الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام - وروي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني

وروي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني (4)


قال عليه السلام: من كنوز الجنة البر وإخفاء العمل والصبر على الرزايا (5) وكتمان المصائب. وقال عليه السلام: حسن الخلق خير قرين. وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه. وقال عليه السلام: الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرام صبره ولم يشغل الحلال شكره. وكتب إلى عبدالله بن عباس (6): أما بعد فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوء‌ه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلته من آخرتك وليكن أسفك على ما فاتك منها. وما نلته من الدنيا فلا تكثرن به فرحا. وما فاتك منها فلا تأسفن عليه حزنا. وليكن همك فيما بعد الموت.


___________________
(1) الاحدوثة: ما يتحدث به الناس والمراد الثناء والكلام الجميل. (2) الموادعة: المصالحة والمسالمة. (3) في الكافى [ محبة الاخيار ]. (4) كل ما كان في هذا الباب فهو موجود في كتب أصحابنا كالخصال والكافى والامالى وكشف الغمة والمناقب وكنز الفوائد والنهج وارشاد المفيد وأمثالها وفى كتب العامة أيضا كحلية الاولياء والمناقب لابن الجوزى ومطالب السؤول وأمثالها. وإنما تعرضنا لبعضها لاجل اختلاف كان فيه. (5) الرزايا: جمع الزرية: المصيبة العظيمة. (6) منقول في النهج بادنى اختلاف. (*)

[201]


وقال عليه السلام في ذم الدنيا: أولها عناء وآخرها فناء (1)، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب. من صح فيها أمن. ومن مرض فيها ندم. من استغنى فيها فتن. ومن افتقر فيها حزن. من ساعاها فاتته (2). ومن قعد عنها أتته. ومن نظر إليها أعمته. ومن نظر بها بصرته (3). وقال عليه السلام: احبب حبيبك هونا ما عسى أن يعصيك يوما ما (4). وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. وقال عليه السلام: لا غنى مثل العقل. ولا فقر أشد من الجهل. وقال عليه السلام: قيمة كل امرئ ما يحسن. وقال عليه السلام: قرنت الهيبة بالخيبة (5). والحياء بالحرمان. والحكمة ضالة المؤمن فليطلبها ولو في أيدي أهل الشر. وقال عليه السلام: لو أن حملة العلم حملوه بحقه لاحبهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه. ولكنهم حملوه لطلب الدنيا. فمقتهم الله وهانوا على الناس. وقال عليه السلام: أفضل العبادة الصبر والصمت وانتظار الفرج. وقال عليه السلام: إن للنكبات غايات لابد أن تنتهي إليها فإذا حكم على أحدكم بها فليطأطأ لها ويصبر حتى تجوز (6) فإن إعمال الحيلة فيها عند إقبالها زائد في مكروهها. وقال عليه السلام للاشتر: يا مالك احفظ عني هذا الكلام وعه. يا مالك بخس مروته من ضعف يقينه. وأزرى بنفسه من استشعر الطمع (7). ورضي [ ب‍ ] الذل من كشف [ عن ] ضره.


___________________
(1) العناء النصب والتعب. (2) " ساعاها " أى غالبها في السعى. وفى كنز الفوائد [ فاتنه ]. (3) أى نظر اليها بعين الحقيقة ونظر تأمل وتفكر. وفى كنز الفوائد [ ومن نظر إليها ألهته و من تهاون بها نصرته ]. (4) - الهون: الرفق، السهل، السكينه والمراد احببه حبا مقتصدا لا افراط فيه. وأبغضه بغضا مقتصدا. (5) الهيبة: المخافة. والخيبة: عدم الظفر بالمطلوب. (6) طأطأ: خفض وخضع. (7) أى احتقرها. يقال: أزرى به أى عابه ووضع من حقه. (*)

[202]


وهانت عليه نفسه من أطلع على سره. وأهلكها من أمر عليه لسانه (1) الشره جزار الخطر (2). من أهوى إلى متفاوت خذلته الرغبة. البخل عار. والجبن منقصة. والورع جنة. والشكر ثروة. والصبر شجاعة. والمقل غريب في بلده (3). والفقر يخرس الفطن عن حجته (4). ونعم القرين الرضى. الادب حلل جدد (5). ومرتبة الرجل عقله. وصدره خزانة سره. والتثبت حزم. والفكر مرآة صافية. والحلم سجية فاضلة. والصدقة دواء منجح (6). وأعمال القوم في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم. والاعتبار منذر صالح. والبشاشة فخ المودة. (7) وقال عليه السلام: الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فمن لا صبر له لا إيمان له. وقال عليه السلام: أنتم في مهل من ورائه أجل ومعكم أمل يعترض دون العمل فاغتنموا المهل وبادروا الاجل وكذبوا الامل وتزودوا من العمل، هل من خلاص أو مناص أو فرار أو مجاز أو معاذ أو ملاذ أو لا؟ فأنى تؤفكون. وقال عليه السلام اوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة للطالب الراجي وثقة للهارب اللاجي استشعروا التقوى شعارا باطنا.واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طرق النجاة. وانظروا إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق. فإنها تزيل الثاوي الساكن (8)


___________________
(1) وأمر لسانه أى جعله أميرا. (2) - الشره: اشد الحرص وطلب المال مع القناعة. والجزار: الذباح. والمتفاوت: المتباعد وفى كنز الفوائد [ إلى متفاوت الامور ]. وفى النهج [ من أومأ إلى متفاوت خذلته الحيل ] أى من طلب تحصيل المتباعدات وضم بعضها إلى بعض لم ينجح فيها فخذلته الحيل والرغبة فيما يريد. (3) المقل: الفقير. وفى النهج [ في بلدته ]. (4) الفطن - بفتح فكسر -: الفاطن أى صاحب الفطنة والحذاقة. (5) الحلل: جمع الحلة - بالضم -: كل ثوب جديد. والجدد: جمع الجديد. (6) انجحت حاجته: قضيت والرجل: فاز وظفر بها. (7) الفخ: المصيدة أى آلة يصاد بها. وفى النهج [ والبشاشه حبالة المودة ] والحبالة - بالكسر - شبكة الصيد. (8) الثاوى: القائم. يعنى أن الدنيا تزيل من قام بها واتخذها وطنا. (*)

[203]


وتفجع المترف الآمن. لا يرجى منها ما ولى فأدبر ولا يدرى ما هو آت منها فيستنظر. وصل الرخاء منها بالبلاء. والبقاء منها إلى الفناء. سرورها مشوب بالحزن والبقاء منها إلى الضعف الوهن. وقال عليه السلام: إن الخيلاء من التجبر والتجبر من النخوة والنخوة من التكبر. وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل. إن المسلم أخ المسلم فلا تخاذلوا ولا تنابزوا. فإن شرايع الدين واحدة وسبله قاصدة، فمن أخذ بها لحق ومن فارقها محق ومن تركها مرق (1). ليس المسلم بالكذوب إذا نطق ولا بالمخلف إذا وعد. ولا بالخائن إذا اؤتمن. وقال عليه السلام: العقل خليل المؤمن. والحلم وزيره. والرفق والده. واللين أخوه. ولابد للعاقل من ثلاث: أن ينظر في شأنه ويحفظ لسانه ويعرف زمانه. ألا وإن من البلاء الفاقة وأشد من الفاقة مرض البدن وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإن من النعم سعة المال وأفضل من سعة المال صحة البدن وأفضل من صحة البدن تقوى القلب. وقال عليه السلام: إن للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه (2) وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل. وليس للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث: مرمة لمعاشه (3) وخطوة لمعاده أو لذة في غير محرم. وقال عليه السلام كم من مستدرج بالاحسان إليه (4) وكم من مغرور بالستر عليه وكم من مفتون بحسن القول فيه، وما ابتلى الله عبدا بمثل الاملاء له (5) قال الله عزوجل: " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما (6) ".


___________________
(1) محق: هلك. ومرق: خرج من الدين بضلالة أو بدعة. (2) وكذا في أمالى ابن الشيخ وفى النهج [ وساعة يرم معاشه ]. (3) رممت الشى - بالتثقيل -: اصلحته . والمرمة: الاصلاح. وفى الحديث: " لا يكون العاقل ظاعنا الا في ثلاث: تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم". (4) استدرجه الله من حيث لا يعلم بالانعام والاحسان اليه وهو يعصى الله ولا يعلم أن ذلك ابلاغا للحجة عليه واقامة للمعذرة في أخذه وقد مر بيان الاستدراج كرارا. (5) والاملاء: الامهال. (6) سورة آل عمران آية 178. (*)

[204]


وقال عليه السلام: ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم، يكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك (1) ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك. وقال عليه السلام: لا تغضبوا. ولا تغضبوا (2). أفشوا السلام. وأطيبوا الكلام. وقال عليه السلام: الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسوا إذا ألطف. وقال عليه السلام: ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يرخص الناس في معاصي الله ولم يقنطهم من رحمة الله ولم يؤمنهم من مكر الله ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه. ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه. ولا خير في علم ليس فيه تفكر. ولا خير في قراء‌ة ليس فيها تدبر. وقال عليه السلام: إن الله إذا جمع الناس نادى فيهم مناد أيها الناس إن أقربكم اليوم من الله أشدكم منه خوفا وإن أحبكم إلى الله أحسنكم له عملا وإن أفضلكم عنده منصبا أعملكم (3) فيما عنده رغبة وإن أكرمكم عليه أتقاكم. وقال عليه السلام:عجبت لاقوام يحتمون الطعام مخافة الاذى كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار(4). وعجبت ممن يشترى المماليك بماله كيف لا يشترى الاحرار بمعروفه فيملكهم. ثم قال: إن الخير والشر لا يعرفان إلا بالناس، فإذا أردت أن تعرف الخير (5) فاعمل الخير تعرف أهله. وإذا أردت أن تعرف الشر فاعمل الشر تعرف أهله. وقال عليه السلام: إنما أخشى عليكم اثنتين: طول الامل واتباع الهوى، أما طول الامل فينسي الآخرة واما أتباع الهوى، فإنه يصد عن الحق. وسأله رجل


___________________
(1) البشر - بالكسر -: بشاشة الوجه. والنزاهة: العفة والبعد عن المكروه. (2) في بعض النسخ [ ولا تعصبوا ]. ولعل الصحيح " ولا تعضبوا " أى لا تقطعوا. (3) في بعض النسخ [ أعلمكم ]. (4) يحتمون أى يتقون وفى بعض النسخ [ كيف لا يحتمى ]. (5) في بعض النسخ [ أن تعمل الخير ]. (*)

[205]


بالبصرة عن الاخوان فقال: الاخوان صنفان: إخوان الثقة وإخوان المكاشرة، فأما إخوان الثقة فهم الكهف والجناح (1) والاهل والمال فإن كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافاه (2) وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه وأظهر منه الحسن. اعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الاحمر، وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك، فلا تقطعن منهم لذتك، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان. وقال عليه السلام: لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعدى صديقك. وقال عليه السلام: لا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب (3). وقال عليه السلام: ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة: الفاجر (4) والاحمق والكذاب فأما الفاجر فيزين لك فعله ويحب أنك مثله ولا يعينك على أمر دينك ومعادك، فمقارنته جفاء وقسوة ومدخله عار عليك (5). وأما الاحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو جهد نفسه (6) وربما أراد نفعك فضرك. فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه. وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش، ينقل حديثك وينقل إليك الحديث. كلما أفنى احدوثة مطاها باخرى مثلها (7) حتى أنه يحدث بالصدق فلا يصدق، يغزي بين الناس بالعداوة (8) فينبت الشحناء في الصدور. فاتقوا الله وانظروا لانفسكم.


___________________
(1) المكاشرة - مفاعلة من كشر كضرب - وكشر الرجل عن أسنانه أى أبدى واظهر ويكون في الضحك. والمكاشر: المتبسم في وجهه. والكهف: الملجأ. ورواه الصدوق في الخصال وفيه [ فهم الكف والجناح والاصل والاهل والمال ]. والجناح من الانسان: اليد: لانه بمنزلة جناح الطائر. (2) صافى فلانا: أخلص له الود. (3) لا تصرم أى لا تقطع. والاستعتاب: الاسترضاء. (4) رواه الكلينى (ره) في الكافى 2 ص 639 وفيه [ الماجن الفاجر ]. (5) في الكافى [ مقاربته جفاء ]. و " مدخله " أى زيارته ومواجهته. (6) في الكافى [ ولو أجهد نفسه ]. (7) مطا يمطو: أسرع في سيره ومطا بالقوم: مد بهم في السير. وفى الكافى [ مطرها ]. وفى بعض نسخه [ مطها ]. (8) يغرى أى القى بينهم العداوة. والشحناء: العداوة والبغضاء امتلات منها النفس من شحن أى ملا. وفى الكافى [ يفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور ]. (*)

[206]


وقال عليه السلام: لا عليك (1) أن تصحب ذا العقل وإن لم تجمد كرمه (2) ولكن انتفع بعقله واحترس من سيئ أخلاقه ولا تدعن صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله ولكن انتفع بكرمه بعقلك. وافرر الفرار كله من اللئيم الاحمق. وقال عليه السلام: الصبر ثلاثة: الصبر على المصيبة. والصبر على الطاعة. والصبر عن المعصية. وقال عليه السلام: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينزل به مكروه أبدا، قيل: وما هن؟ قال: العجلة واللجاجة والعجب والتواني. وقال عليه السلام: الاعمال ثلاثة: فرائض وفضائل ومعاصي، فأما الفرائض فبأمر الله ومشيئته وبرضاه وبعلمه وقدره يعملها البعد فينجو من الله بها. وأما الفضائل فليس بأمر الله لكن بمشيئته وبرضاه وبعلمه وبقدره يعملها العبد فيثاب عليها. وأما المعاصي فليس بأمر الله ولا بمشيئته ولا برضاه لكن بعلمه وبقدره يقدرها لوقتها، فيفعلها العبد باختياره فيعاقبه الله عليها، لانه قد نهاه عنها فلم ينته. وقال عليه السلام: يا أيها الناس إن لله في كل نعمة حقا، فمن أداه زاده ومن قصر عنه خاطر بزوال النعمة وتعجل العقوبة، فليراكم الله من النعمة وجلين كما يراكم من الذنوب فرقين (3). وقال عليه السلام: من ضيق عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك حسن نظر من الله [ له ] فقد ضيع مأمولا. ومن وسع عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك استدراج من الله فقد أمن مخوفا. (4) وقال عليه السلام: يا أيها الناس سلوا الله اليقين وارغبوا إليه في العافية، فإن أجل


___________________
(1) أى لا بأس بك ولا حرج. (2) جمدت يده: بخل. (3) " وجلين " اى خائفين. " فرقين " أى فزعين. (4) ذات يده: ما يملكه. ومأمولا أى ما أمل ورجا اى من كان في ضيق بحسب المال ولم يظن ان ذلك احسان من الله وامتحان منه فقد ضيع اجرا مأمولا وهكذا اذا لم يظن ان نعمته استدراج منه فقد أمن من مكر الله وذكر في النهج بتقديم وتأخير. (*)

[207]


النعم العافية. وخير مادام في القلب اليقين. والمغبون من غبن دينه. والمغبوط من حسن يقينه. وقال عليه السلام: لا يجد رجل طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه ليكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال عليه السلام: ما ابتلي المؤمن بشئ هو أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها، قيل: وما هن؟ قال: المواساة في ذات يده والانصاف من نفسه وذكر الله كثيرا، أما إني لا أقول لكم: سبحان الله والحمد لله ولكن ذكر الله عندما أحل له وذكر الله عندما حرم عليه. وقال عليه السلام: من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيه يكفيه ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شئ يكفيه. وقال عليه السلام: المنية لا الدنية والتجلد لا التبلد (1) والدهر يومان: فيوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فلا تحزن فبكليهما ستختبر. وقال عليه السلام: أفضل على من شئت يكن أسيرك. وقال عليه السلام: ليس من أخلاق المؤمن الملق ولا الحسد إلا في طلب العلم. وقال عليه السلام: أركان الكفر أربعة: الرغبة والرهبة والسخط والغضب. وقال عليه السلام: الصبر مفتاح الدرك. والنجح عقبى من صبر (2). ولكل طالب حاجة وقت يحركه القدر. وقال عليه السلام: اللسان معيار أطاشه الجهل (3) وأرجحه العقل. وقال عليه السلام: من طلب شفا غيظ بغير حق أذاقه الله هوانا بحق. إن الله عدو ما كره. وقال عليه السلام: ما حار من استخار ولا ندم من استشار (4). وقال عليه السلام: عمرت البلدان بحب الاوطان. وقال عليه السلام: ثلاث من حافظ عليها سعد: إذا ظهرت عليك نعمة فاحمد الله. وإذا


___________________
(1) المنية: الموت أى يكون الموت ولا يكون ارتكاب الدنية. والتجلد: تكلف الجلد - محركة - و الصبر عليه. والتبلد: ضد التجلد والتلهف. ومضمون هذا الكلام منقول في النهج وفيه [ والتقلل ولا التوسل ]. (2) النجح - بالضم -: الفوز والظفر. (3) أطاشه أى خفه. وبالفارسية (يعنى سبك ميكند اورا). (4) الحور - بالفتح -: التحير والرجوع إلى النقصان. (*)

[208]


أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول: " لا حول ولا قوة إلا بالله ". وقال عليه السلام: العلم ثلاثة: الفقه للاديان. والطب للابدان. والنحو للسان. وقال عليه السلام: حق الله في العسر الرضى والصبر. وحقه في اليسر الحمد والشكر. وقال عليه السلام: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة. وكم من شهوة ساعة قد أورثت حزنا طويلا. والموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لب فيها فرحا ولا لعاقل لذة. وقال عليه السلام: العلم قائد والعمل سائق والنفس حرون (1). وقال عليه السلام: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى عليه السلام خرج يقتبس لاهله نارا فكلمه الله ورجع نبيا. وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام. وخرجت سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين. وقال عليه السلام: الناس بامرائهم أشبه منهم بآبائهم. وقال عليه السلام: أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج (2) من قول الزور فيه ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه. الناس أبناء ما يحسنون وقدر كل امرء ما يحسن فتكلموا في العلم تبين أقداركم. وقال عليه السلام: رحم الله امرء‌ا راقب ربه (3) وتوكف ذنبه وكابر هواه وكذب مناه. زم نفسه من التقوى بزمام وألجمها من خشية ربها بلجام، فقادها إلى الطاعة بزمامها. وقدعها عن المعصية بلجامها (4)، رافعا إلى المعاد طرفه، متوقعا في كل أوان حتفه، دائم الفكر، طويل السهر، عزوفا عن الدنيا، كدوحا لآخرته (5)، جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته ودواء [ داء ] جواه (6)، فاعتبر وقاس فوتر الدنيا والناس، يتعلم للتفقه


___________________
(1) الحرون من الخيل: الذى لا ينقاد لراكبه فاذا استدر جريه وقف. (2) ازعجه فانزعج: أقلقه وقلعه من مكانه فقلق وانقلع. (3) في بعض النسخ [ راقب دينه ]. والتوكف: التجنب. والمكابرة: المعاندة والمغالبة. (4) قدع الفرس باللجام: كبحه أى جدبه به لتقف وتجرى. (5) سهر سهرا - كفرح - اذا لم ينم ليلا. وعزفت نفسه عن الشئ: انصرفت وزهدت فيه والكدح السعى في مشقة وتعب. (6) الجوى: الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن. (*)

[209]


والسداد، قد وقر قلبه ذكر المعاد، فطوى مهاده (1) وهجر وساده، قد عظمت فيما عند الله رغبته واشتدت منه رهبته، يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم، أولئك ودائع الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده، لو أقسم أحدهم على الله لابره، آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. وقال عليه السلام: وكل الرزق بالحمق. ووكل الحرمان بالعقل. ووكل البلاء بالصبر. وقال عليه السلام للاشعث (2) يعزيه بأخيه عبدالرحمن: إن جزعت فحق عبدالرحمن وفيت وإن صبرت فحق الله أديت، على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت محمود وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم (3). فقال الاشعث: إنا لله وإنا إليه راجعون فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتدري ما تأويلها؟ فقال الاشعث: لانت غالية العلم ومنتهاه فقال عليه السلام: أما قولك: " إنا لله " فإقرار منك بالملك. وأما قولك " وإنا إليه راجعون " فإقرار منك بالهلك (4). وركب يوما فمشى معه قوم فقال عليه السلام لهم: أما علمتم أن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي، انصرفوا.


___________________
(1) طوى نقيض نشر. والمهاد: الفراش. وهجره أى تركه وأعرض عنه. (2) الظاهر هو اشعث بن قيس المكنى بابى محمد ذكروه في جملة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان اسر بعد النبي صلى الله عليه وآله في ردة اهل ياسر وعفى عنه أبوبكر وزوجه اخته ام فروة وكانت عوراء فولدت له محمد. وكان اشعث سكن الكوفة وهو عامل عثمان على آذربيجان وكان ابا زوجة عمر بن عثمان وكتب أمير المؤمنين عليه لسلام اليه بعد فتح البصرة فسار وقدم على على عليه السلام وحضر صفين ثم صار خارجيا ملعونا وقال ابن أبى الحديد كل فساد كان في خلافة امير المؤمنين عليه السلام وكل اضطراب حدث فأصله الاشعث وهو الذى شرك في دمه عليه السلام وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام. (3) في النهج عزاه عن ابن له قال: [ يا أشعث إن تحزن على ابنك فقد استحقت ذلك منك الرحم. وان تصبر ففى الله من كل مصيبة خلف. يا أشعث إن صبرت جرى عليك القدر وانت مأجور وان جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور إبنك سرك وهو بلاء وفتنة وحزنك وهو ثواب ورحمة ]. (4) الهلك بالضم: الهلاك. (*)

[210]


وقال عليه السلام: الامور ثلاثة: أمر بان لك رشده فاتبعه(1) وأمر بان لك غيه فاجتنبه وأمر أشكل عليك فرددته إلى عالمه (2). وقال له جابر يوما: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام أصبحنا وبنا من نعم الله ربنا ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فلا ندري ما نشكر أجميل ما ينشر أم قبيح ما يستر. وعزى عبدالله بن عباس عن مولود صغير مات له فقال عليه السلام: لمصيبة في غيرك لك أجرها أحب إلي من مصيبة فيك لغيرك ثوابها فكان لك الاجر لابك وحسن لك العزاء لاعنك وعوضك الله عنه (3) مثل الذي عوضه منك. وقيل له: ما التوبة النصوح؟ فقال عليه السلام: ندم بالقلب واستغفار باللسان والقصد على أن لا يعود(4). وقال عليه السلام: إنكم مخلوقون اقتدارا ومربوبون اقتسارا (5) ومضمنون أجداثا و كائنون رفاتا ومبعوثون أفرادا ومدينون حسابا، فرحم الله عبد اقترف فاعترف. ووجل فعمل. وحاذر فبادر. وعبر فاعتبر. وحذر فازدجر. وأجاب فأناب وراجع فتاب. و اقتدى فاحتذى (6). فباحث طلبا. ونجا هربا. وأفاد ذخيرة. وأطاب سريرة. وتأهب للمعاد. واستظهر بالزاد ليوم رحيله (7) ووجه سبيله وحال حاجته وموطن فاقته، فقدم أمامه لدار مقامه. فمهدوا لانفسكم، فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني الهرم وأهل بضاضة الصحة (8) الا نوازل السقم وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء واقتراب الفوت ودنو الموت.


___________________
(1) في بعض النسخ [ فارتكبه ]. (2) في بعض النسخ [ فرده إلى عالمه ]. (3) في بعض النسخ [ منه ]. (4) في بعض النسخ [ العقد على أن لا يعود ]. (5) في بعض النسخ [ انتشارا ]. والاقتسار: عدم الاختيار، أى رباهم الله من عند كونهم أجنة في بطون أمهاتهم إلى كبرهم من غير إختيار منهم. وفى بعض النسخ [ ومضمون أحداثا ]. (6) الاحتذاء: الاقتداء أى أتى بكل ما للاقتداء من معنى. (7) استظهر بالزاد: استعان به. (8) البضاضة: رقة اللون وصفاؤه.   
 
[٢١١]
وقال عليه السلام: اتقوا الله تقية من شمر تجريدا. وجد تشميرا. وانكمش في مهل واشفق في وجل(١) ونظر في كرة الموئل وعاقبة المصير ومغبة المرجع (٢) فكفى بالله منتقما ونصيرا وكفى بالجنة ثوابا ونوالا (٣) وكفى بالنار عقابا ونكالا وكفى بكتاب الله حجيجا وخصيما (٤).
وسأله رجل عن السنة والبدعة والفرقة والجماعة.
فقال عليه السلام: أما السنة فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله. وأما البدعة فما خالفها (٥). وأما الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا وأما الجماعة فأهل الحق وإن قلوا، وقال صلى الله عليه وآله (٦): " لا يرجو العبد إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه ولا يستحي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم(٧) والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد. وقال له رجل: أوصني.
فقال عليه السلام: اوصيك أن لا يكونن لعمل الخير عندك غاية في الكثرة ولا لعمل الاثم عندك غاية في القلة.
وقال له آخر: أوصني، فقال عليه السلام: لا تحدث نفسك بفقر ولا طول عمر.
وقال عليه السلام: إن لاهل الدين علامات يعرفون بها: صدق الحديث وأداء الامانة ووفاء بالعهد وصلة للارحام ورحمة للضفاء وقلة مواتاة للنساء (٨) وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الحلم واتباع العلم وما يقرب من الله زلفى، فطوبى لهم وحسن مآب.
وقال عليه السلام: ما أطال [ ال‍ ] عبد الامل إلا أنسا [ ه ] العمل.
___________________________________
(١) التشمير: السرعة والخفة. وفى بعض النسخ والنهج [ وجد تشميرا ]. وانكمش أى أسرع وجد فيه. والمهل - بفتح فسكون وبالتحريك - مصدر بمعنى الرفق والامهال.
وفى النهج [ وبادر عن وجل ].
(٢) في النهج [ عاقبة المصدر ]. والمغبة - بفتح الميم والغين وتشديد التاء -: العاقبة.
(٣) النوال: العطاء والنصيب.
(٤) الحجيج: المغالب باظهار الحجة.
(٥) في بعض النسخ [ فمن خالفها ].
(٦) كذا في جميع النسخ.
(٧) في الكافى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول: الله أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك. ج ١ ص ٤٢.
(٨) المواتاة: المطاوعة. وفى الكافى [ قلة المراقبة للنساء ].
(*)
[٢١٢]
وقال عليه السلام: ابن آدم أشبه شئ بالمعيار إما ناقص بجهل أو راجح بعلم.
وقال عليه السلام: سباب المؤمن فسق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه.
وقال عليه السلام: ابذل لاخيك دمك ومالك. ولعدوك عدلك وإنصافك. وللعامة بشرك وإحسانك. سلم على الناس يسلموا عليك.
وقال عليه السلام: سادة الناس في الدنيا الاسخياء وفى الآخرة الاتقياء.
وقال عليه السلام: الشئ شيئان فشئ لغيري لم أرزقه فيما مضى ولا آمله فيما بقي وشئ لا أناله دون وقته، ولو أجلبت عليه بقوة السماوات والارض، فبأي هذين أفني عمري.
وقال عليه السلام: إن المؤمن إذا نظر اعتبر. وإذا سكت تفكر. وإذا تكلم ذكر. وإذا استغنى شكر. وإذا أصابته شدة صبر، فهو قريب الرضى، بعيد السخط، يرضيه عن الله اليسير ولا يسخطه الكثير ولا يبلغ بنيته إرادته في الخير، ينوي كثيرا من الخير ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به (١). والمنافق إذا نظر لها وإذا سكت سها وإذا تكلم لغا (٢) وإذا استغنى طغا وإذا أصابته شدة ضغا (٣)، فهو قريب السخط بعيد الرضى، يسخطه على الله اليسير ولا يرضيه الكثير، ينوي كثيرا من الشر ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته من الشر كيف لم يعمل به.
وقال عليه السلام: الدنيا والآخرة عدوان متعاديان وسبيلان مختلفان، من أحب الدنيا ووالاها أبغض الآخرة وعاداها، مثلهما مثل المشرق والمغرب والماشي بينهما لا يزداد من أحدهما قربا إلا ازداد من الآخر بعدا.
وقال عليه السلام: من خاف الوعيد قرب عليه البعيد (٤). ومن كان من قوت الدنيا لا يشبع لم يكفه منها ما يجمع. ومن سعى للدنيا فاتته. ومن قعد عنها أتته. إنما الدنيا
___________________________________
(١) تلهف أى حزن عليه وتحسر.
(٢) " لها " أى لعب. " سها " أى غفل ونسى وذهب قلبه إلى غيره.
و " لغا " أى خطأ وتكلم من غير تفكر وروية.
(٣) " ضغا " أى تذلل وضعف.
(٤) الوعيد يستعمل في الشر كما ان الوعد في الخير غالبا.
(*)
[٢١٣]
ظل ممدود إلى أجل معدود. رحم الله عبدا سمع حكما فوعى ودعي إلى الرشاد فدنا وأخذ بحجزة ناج هاد فنجا (١)، قدم خالصا وعمل صالحا [ قدم ] مذخورا واجتنب محذورا، رمى غرضا (٢) [ وأحرز عوضا ]، كابر هواه وكذب مناه، جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته (٣)، لزم الطريقة الغراء والمحجة البيضاء. واغتنم المهل وبادر الاجل وتزود من العمل.
وقال عليه السلام لرجل: كيف أنتم؟ فقال: نرجو ونخاف، فقال عليه السلام: من رجا شيئا طلبه ومن خالف شيئا هرب منه، ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما خاف منه وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو.
وقال عليه السلام لعباية بن ربعي (٤) وقد سأله عن الاستطاعة التي نقوم ونقعد ونفعل: إنك سألت عن الاستطاعة فهل تملكها من دون الله، أو مع الله، فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إن قلت: تملكها مع الله قتلتك وإن قلت: تملكها دون الله قتلتك، [ ف‍ ] قال عباية: فما أقول؟ قال عليه السلام: تقول: إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن ملكك إياها كان ذلك من عطائه وإن سلبكها كان ذلك من بلائه، فهو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك (٥).
قال الاصبغ بن نباتة (٦): سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: احدثكم بحديث
___________________________________
(١) الحجزة - كغرفة -: مقعد الازار. واستعير لهدى الهادى ولزوم قصده والاقتداء به.
(٢) الغرض - بالتحريك -: الهدف الذى يرمى اليه. وكابر: عاند وغالب.
(٣) العدة - بالضم - الاستعداد وما أعددته.
وفى الخبر " استعدوا للموت " أى اطلبوا العدة للموت وهى التقوى. والغراء: البيضاء.
(٤) هو عباية بن عمرو بن ربعى الاسدى من اصحاب امير المؤمنين والحسن عليهما السلام بل من خواصهما عليهما السلام ومعتمد عليه.
(٥) وفى بعض النسخ [ والقادر لما عليه قدرك ].
(٦) اصبغ بن نباتة المجاشعى كان من خاصة امير المؤمنين عليه السلام وعمر بعده وروى عهده لمالك الاشتر الذى عهد اليه امير المؤمنين عليه السلام لما ولاه مصر وروى ايضا وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمد الحنفية وكان يوم صفين على شرطة الخميس وكان شيخا شريفا ناسكا عابدا وكان من ذخائر على عليه السلام ممن قد بايعه على الموت وهو من فرسان أهل العراق وكان عند سلمان رضى الله عنه وقت وفاته وبكائه على امير المؤمنين عليه السلام عند بابه لما ضربه ابن ملجم لعنه الله ودخوله عليه - وهو معصوب الرأس بعمامة صفراء وقد نزف الدم واصفر وجهه - مشهور.
(*)
[٢١٤]
ينبغي لكل مسلم أن يعيه، ثم أقبل علينا، فقال عليه السلام: ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا إلا كان أجود وأمجد من أن يعود في عقابه يوم القيامة. ولا ستر الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إلا كان أمجد وأجود وأكرم من أن يعود في عفوه يوم القيامة، ثم قال عليه السلام: وقد يبتلي الله المؤمن بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله وتلا هذه الآية: " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (١) " وضم يده ثلاث مرات و يقول: " ويعفو عن كثير ".
وقال عليه السلام: أول القطيعة السجا. ولا تأس أحدا إذا كان ملولا (٢) أقبح المكافأة المجازاة بالاساء‌ة.
وقال عليه السلام: أول إعجاب المرء بنفسه فساد عقله. من غلب لسانه أمنه. من لم يصلح خلائقه كثرت بوائقه (٣). من ساء خلقه مله أهله. رب كلمة سلبت نعمة. الشكر عصمة من الفتنة. الصيانة رأس المروة. شفيع المذنب خضوعه. أصل الحزم الوقوف عند الشبهة. في سعة الاخلاق كنوز الارزاق.
وقال عليه السلام: المصائب بالسوية مقسومة بين البرية. لا تيأس لذنبك وباب التوبة مفتوح. الرشد في خلاف الشهوة. تأريخ المنى الموت. النظر إلى البخيل يقسي القلب. النظر إلى الاحمق يسخن العين(٤) السخاء فطنة. واللؤم تغافل.
وقال عليه السلام: الفقر الموت الاكبر. وقلة العيال أحد اليسارين وهو نصف العيش والهم نصف الهرم. وما عال امرؤ اقتصد (٥). وما عطب امرؤ استشار. والصنيعة لا تصلح إلا عند ذي حسب أو دين. والسعيد من وعظ بغيره. والمغبون لا محمود ولا مأجور. البر لا يبلى. والذنب لا ينسى.
___________________________________
(١) سورة الشورى آية ٣٠.
(٢) السجا: الستر، سجا الليل يسجو: ستر بظلمته. وفى النهج [ ولا تأمنن ملولا ].
(٣) الخلائق: جمع خليقة: الطبيعة. والبوائق جمع بائقة: الشر والغائلة والداهية.
(٤) سخنت عينه: نقيض قرت.
(٥) أى ما جار امرؤ إن أخذ بالاقتصاد. وفى النهج [ ما أعال ]. وما عطب أى ما هلك.
(*)
[٢١٥]
وقال عليه السلام: اصطنعوا المعروف (١) تكسبوا الحمد. واستشعروا الحمد يؤنس بكم [ العقلاء ]. ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء. وأكرموا الجليس تعمر ناديكم (٢). وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم. وأنصفوا الناس من انفسكم يوثق بكم. وعليكم بمكارم الاخلاق فإنها رفعة. وإياكم والاخلاق الدنية فإنها تضع الشريف وتهدم المجد.
وقال عليه السلام: اقنع تعز.
وقال عليه السلام: الصبر جنة من الفاقة. والحرص علامة الفقر. والتجمل اجتناب المسكنة. والموعظة كهف لمن لجأ إليها.
وقال عليه السلام: من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه.
وقال عليه السلام: لا عيش لحسود. ولا مودة لملول. ولا مروة لكذوب.
وقال عليه السلام: تروح إلى بقاء عزك بالوحدة.
وقال عليه السلام: كل عزيز داخل تحت القدرة فذليل.
وقال عليه السلام: أهلك الناس اثنان: خوف الفقر وطلب الفخر.
وقال عليه السلام: أيها الناس إياكم وحب الدنيا فإنها رأس كل خطيئة وباب كل بلية وقران كل فتنة وداعي كل رزية (٣).
وقال عليه السلام: جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر والسكوت والكلام، فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو. وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة. وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبرة وسكوته فكرة وكلامه ذكرا وبكى على خطيئته وأمن الناس من شره (٤).
وقال عليه السلام: ما أعجب هذا الانسان مسرور بدرك ما لم يكن ليفوته، محزون على فوت ما لم يكن ليدركه ولو أنه فكر لابصر وعلم أنه مدبر وأن الرزق عليه مقدر ولاقتصر على ما تيسر ولم يتعرض لما تعسر (٥).
___________________________________
(١) اصطنعوا: اعطوا واحسنوا واكرموا.
(٢) النادى: المجلس جمع أندية.
(٣) الرزية: المصيبة.
(٤) في معانى الاخبار باب ٢٠٢ ج ٢ [ وأمن الناس شره ].
(٥) في بعض النسخ [ لاقتصر على ما يتيسر ولم يتعرض لما يتعسر ].
(*)
[٢١٦]
وقال عليه السلام إذا طاف في الاسواق ووعظهم قال: يا معشر التجار قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة. واقتربوا من المبتاعين. (١) وتزينوا بالحلم. وتناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب. وتجافوا عن الظلم. (٢) وأنصفوا المظلومين ولا تقربوا الربا. وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياء‌هم ولا تعثوا في الارض مفسدين. وسئل أي شئ مما خلق الله أحسن؟ فقال عليه السلام: الكلام.
فقيل: أي شئ مما خلق الله أقبح؟ قال: الكلام، ثم قال: بالكلام ابيضت الوجوه وبالكلام اسودت الوجوه.
وقال عليه السلام: قولوا الخير تعرفوا [ به ] واعملوا به تكونوا من أهله.
وقال عليه السلام: إذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم. وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم. واعلموا أن الهالك من هلك دينه. والحريب من سلب دينه (٣). ألا وإنه لا فقر بعد الجنة ولا غنى بعد النار.
وقال عليه السلام: لا يجد عبد طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجده (٤).
وقال عليه السلام: ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذاب، إنه يكذب حتى يجئ بالصدق فما يصدق.
وقال عليه السلام: أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق (٥).
وقال عليه السلام: من خاف القصاص كف عن ظلم الناس.
وقال عليه السلام: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد.
وقال عليه السلام: العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء ثلاثة.
وقال عليه السلام: الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن [ جميل ] وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عليك. والذكر ذكران: ذكر عند المصيبة حسن جميل وأفضل من ذلك ذكر الله عندما حرم [ الله ] عليك فيكون ذلك حاجزا.
___________________________________
(١) أى تقاربوا بالمشترى وامضوا المعاملة.
(٢) في بعض النسخ [ تخافوا ].
(٣) الحريب: الذى سلب ماله وتركه بلا شئ.
(٤) الهزل في الكلام: ضد الجد أى المزح والهذى.
(٥) اقتطع مال فلان أى أخذه لنفسه.
(*)
[٢١٧]
وقال عليه السلام: اللهم لا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك وما جعلت بي من حاجة فاجعلها إلى أحسنهم وجها وأسخاهم بها نفسا وأطلقهم بها لسانا وأقلهم علي بها منا.
وقال عليه السلام: طوبى لمن يألف الناس ويألفونه على طاعة الله.
وقال عليه السلام: إن من حقيقة الايمان أن يؤثر العبد الصدق حتى نفر عن الكذب حيث ينفع.
ولا يعد المرء بمقالته علمه.
وقال عليه السلام: أدوا الامانة ولو إلى قاتل ولد الانبياء (١).
وقال عليه السلام: التقوى سنخ الايمان.
وقال عليه السلام: ألا إن الذل في طاعة الله أقرب إلى العز من التعاون بمعصية الله.
وقال عليه السلام: المال والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد جمعهما الله لاقوام.
وقال عليه السلام: مكتوب في التوراة في صحيفتين، إحديهما: من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا. ومن أصبح من المؤمنين يشكو مصيبة نزلت به إلى من يخالفه على دينه فإنما يشكو ربه إلى عدوه. ومن تواضع لغني طلبا لما عنده ذهب ثلثا دينه (٢). ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا.
وقال عليه السلام: في الصحيفة الاخرى: من لم يستشر يندم ومن يستأثر من الاموال يهلك (٣).
والفقر الموت الاكبر.
وقال عليه السلام: الانسان لبه لسانه. وعقله دينه. ومروته حيث يجعل نفسه. و الرزق مقسوم والايام دول. والناس إلى آدم شرع سواء (٤).
وقال عليه السلام: لكميل بن زياد: رويدك لاتشهر (٥) وأخف شخصك لاتذكر.
___________________________________
(١) في كنز الفوائد [ إلى قاتل الانبياء ].
(٢) لان الخضوع لغير الله أداء عمل لغيره واستعظام المال ضعف في اليقين فلم يبق الا الاقرار باللسان.
(٣) استاثر بالمال: اختص نفسه به واختاره.
(٤) " دول " لاثبات فيها ولا قرار. والشرع - بكسر فسكون وبفتحتين -: المثل.
(٥) رويدك - مصدر - أى امهل.
(*)
[٢١٨]
تعلم تعلم. واصمت تسلم. لا عليك إذا عرفك دينه لا تعرف الناس ولا يعرفونك.
وقال عليه السلام: ليس الحكيم من لم يدار من لا يجد بدا من مدارأته.
وقال عليه السلام: أربع لو ضربتم فيهن أكباد الابل (١) لكان ذلك يسيرا: لا يرجون أحد إلا ربه.
ولا يخافن إلا ذنبه. ولا يستحين أن يقول: لا أعلم إذا هو لم يعلم. ولا يستكبرن أن يتعلم إذا لم يعلم.
وكتب إلى عبدالله بن العباس أما بعد فاطلب ما يعنيك واترك ما لا يعنيك فإن في ترك ما لا يعنيك درك ما يعنيك وإنما تقدم على ما أسلفت لا على ما خلفت. وابن ما تلقاه غدا على ما تلقاه والسلام.
وقال عليه السلام إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودائهم ونفوا به الضغن عن قلوب أعدائهم حسن البشر عند لقائهم والتفقد في غيبتهم والبشاشة بهم عند حضورهم.
وقال عليه السلام: لا يجد عبد طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وقال عليه السلام: يا رب ما أشقى جد من لم يعظم في عينه وقلبه ما رأى من ملكك و سلطانك في جنب ما لم تر عينه وقلبه من ملكك وسلطانك. وأشقى منه من لم يصغر في عينه وقلبه ما رأى وما لم ير من ملكك وسلطانك في جنب عظمتك وجدلك، لا إله إلا أنت سبحان إني كنت من الظالمين.
وقال عليه السلام: إنما الدنيا فناء وعناء وغير وعبر. فمن فنائها أنك ترى الدهر موترا قوسه مفوقا نبله (٢) لا تخطئ سهامه ولا تشفى جراحه، يرمى الصحيح بالسقم والحي بالموت. ومن عنائها أن المرء يجمع مالا يأكل ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله لا مالا حمل ولا بناء نقل. ومن غيرها (٣) أنك ترى المغبوط مرحوما والمرحوم مغبوطا ليس بينهم (٤)
___________________________________
(١) ضرب أكباد الابل في طلب الشئ كناية من أن يرحل اليه.
وفى النهج [ لو ضربتم اليها آباط الابل لكانت لذلك أهلا ].
(٢) موترا قوسه: مشد وترها. " مفوقا نبله " أى موضع فوقته في الوتر ليرمى به.
والفوق: مشق رأس السهم حيث يقع الوتر.
(٣) في امالى الشيخ [ عبرها ].
(٤) في الامالى [ ليس بينهما ].
(*)
[٢١٩]
إلا نعيم زال وبؤس نزل (١) ومن عبرها أن المرء يشرف على أمله فيتخطفه أجله (٢) فلا أمل مدروك ولا مؤمل متروك. فسبحان [ الله ] ما أعز سرورها وأظمأ ريها وأضحى فيئها فكأن ما كان من الدنيا لم يكن، وكأن ما هو كائن قد كان. [ و ] أن الدار الآخرة هي دار المقام ودار القرار وجنة ونار. صار أولياء الله إلى الاجر بالصبر وإلى الامل بالعمل.
وقال عليه السلام: من أحب السبل إلى الله جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة حزن تردها بصبر. ومن أحب السبل إلى الله قطرتان: قطرة دموع في جوف الليل و قطرة دم في سبيل الله. ومن أحب السبل إلى الله خطوتان: خطوة امرء مسلم يشد بها صفا في سبيل الله وخطوة في صلة الرحم [وهي] أفضل من خطوة يشد (٣) بها صفا في سبيل الله.
وقال عليه السلام: لا يكون الصديق لاخيه صديقا حتى يحفظه في نكبته وغيبته و بعد وفاته.
وقال عليه السلام: إن قلوب الجهال تستفزها الاطماع وترهنها المنى وتستعلقها الخدائع (٤).
وقال عليه السلام: من استحكمت فيه خصلة من خصال الخير اغتفرت ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دين، لان مفارقة الدين مفارقة الامن ولا حياة مع مخافة. وفقد العقل
___________________________________
(١) في الامالى [ نعيم زال ]. وفى الامالى [ ومن غيرها ].
(٢) وفى بعض النسخ وفى الامالى [ فيختطفه ].
(٣) في بعض النسخ [ يشهد ] في الموضعين.
(٤) " تستفزها " أى تستخفها وتخرجها من مقرها " وترهنها المنى " في الكافى [ ترتهنها ] وهى ارادة مالا يتوقع حصوله او المراد بها ما يعرض للانسان من أحاديث النفس وتسويل الشيطان أى تأخذها وتجعلها مشغولة بها ولا تتركها الا بحصول ما تتمناه كما أن الرهن لا ينفك الا بأداء المال وقوله: " تستعلقها " بالعين المهملة ثم القاف أى تصيدها وتربطها بالحبال من قولهم: " علق الوحش بالحبالة " اذا تعوق وتشب فيها. وفى بعض النسخ بالقافين أى تجعلها الخدائع منزعجة منقلعة من مكانها وفى بعضها بالغين المعجمة ثم القاف من قولهم: " استغلقنى في بيعه " أى لم يجعل لى خيارا في رده. (مرآة العقول كتاب العقل والجهل).
(*)
[٢٢٠]
فقد الحياة ولا يقاس [ إلا ] بالاموات (١).
وقال عليه السلام: من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن ومن كتم سره كانت الخيرة في يده (٢).
وقال عليه السلام: إن الله يعذب ستة بستة: العرب بالعصبية والدهاقين بالكبر والامراء بالجور والفقهاء بالحسد والتجار بالخيانة وأهل الرستاق بالجهل.
وقال عليه السلام: أيها الناس اتقوا الله، فإن الصبر على التقوى أهون من الصبر على عذاب الله.
وقال عليه السلام: الزهد في الدنيا قصر الامل، وشكر كل نعمة، والورع عن كل ما حرم الله.
وقال عليه السلام: إن الاشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج منهما الفقر (٣).
وقال عليه السلام: ألا إن الايام ثلاثة: يوم مضى لا ترجوه ويوم بقي لابد منه (٤). ويوم يأتي لا تأمنه فالامس موعظة واليوم غنيمة، وغد لا تدري من أهله، أمس شاهد مقبول واليوم أمين مؤد. وغد يعجل بنفسك سريع الظعن (٥)، طويل الغيبة، أتاك ولم تأته.
أيها الناس إن البقاء بعد الفناء ولم تكن إلا وقد ورثنا من كان قبلنا ولنا وارثون بعدنا فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه. واسلكوا سبل الخير، ولا تستوحشوا فيها لقلة أهلها واذكروا حسن صحبة الله لكم فيها. ألا وإن العواري اليوم والهبات
___________________________________
(١) كذا. وفى الكافى ج ١ ص ٢٧ [ عن امير المؤمنين عليه السلام من استحكمت لى فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها وغتفرت فقد ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دين، لان مفارقة الدين مفارقة الامن فلا يتهنأ بحياة مع مخافة وفقد العقل فقد الحياة ولا يقاس الا بالاموات ]. واستحكمت أى أثبتت وصارت ملكة راسخة. واحتملته أى قبلته ورحمته على تلك الخصله وقوله " لا يقاس إلا بالاموات " ذلك لعدم اطلاعه على وجوه مفاسده ومصالحه وعدم اهتدائه دفع مضاره وجلب منافعه.
(٢) الخيرة: الخيار وذلك لان من اسر عزيمة فله الخيار بخلاف من أفشاها.
(٣) في بعض النسخ [ بينهما الفقر ].
(٤) في بعض النسخ [ لا تدمنه ] اى لا تدومه.
(٥) الظعن: الرحلة.
(*)
[٢٢١]
غدا. وإنما نحن فروع لاصول قد مضت، فما بقاء الفروع بعد أصولها.
أيها الناس إنكم إن آثرتم الدنيا على الآخرة أسرعتم إجابتها إلى العرض الادنى ورحلت مطايا آمالكم إلى الغاية القصوى، تورد مناهل عاقبتها الندم وتذيقكم ما فعلت بالامم الخالية والقرون الماضية من تغير الحالات وتكون المثلات.
وقال عليه السلام: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، ولكل شئ زكاة وزكاة البدن الصيام، وأفضل عمل المرء انتظاره فرج الله، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، استنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وما عال امرء اقتصد.
والتقدير نصف العيش، والتودد نصف العقل. والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن أحزن والديه عقهما، ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة، فيمن قدر رزقه الله ومن بذر حرمه الله، والامانة تجر الرزق، والخيانة تجر الفقر، ولو أراد الله بالنملة صلاحا ما أنبت [ لها ] جناحا.
وقال عليه السلام: متاع الدنيا حطام وتراثها كباب، بلغتها أفضل من أثرتها. وقلعتها أركن من طمأنينتها (١)، حكم بالفاقة على مكثرها. واعين بالراحة من رغب عنها، من راقه رواؤها (٢) أعقبت ناظريه كمها (٣). ومن استشعر شغفها ملات قلبه أشجانا، لهن رقص على سويداء قلبه كرقيص الزبدة على أعراض المدرجة (٤) هم يحزنه وهم
___________________________________
(١) الحطام - كغراب -: ما تكسر من يبيس النبات. والكباب - كغراب - الكثير من الابل والغنم والتراب والطين اللازب وامثالها. والبلغة: الكفاف. والاثرة - كقصبة -: الاختيار واختصاص المرء بالشئ دون غيره. والقلعة: الرحلة.
(٢) في بعض النسخ [ من راقه زبرجها ] وفى بعضها [ من فاقه رواها ].
وراقه الشى: أعجبه و الرواء - بضم الراء -: حسن المنظر، والزبرج: الزينة وكل شئ حسن والذهب.
(٣) الكمه محركه - : العمى.
(٤) في بعض النسخ [ من استشعف برواؤها ] والشعف - محركة -: الولوع وشدة التعلق و غلبة الحب. وفى بعض نسخ الحديث والنهج [ ومن استشعر الشعف بها ].
والاشجان: الاحزان: والرقص الغليان والاضطراب واستعار عليه السلام لفظ الرقص لتعاقب الاحزان والهموم واضطرابهما في قلبه. والزبدة ما يستخرج من اللبن بالمخض.
ومختار هذا الكلام في النهج مع اختلاف.
(*)
[٢٢٢]
يشغله (١) كذلك حتى يؤخذ بكظمه ويقطع أبهراه ويلقى هاما للقضاء، طريحا هينا على الله مداه (٢) وعلى الابرار ملقاه (٣) وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار ويسمع فيها النفث (٤).
وقال عليه السلام: تعلموا الحلم فإن الحلم خليل المؤمن ووزيره والعلم دليله والرفق أخوه والعقل رفيقه والصبر أمير جنوده.
وقال عليه السلام لرجل تجاوز الحد في التقشف (٥): يا هذا أما سمعت قول الله: " وأما بنعمة ربك فحدث (٦) " فو الله لابتذالك نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالكها بالمقال.
وقال لابنه الحسن عليهما السلام: اوصيك بتقوى الله وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها.
واوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عند الجاهل والتفقه في الدين والتثبت في الامر والتعهد للقرآن وحسن الجوار والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش كلها في كل ما عصي الله فيه.
وقال عليه السلام: قوام الدنيا بأربعة: بعالم مستعمل لعلمه. وبغني باذل لمعروفه. وبجاهل لا يتكبر أن يتعلم. وبفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره. وإذا عطل العالم علمه وأمسك الغني معروفه وتكبر الجاهل أن يتعلم وباع الفقير آخرته بدنيا غيره فعليهم الثبور.
وقال عليه السلام: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينزل
___________________________________
(١) في بعض النسخ [ هم يعمره وهم يسفره ].
(٢) الكظم - بالضم والتحريك -: مخرج النفس.
والابهران: العرقان اللذان يخرجان من القلب.
والهامة: الجثة.
والمدى: الغاية والمنتهى.
وفى النهج [ هينا على الله فناؤه وعلى الاخوان القاؤه ] أى طرحه في قبره.
(٣) الملقى: الموضع.
(٤) " يقتات " في بعض النسخ [ بقيات ] وهو تصحيف من النساخ.
وفى النهج [ ويسمع فيها باذن المقت والابغاض ].
ولعله هو الصحيح.
(٥) تقشف الرجل في لباسه اذا لم يتعاهد النظافة.
(٦) سورة الضحى آية ١١.
(*)
[٢٢٣]
به مكروه أبدا، قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: العجلة واللجاجة والعجب والتواني.
وقال عليه السلام: اعلموا عباد الله أن التقوى حصن حصين والفجور حصن ذليل. لا يمنع أهله ولا يحرز من جأ إليه، ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا (١) وبالصبر على طاعة الله ينال ثواب الله. وباليقين تدرك الغاية القصوى.
عباد الله إن الله لم يحظر على أوليائه ما فيه نجاتهم (٢) إذ دلهم عليه ولم يقنطهم من رحمته لعصيانهم إياه إن تابوا إليه.
وقال الصمت حكم، والسكوت سلامة، والكتمان طرف من السعادة.
وقال عليه السلام: تذل الامور للمقدور حتى تصير الآفة في التدبير (٣).
وقال عليه السلام: لا تتم مروة الرجل حتى يتفقه [ في دينه ] ويقتصد في معيشته ويصبر على النائبة إذا نزلت به ويستعذب مرارة إخوانه.
وسئل عليه السلام ما المروة؟ فقال: لا تفعل شيئا في السر تستحيي منه في العلانية.
وقال عليه السلام: الاستغفار مع الاصرار ذنوب مجددة.
وقال عليه السلام: سكنوا في أنفسكم معرفة ما تعبدون حتى ينفعكم ما تحركون من الجوارح بعبادة من تعرفون.
وقال عليه السلام: المستأكل بدينه حظه من دينه ما يأكله.
وقال عليه السلام: الايمان قول مقبول (٤) وعمل معمول وعرفان بال‍ [ م‍ ] - عقول.
وقال عليه السلام: الايمان على أربعة أركان التوكل على الله والتفويض إلى الله والتسليم لامر الله والرضى بقضاء الله وأركان الكفر أربعة: الرغبة والرهبة والغضب والشهوة (٥).
وقال عليه السلام: من زهد في الدنيا ولم يجزع من ذلها ولم ينافس في عزها (٦)
___________________________________
(١) الحمه: السم.
وحمة البرد: شدته.
(٢) لم يحظر: لم يمنع.
وفى بعض النسخ [ ما فيه تجارتهم ] (٣) وفى النهج [ تذل الامور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير ].
وأيضا في موضع آخر منه [ يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الآفة في التدبير ].
والتقدير: القياس.
(٤) وفى بعض النسخ [ مقول ].
(٥) في الكافى ج ٢ ص ٤٧، ٢٨٩ بتقديم وتأخير.
(٦) نافس فلانا في الامر: فاخره وباراه فيه.
(*)
[٢٢٤]
هداه الله بغير هداية من مخلوق وعلمه بغير تعليم وأثبت الحكمة في صدره وأجراها على لسانه.
وقال عليه السلام: إن لله عبادا عاملوه بخالص من سره، فشكر لهم بخالص من شكره، فأولئك تمر صحفهم يوم القيامة فرغا، فإذا وقفوا بين يديه ملاها لهم من سر ما أسروا إليه.
وقال عليه السلام: ذللوا أخلاقكم بالمحاسن. وقودوها إلى المكارم. وعودوا أنفسكم الحلم واصبروا على الايثار على أنفسكم فيما تجمدون عنه ولا تداقوا الناس وزنا بوزن (٢). وعظموا أقداركم بالتغافل عن الدني من الامور. وأمسكوا رمق الضعيف (٣) بجاهكم وبالمعونة له إن عجزتم عما رجاه عندكم. ولا تكونوا باحثين عما غاب عنكم (٤) فيكثر غائبكم (٥). وتحفظوا من الكذب، فإنه من أدنى الاخلاق قدرا وهو نوع عن الفحش وضرب من الدناء‌ة. وتكرموا بالتعامي عن الاستقصاء - وروي بالتعامس من الاستقصاء - (٦).
وقال عليه السلام: كفى بالاجل حرزا. إنه ليس أحد من الناس إلا ومعه حفظة من الله يحفظونه أن لا يتردى في بئر ولا يقع عليه حائط ولا يصيبه سبع، فإذا جاء أجله خلوا بينه وبين أجله.
___________________________________
(١) فرغا أى خاليا فارغا.
(٢) أى لا تحاسبهم بالدقة في الامور ولا تستقصهم فيها.
(٣) في بعض النسخ [ من الضعيف ].
والجاه: القدر والشرف.
(٤) في بعض النسخ [ بحانين ].
(٥) في بعض النسخ [ فيكبر غائبكم ].
(٦) تعامى فلان: اظهر من نفسه العمى والمراد التغافل عنه.
والتعامس: التغافل.
(*)
[٢٢٥]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق