الاثنين، 21 سبتمبر 2015

ما روي عن الإمام زين العابدين (ع) - كتابه عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه


* (كتابه عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه (٤)) *
كفانا الله وإياك من الفتن ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها
___________________________________
(١) سورة الحديد آية ٢٠ - ٢١.
(٢) سورة الحشر آية ١٨ - ١٩.
(٣) سورة البلد آية ٨ - ١٠.
(٤) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب الزهرى على ما يظهر من كتب التراجم من المنحرفين عن أمير المؤمنين وأبنائه عليهم السلام كان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير وجده عبيد الله مع المشركين يوم بدر وهو لم يزل عاملا لبنى مروان ويتقلب في دنياهم، جعله هشام بن عبدالملك معلم أولاده وأمره أن يملى على أولاده أحاديث فأملى عليهم أربعمائة حديث.
وأنت خبير بأن الذى خدم بنى امية منذ خمسين سنة ما مبلغ علمه وماذا حديثه ومعلوم أن كل ما أملى من هذه الاحاديث هو ما يروق القوم ولا يكون فيه شئ من فضل على عليه السلام وولده ومن هنا أطراه علماؤهم ورفعوه فوق منزلته بحيث تعجب ابن حجر من كثرة ما نشره من العلم.
روى ابن ابى الحديد في شرح النهج على ما " بقية الحاشية في الصفحة الاتية " (*)
[٢٧٥]
أن يرحمك فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك وأطال من عمرك وقامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه وفقهك فيه من دينه وعرفك من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله، فرضي لك في كل نعمة أنعم بها عليك وفي كل حجة احتج بها عليك الفرض بما قضى. فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك وأبدى فيه فضله عليك (١) فقال " لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد (٢) ". فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها وعن حججه عليك كيف قضيتها ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير ولا راضيا منك بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال: " لتبيننه للناس ولا تكتمونه) (٣) " واعلم أن أدنى ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت وإجابتك له حين دعيت، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غدا مع الخونة، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا ولم ترد باطلا حين أدناك. وأحببت من حاد الله (٤) أو ليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على
___________________________________
" بقية الحاشية من الصفحة الماضية " حكاه صاحب تنقيح المقال (ره) - عن جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال: شهدت الزهرى و عروة بن الزبير في مسجد النبى صلى الله عليه وآله جالسين يذكران عليا عليه السلام ونالا منه فبلغ ذلك على بن الحسين عليه السلام فجاء حتى وقف عليهما فقال: أما أنت يا عروة فان أبى حاكم أباك إلى الله فحكم لابى على أبيك وأما أنت يا زهرى فلو كنت بمكة لاريتك كرامتك.
وفى رجال الشيخ الطوسى والعلامة وابن داود والتفرشى أنه عدو.
وفى المحكى عن السيد بن الطاووس في التحرير الطاووسى أن سفيان بن سعيد والزهرى عدوان متهمان.
وبالتأمل في رسالة الامام عليه السلام يعلم صدق ما قلناه.
(١) في بعض النسخ [ فرض لك في كل نعمة أنعم بها عليك وفى كل حجة احتج بها عليك الفرض فما قضى الا ابتلى شكرك ... الخ ].
(٢) سورة إبراهيم آية ٧.
(٣) سورة آل عمران آية ١٨٧.
(٤) في بعض النسخ [ وأجبت من حاد الله ].
(*)
[٢٧٦]
العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم. فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك. وما أيسر ما عمروا لك، فكيف ما خربوا عليك. فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك وحاسبها حساب رجل مسؤول. وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا. فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون سيغفر لنا (١) " إنك لست في دار مقام. أنت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه. طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يابؤس لمن يموت وتبقى ذنوبه من بعده. احذر فقد نبئت. بادر فقد اجلت. إنك تعامل من لا يجهل. وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل. تجهز فقد دنا منك سفر بعيد وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد. ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك (٢)، لكني أردت أن ينعش الله ما [ قد ] فات من رأيك ويرد إليك ما عزب من دينك (٣) وذكرت قول الله تعالى في كتابه: " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (٤) ". أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب (٥). أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه، أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه (٦) وعلمت شيئا جهلوه، بل حظيت (٧) بما حل من حالك في صدور العامة وكلفهم بك، إذ صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك. إن أحللت أحلوا وإن حرمت
___________________________________
(١) سورة الاعراف آية ١٦٨.
(٢) عنفه: لامه وعتب عليه ولم يرفق به. وينعش الله ما فات أى يجبر ويتدارك.
(٣) عزب - بالعين المهملة والزاى المعجمة -: بعد.
(٤) سورة الذاريات آية ٥٥.
(٥) الاعضب: المكسور القرن.
ولعل المراد: بقيت كاحد قرنى الاعضب.
والعضباء: الشاة المكسورة القرن.
(٦) في بعض النسخ [ أم هل ترى ذكرت خيرا علموه وعملت شيئا جهلوه ].
وفى بعضها [ أم هل تراه ذكرا خيرا عملوه وعملت شيئا جهلوه ].
(٧) من الحظوة: رجل حظى إذ كان ذا منزلة.
(*)
[٢٧٧]
حرموا وليس ذلك عندك ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك، ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم وحب الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة وما الناس فيه ن البلاء والفتنة، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم (١) إلى أن يبلغوا ن العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه وفي بلاء لا يقدر قدره. فالله لنا ولك وهو المستعان.
أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسما لهم (٢)، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا. فاذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنه، الجاهل في علمه المأفون في رأيه (٣)، المدخول في عقله. إنا لله وإنا إليه راجعون. على من المعول (٤)؟ وعند من المستعتب؟ نشكو إلى الله بثنا وما نرى فيك ونحتسب عند الله مصيبتنا بك. فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا، وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا، وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا. مالك لا تنتبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول. والله ما قمت لله مقاما واحد أحييت به له دينا أو أمت له فيه باطلا، فهذا شكرك من استحملك (٥). ما أخوفني أن تكون كمن قال الله تعالى في كتابه: " أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا (٦) " استحملك كتابه واستودعك علمه فأضعتها، فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به والسلام.
___________________________________
(١) تاقت: اشتاقت.
(٢) الاسمال: جمع سمل - بالتحريك -: الثوب الخلق البالى.
(٣) المأفون: الذى ضعف رأيه.
والمدخول في عقله: الذى دخل في عقله الفساد.
(٤) المعول: المعتمد والمستغاث.
واستعتبه: استرضاه.
والبث: الحال، الشتات، أشد الحزن.
(٥) استحملك: سألك أن يحمل.
وفى بعض النسخ [ من استعملك ].
أى سألك أن يعمل.
(٦) سورة مريم آية ٥٩.
(*)
[٢٧٨ ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق