بن الحسين عليهما السلام في طوال هذه المعانى
* (موعظته عليه السلام لسائر اصحابه وشيعته وتذكيره اياهم كل يوم جمعة (١)) *
أيها
الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كل نفس ما عملت من خير
محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه
(٢) ويحك يا ابن آدم الغافل وليس مغفولا عنه، إن أجلك أسرع شئ إليك قد
أقبل نحوك حثيثا (٣)، يطلبك ويوشك أن يدركك فكان قد أوفيت أجلك وقد قبض
الملك روحك وصيرت إلى قبرك وحيدا، فرد إليك روحك واقتحم عليك ملكاك منكر
ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك. ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت
تعبده وعن نبيك الذي ارسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي
كنت تتلوه وعن إمامك الذى كنت تتولاه وعن عمرك فيما أفنيت وعن مالك من أين
اكتسبته وفيما أنفقته (٤)، فخذ حذرك وانظر لنفسك وأعد الجواب قبل الامتحان
والمسألة والاختبار، فإن تك مؤمنا عارفا (٥) بدينك متبعا للصادقين مواليا
لاولياء الله لقاك الله حجتك وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب وبشرت
بالجنة والرضوان من الله (٦) واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان. وإن لم
تكن كذلك تلجلج (٧)
___________________________________
(١) رواه الكلينى في الروضة والصدوق في الامالى مع اختلاف في غير موضع منه وانما تعرضنا لبعضها تتميما للفائدة.
(٢) اشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران آية ٢٨.
(٣) الحثيث: السريع.
(٤) في الامالى [ فيما أتلفته ].
(٥) في الامالى [ فان تك مؤمنا تقيا عارفا ].
(٦) أضاف هنا في الامالى [ والخيرات الحسان ].
(٧) تلجلج في الكلام: تردد فيه. ودحضت أى بطلت. وعييت أى عجزت عنه وكلت.
(*)
[٢٥٠]
لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب وبشرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم (١).
واعلم
يا ابن آدم أن ما وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة ذلك يوم
مجموع له الناس وذلك يوم مشهود (٢) يجمع الله فيه الاولين والآخرين يوم
ينفخ في الصور ويبعثر فيه القبور (٣) ذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر
كاظمين (٤) ذلك يوم لا تقال فيه عثرة (٥) ولا تؤخذ من أحد فدية ولا تقبل
من أحد معذرة ولا لاحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء
بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده.
ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فاحذروا أيها
الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها (٦) وحذركموها في الكتاب
الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتدميره (٧) عندما يدعوكم
الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله
يقول: " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون
(٨) " وأشعروا قلوبكم خوف الله وتذكروا ما [ قد ] وعدكم في مرجعكم إليه من
حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد عقابه، فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا
تركه (٩)
___________________________________
(١) النزل ما هيئ للضيف قبل أن ينزل.
والحميم الشراب المغلى في قدور جهنم.
(٢) اشارة إلى قوله عزوجل في سورة هود آية ١٠٥.
(٣) يوم بعثرت أى قلبت فاخرج ما فيها.
(٤) إشارة إلى قوله عزوجل في سورة المؤمن آية ١٨.
والازفة القيامة وسميت بها لازافتها أى قربها.
(٥) " تقال " من الاقالة وهى فسخ البيع.
(٦) لفظة " من " بيان للموصول بعده يعنى " ما " أو الموصول بدل من الذنوب.
(٧) التدمير: الاهلاك.
وفى الامالى [ ولا تأمنوا مكر اله وشدة أخذه وتدميره ] وفى الروضة [ ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتحديده ] بدون " تدميره ".
(٨) سورة الاعراف آية ٢٠٠.
(٩) في بعض النسخ وفى الامالى [ نكله ].
(*)
[٢٥١]
ولا
تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا (١) الذين مكروا
السيئات [ وقد قال الله تعالى: " أفأمن الذين مكروا السيئات ] أن يخسف الله
بهم الارض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما
هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف (٢) " فاحذروا ما حذركم الله بما فعل
بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في
كتابه لقد وعظكم الله بغيركم. وإن السعيد من وعظ بغيره. ولقد أسمعكم الله
في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: (٣) "
وأنشأنا بعدها قوما آخرين " وقال: " فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون "
يعني يهربون. قال: " لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم
تسئلون " فلما أتاهم العذاب " قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين (٤) " فإن
قلتم أيها الناس: إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك وهو يقول: "
ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من
خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (٥) ".
اعلموا
عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنما
يحشرون إلى جهنم زمرا وإنما تنصب الموازن وتنشر الدواوين لاهل الاسلام،
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى لم يحب زهرة الدنيا لاحد من
أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها فإنما خلق الدنيا
وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته وأيم الله لقد ضربت لكم فيه
الامثال وصرفت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من
___________________________________
(١) في الامالى [ فتكونوا من الذين ].
(٢) سورة النحل آية ٤٧ إلى ٤٩.
(٣) هنا سقط في النسخ وفي الروضة [ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة - وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول -: وانشأنا ... الخ ].
وفى
الامالى [ وكم أهلكنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا... الخ ] و ليست الآية
على نسخة الامالى في المصاحف ولعله نقل بالمعنى لان قصمنا بمعنى أهلكنا.
(٤)
الايات في سورة الانبياء من آيه ١١ إلى ١٦ وهنا سقط أيضا وفى الروضة
والامالى [ " فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين " وايم الله إن
هذه لعظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم، ثم رجع إلى القول في الكتاب على أهل
المعاصى والذنوب فقال: " ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا
كنا ظالمين " ].
سورة الانبياء آية ٤٨.
(٥) سورة الانبياء آية ٤٩.
(*)
[٢٥٢]
القوم
الذين يعقلون. ولا قوة إلا بالله. وازهدوا فما زهدكم الله فيه من عاجل
الحياة الدنيا فإن الله يقول - وقوله الحق -: " إنما مثل الحيوة الدنيا
كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى
إذا أخذت الارض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتيها أمرنا
ليلا أو نهار فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم
يتفكرون (١) " ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قال لمحمد صلى الله عليه
وآله (٢)." ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار (٣) " ولا تركنوا إلى
هذه الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنها دار
قلعة ومنزل بلغة ودار عمل، فتزودوا الاعمال الصالحة قبل تفرق أيامها وقبل
الاذن من الله في خرابها، فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو
ولي ميراثها.
وأسأل
الله لنا ولكم العون على تزود التقوى والزهد في الدنيا جعلنا الله وإياكم
من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا، الراغبين في آجل ثواب الآخرة فإنما
نحن له وبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق