الاثنين، 21 سبتمبر 2015

ما روي عن الإمام زين العابدين (ع) - وروى عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني


وروى عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني
قال عليه السلام: الرضى بمكروه والقضاء أرفع درجات اليقين.
وقال عليه السلام: من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا.
وقيل له: من أعظم الناس خطرا (١)؟ فقال عليه السلام: من لم ير الدنيا خطرا لنفسه.
وقال بحضرته رجل: اللهم أغننى عن خلقك (٢).
فقال عليه السلام: ليس هكذا: إنما الناس بالناس ولكن قل: اللهم أغنني عن شرار خلقك.
وقال عليه السلام: من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس (٣).
وقال عليه السلام: لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل.
وقال عليه السلام: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير (٤).
وقال عليه السلام: كفى بنصر الله لك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك.
وقال عليه السلام: الخير كله صيانة الانسان نفسه.
وقال عليه السلام لبعض بنيه: يا بني إن الله رضيني لك ولم يرضك لي، فأوصاك بي ولم يوصني بك، عليك بالبر تحفة يسيرة.
وقال له رجل: ما الزهد؟ فقال عليه السلام: الزهد عشرة أجزاء (٥): فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضى.
وإن الزهد في آية من كتاب الله: " لكى لا تأسوا على ما فاتكم
___________________________________
(١) الخطر - بالتحريك -: الخطير أى ذو قدر ومقام.
(٢) في بعض النسخ [ من خلقك ].
(٣) في بعض النسخ [ كان ] موضع " فهو ".
(٣) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ٣٣٨ وفيه بعد قوله: " على الكبير ": " أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقا وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذابا ".
(٥) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ١٢٩ باسناده عن هاشم بن بريد عن أبيه أن رجلا سأل على بن الحسين عليه السلام عن الزهد فقال: عشرة أشياء ..حديث.
وفى ص ٦٢: عنه عليه السلام أيضا وفيه عشرة أجزاء وهكذا رواه الصدوق في الخصال.
(*)
[٢٧٩ ]
ولا تفرحوا بما آتيكم (١) ".
وقال عليه السلام: طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر. وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر.
وقال عليه السلام: إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملا. وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة. وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله. وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا. وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله (٢). وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله.
وقال عليه السلام لبعض بنيه: يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقال: يا أبة من هم (٣)؟ قال عليه السلام: إياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب.
وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك باكلة (٤) أو أقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.
وإياك ومصاحبة الاحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.
وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه. فإني وجدته ملعونا في كتاب الله (٥).
وقال عليه السلام: إن المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه (٦).
___________________________________
(١) سورة الحديد آية ٢٣.
(٢) وكذا في الكافى والفقيه.
وفى بعض النسخ [ أسعاكم على عياله ].
(٣) في الكافى ج ٢ ص ٦٤١ [ يا أبة من هم عرفنيهم ].
(٤) الاكلة - بضم الهمزة - اللقمة.
(٥) رواه الكلينى (ره) في الكافى ج ٢ ص ٦٤١ وفيه [ فانى وجدته ملعونا في كتاب الله عزوجل في ثلاثة مواضع: قال الله عزوجل: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فاصمهم وأعمى أبصارهم،.
وقال عزوجل: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ".
وقال في البقرة: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون " ].
(٦) رواه الصدوق (ره) في الخصال والكلينى (ره) في الكافى ج ٢ ص ٢٤٠ وفيهما [ إن المعرفة بكمال دين المسلم ].
(*)
[٢٨٠]
وقال عليه السلام: ابن آدم ! إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعارا، والحذر لك دثارا (١).
ابن آدم ! إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل، فأعد له جوابا (٢).
وقال عليه السلام: لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع. ولا كرم إلا بتقوى. ولا عمل إلا بنية.
ولا عبادة إلا بالتفقه (٣).
ألا وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله.
وقال عليه السلام: المؤمن من دعائه على ثلاث: إما أن يدخر له وإما أن يعجل له وإما أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه.
وقال عليه السلام: إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر ولا يأتي، إذا قام إلى الصلاة اعترض (٤) وإذا ركع ربض وإذا سجد نقر، يمسي وهمه العشاء ولم يصم (٥) ويصبح وهمه النوم ولم يسهر والمؤمن خلط عمله بحلمه، يجلس ليعلم (٦) وينصت ليسلم لا يحدث بالامانة الاصدقاء ولا يكتم الشهادة للبعداء ولا يعمل شيئا من الحق رئاء ولا يتركه حياء، إن زكي خاف مما يقولون ويستغفر الله لما لا يعلمون ولا يضره جهل من جهله.
ورأى عليه السلام عليلا قد برئ فقال عليه السلام له: يهنؤك الطهور من الذنوب إن الله قد ذكرك فاذكره وأقالك فاشكره.
___________________________________
(١) رواه المفيد (ره) في أماليه وفيه [ والحزن دثارا ]. وهكذا في أمالى الشيخ.
(٢) في الامالى [ ابن آدم إنك ميت ومبعوث بين يدى الله .. الخ ].
(٣) رواه الصدوق (ره) في الخصال وفيه [ الا بتفقه ].
(٤) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ٣٩٦ عن ابى حمزة عنه عليه السلام وفيه [ يأمر بما لا يأتى وإذا قام إلى الصلاة اعترض، قلت: يا ابن رسول وما الاعتراض؟ قال: الالتفات.
واذا ركع ربض الخ ].
والربوض استقرار الغنم وشبهه على الارض وكأن المراد انه يسقط نفسه على الارض من قبل أن يرفع رأسه من الركوع كاسقاط الغنم عند ربوضه، والنقر التقاط الطائر الحب بمنقاره.
أى خفف السجود. ورواه الصدوق رحمه الله في الامالى مجلس ٧٤ بتقديم وتأخير مع زيادة.
(٥) العشاء - بالفتح: الطعام الذى يتعشى به.
(٦) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ٢٣١ وفيه [ يصمت ليسلم ] وينطق ليغنم، لا يحدث أمانته الاصدقاء ولا يكتم شهادته من البعداء - إلى أن قال -: لا يغره قوله من جهله ويخاف احصاء ما عمله ].
(*)
[٢٨١]
وقال عليه السلام: خمس لو رحلتم فيهن لانضيتموهن (١) وما قدرتم على مثلهن: لا يخاف عبد إلا ذنبه . ولا يرجوا إلا ربه .. ولا يستحيي الجاهل إذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم .. والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد. ولا إيمان لمن لا صبر له.
وقال عليه السلام: يقول الله: يا ابن آدم ارض بما آتيتك تكن من أزهد الناس.
ابن آدم ! إعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس.
ابن آدم ! اجتنب [ م‍ ] ما حرمت عليك تكن من أورع الناس.
وقال عليه السلام كم من مفتون بحسن القول فيه. وكم من مغرور بحسن الستر عليه. وكم من مستدرج بالاحسان إليه.
وقال عليه السلام: يا سوأتاه لمن غلبت إحداته عشراته - يريد أن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة - وقال عليه السلام: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة . وإن الآخره قد ترحلت مقبلة و لكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، لان الزاهدين اتخذوا أرض الله بساطا والتراب فراشا والمدر وسادا والماء طيبا، وقرضوا المعاش من الدنيا تقريضا. اعلموا أنه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات وسلا عن الشهوات(٢)
ومن اشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه وراجع عن المحارم. ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها. وإن لله عزوجل لعبادا قلوبهم معلقة بالآخرة وثوابها وهم كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين منعمين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، فأولئك شرورهم وبوائقهم عن الناس مأمونة وذلك أن قلوبهم عن الناس مشغولة بخوف الله، فطرفهم عن الحرام مغضوض وحوائجهم إلى الناس خفيفة، قبلوا اليسير من الله في
___________________________________
(١) أنضت الدابة: هزلتها الاسفار.
والظاهر أن الضمير راجع إلى المطية التى تفهم من فحوى الكلام وقد مضى هذا الكلام أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام وفى بعض النسخ [ لو دخلتم فيهن لابعتموهن ].
ورواه الصدوق في الخصال عن امير المؤمنين عليه السلام وليست فيه " لانضيتموهن ".
(٢) سلا عن الشئ: نسيه وهجره.
واشفق: خاف وحذر.
ورواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ١٣٢ بادنى تفاوت.
(*)
[٢٨٢]
المعاش وهو القوت، فصبروا أياما قصارا لطول الحسرة يوم القيامة.
وقال له رجل: إني لاحبك في الله حبا شديدا.
فنكس عليه السلام رأسه (١) ثم قال: اللهم إني أعوذ بك أن احب فيك وأنت لي مبغض.
ثم قال له: احبك للذي تحبني فيه.
وقال عليه السلام: إن الله ليبغض البخيل السائل الملحف.
وقال عليه السلام: رب مغرور مفتون يصبح لاهيا ضاحكا، يأكل ويشرب وهو لا يدري لعله قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم (٢).
وقال عليه السلام: إن من أخلاق المؤمن الانفاق عليه قدر الاقتار (٣). والتوسع على قدر التوسع.
وإنصاف الناس من نفسه وابتداء‌ه إياهم بالسلام.
وقال عليه السلام: ثلاث منجيات للمؤمن: كف لسانه عن الناس واغتيابهم. وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه وطول البكاء على خطيئته.
وقال عليه السلام: نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له عبادة.
وقال عليه السلام: ثلاث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله (٤) وأظله الله يوم القيامة في ظل عرشه وآمنه من فزع اليوم الاكبر: من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه. ورجل لم يقدم يدا ولا رجلا حتى يعلم أنه في طاعة الله قدمها أو في معصيته. ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه. وكفى بالمرء شغلا بعيبه لنفسه عن عيوب الناس.
وقال عليه السلام: ما من شئ أحب إلى الله بعد معرفته من عفة بطنوفرج.
وما [ من ] شئ أحب إلى الله من أن يسأل.
وقال لابنه محمد عليهما السلام: افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله. وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره (٥).
___________________________________
(١) ونكس رأسه: طأطأه وخفضه.
(٢) في بعض النسخ [ يصله بها في نار جهنم ].
(٣) الاقتار: القلة والتضييق في الرزق.
(٤) كنف الله - بالتحريك -: ظله وحضنه.
(٥) رواه الكلينى في الروضة وفيه [ وإن لم يكن أهله كنت أنت أهله ].
(*)
[٢٨٣]
وقال عليه السلام: مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح (١). وآداب العلماء زيادة في العقل. وطاعة ولاة الامر تمام العز واستنماء المال تمام المروة (٢). وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة وكف الاذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلا وآجلا (٣).
وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا قرأ هذه الآية: " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها (٤) " يقول عليه السلام: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنه لا يدركه، فشكر عزوجل معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته وجعل معرفتهم بالتقصير شكرا، كما جعل علم العالمين أنهم لا يدركونه إيمانا، علما منه أنه قد [ ر ] وسع العباد فلا يجاوزن ذلك.
وقال عليه السلام: سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمدا. سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا.
___________________________________
(١) في الكافى [ مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح ]. ويناسبها " إدآب العلماء " لا " آداب ".
(٢) في الكافى [ طاعة ولاة العدل تمام العز واستثمار المال تمام المروء‌ة ].
(٣) في كلامه عليه السلام ترغيب إلى المعاشرة مع الناس والمؤانسة بهم واستفادة كل فضيلة من أهلها وزجر عن الاعتزال والانقطاع اللذين هما منبت النفاق ومغرس الوسواس والحرمان عن المشرب الاتم المحمدى والمقام المحمود. والموجب لترك كثير من الفضائل والخيرات وفوت السنن الشرعية وآداب الجمعة والجماعات وانسداد أبواب مكارم الاخلاق. (الوافى).
(٤) سورة ابراهيم آية ٣٧. أى لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا من أفرادها فانها غير متناهية .. (البيضاوى).

ما روي عن الإمام زين العابدين (ع) - كتابه عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه


* (كتابه عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه (٤)) *
كفانا الله وإياك من الفتن ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها
___________________________________
(١) سورة الحديد آية ٢٠ - ٢١.
(٢) سورة الحشر آية ١٨ - ١٩.
(٣) سورة البلد آية ٨ - ١٠.
(٤) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب الزهرى على ما يظهر من كتب التراجم من المنحرفين عن أمير المؤمنين وأبنائه عليهم السلام كان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير وجده عبيد الله مع المشركين يوم بدر وهو لم يزل عاملا لبنى مروان ويتقلب في دنياهم، جعله هشام بن عبدالملك معلم أولاده وأمره أن يملى على أولاده أحاديث فأملى عليهم أربعمائة حديث.
وأنت خبير بأن الذى خدم بنى امية منذ خمسين سنة ما مبلغ علمه وماذا حديثه ومعلوم أن كل ما أملى من هذه الاحاديث هو ما يروق القوم ولا يكون فيه شئ من فضل على عليه السلام وولده ومن هنا أطراه علماؤهم ورفعوه فوق منزلته بحيث تعجب ابن حجر من كثرة ما نشره من العلم.
روى ابن ابى الحديد في شرح النهج على ما " بقية الحاشية في الصفحة الاتية " (*)
[٢٧٥]
أن يرحمك فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك وأطال من عمرك وقامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه وفقهك فيه من دينه وعرفك من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله، فرضي لك في كل نعمة أنعم بها عليك وفي كل حجة احتج بها عليك الفرض بما قضى. فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك وأبدى فيه فضله عليك (١) فقال " لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد (٢) ". فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها وعن حججه عليك كيف قضيتها ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير ولا راضيا منك بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال: " لتبيننه للناس ولا تكتمونه) (٣) " واعلم أن أدنى ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت وإجابتك له حين دعيت، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غدا مع الخونة، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا ولم ترد باطلا حين أدناك. وأحببت من حاد الله (٤) أو ليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على
___________________________________
" بقية الحاشية من الصفحة الماضية " حكاه صاحب تنقيح المقال (ره) - عن جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال: شهدت الزهرى و عروة بن الزبير في مسجد النبى صلى الله عليه وآله جالسين يذكران عليا عليه السلام ونالا منه فبلغ ذلك على بن الحسين عليه السلام فجاء حتى وقف عليهما فقال: أما أنت يا عروة فان أبى حاكم أباك إلى الله فحكم لابى على أبيك وأما أنت يا زهرى فلو كنت بمكة لاريتك كرامتك.
وفى رجال الشيخ الطوسى والعلامة وابن داود والتفرشى أنه عدو.
وفى المحكى عن السيد بن الطاووس في التحرير الطاووسى أن سفيان بن سعيد والزهرى عدوان متهمان.
وبالتأمل في رسالة الامام عليه السلام يعلم صدق ما قلناه.
(١) في بعض النسخ [ فرض لك في كل نعمة أنعم بها عليك وفى كل حجة احتج بها عليك الفرض فما قضى الا ابتلى شكرك ... الخ ].
(٢) سورة إبراهيم آية ٧.
(٣) سورة آل عمران آية ١٨٧.
(٤) في بعض النسخ [ وأجبت من حاد الله ].
(*)
[٢٧٦]
العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم. فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك. وما أيسر ما عمروا لك، فكيف ما خربوا عليك. فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك وحاسبها حساب رجل مسؤول. وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا. فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون سيغفر لنا (١) " إنك لست في دار مقام. أنت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه. طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يابؤس لمن يموت وتبقى ذنوبه من بعده. احذر فقد نبئت. بادر فقد اجلت. إنك تعامل من لا يجهل. وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل. تجهز فقد دنا منك سفر بعيد وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد. ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك (٢)، لكني أردت أن ينعش الله ما [ قد ] فات من رأيك ويرد إليك ما عزب من دينك (٣) وذكرت قول الله تعالى في كتابه: " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (٤) ". أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب (٥). أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه، أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه (٦) وعلمت شيئا جهلوه، بل حظيت (٧) بما حل من حالك في صدور العامة وكلفهم بك، إذ صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك. إن أحللت أحلوا وإن حرمت
___________________________________
(١) سورة الاعراف آية ١٦٨.
(٢) عنفه: لامه وعتب عليه ولم يرفق به. وينعش الله ما فات أى يجبر ويتدارك.
(٣) عزب - بالعين المهملة والزاى المعجمة -: بعد.
(٤) سورة الذاريات آية ٥٥.
(٥) الاعضب: المكسور القرن.
ولعل المراد: بقيت كاحد قرنى الاعضب.
والعضباء: الشاة المكسورة القرن.
(٦) في بعض النسخ [ أم هل ترى ذكرت خيرا علموه وعملت شيئا جهلوه ].
وفى بعضها [ أم هل تراه ذكرا خيرا عملوه وعملت شيئا جهلوه ].
(٧) من الحظوة: رجل حظى إذ كان ذا منزلة.
(*)
[٢٧٧]
حرموا وليس ذلك عندك ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك، ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم وحب الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة وما الناس فيه ن البلاء والفتنة، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم (١) إلى أن يبلغوا ن العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه وفي بلاء لا يقدر قدره. فالله لنا ولك وهو المستعان.
أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسما لهم (٢)، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا. فاذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنه، الجاهل في علمه المأفون في رأيه (٣)، المدخول في عقله. إنا لله وإنا إليه راجعون. على من المعول (٤)؟ وعند من المستعتب؟ نشكو إلى الله بثنا وما نرى فيك ونحتسب عند الله مصيبتنا بك. فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا، وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا، وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا. مالك لا تنتبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول. والله ما قمت لله مقاما واحد أحييت به له دينا أو أمت له فيه باطلا، فهذا شكرك من استحملك (٥). ما أخوفني أن تكون كمن قال الله تعالى في كتابه: " أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا (٦) " استحملك كتابه واستودعك علمه فأضعتها، فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به والسلام.
___________________________________
(١) تاقت: اشتاقت.
(٢) الاسمال: جمع سمل - بالتحريك -: الثوب الخلق البالى.
(٣) المأفون: الذى ضعف رأيه.
والمدخول في عقله: الذى دخل في عقله الفساد.
(٤) المعول: المعتمد والمستغاث.
واستعتبه: استرضاه.
والبث: الحال، الشتات، أشد الحزن.
(٥) استحملك: سألك أن يحمل.
وفى بعض النسخ [ من استعملك ].
أى سألك أن يعمل.
(٦) سورة مريم آية ٥٩.
(*)
[٢٧٨ ]

ما روي عن الإمام زين العابدين (ع) - ومن كلامه عليه السلام في الزهد


ومن كلامه عليه السلام في الزهد
إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة تركهم كل خليط وخليل ورفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدون. ألا وإن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا، الآخذ للموت أهبته(٢)، الحاث على العمل قبل فناء الاجل ونزول ما لابد من لقائه. وتقديم الحذر قبل الحين (٣) فإن الله عزوجل يقول: " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت (٤) " فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا، النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته. واعلموا عباد اله ! أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد. وامتنع من الرقاد (٥). وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا فكيف ويحك يا ابن آدم من خوف بيات سلطان رب العزة وأخذه الاليم وبياته لاهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا (٦) بالليل والنهار فذلك البيات الذي ليس
___________________________________
(١) فيهما [ وحق أهل الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله تعالى منهم ولا تظلمهم ما وفوا الله عزوجل بعهده ].
(٢) الاهبة: العدة.
(٣) الحين - بالفتح -: الهلاك.
(٤) المؤمنون آية ١٠٠.
(٥) البيات: الهجوم على عداء ليلا. وتجافى: تنحى.
والوسادة - بالتثليث: المخدة والمتكاء.
(٦) المنايا: جمع المنية اى الموت. وطوارق المنية: دواهى الموت.
(*)
[٢٧٣]
منه منجى ولا دونه ملتجأ ولا منه مهرب. فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى، فإن الله يقول: " ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد (١) ". فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها وتذكروا ضرر عاقبة الميل إليها، فإن زينتها فتنه وحبها خطيئة. واعلم ويحك يا ابن آدم أن قسوة البطنة (٢) وكظة الملاة وسكر الشبع وغرة الملك مما يثبط ويبطئ عن العمل وينسي الذكر ويلهي عن اقتراب الاجل حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب (٣) وأن العاقل عن الله، الخائف منه، العامل له ليمرن نفسه ويعودها الجوع حتى ما تشتاق إلى الشبع وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان (٤). فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمل ثوابه وخائف عقابه فقد لله أنتم أعذر وأندر وشوق وخوف فلا أنتم إلى ما شوقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون ولا أنتم مما خوفكم به من شديد عقابه وأليم عذابه ترهبون فتنكلون (٥) وقد نبأكم الله في كتابه أنه: " من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون (٦) ". ثم ضرب لكم الامثال في كتابه وصرف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم (٧) " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا، فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله. وما أعلم إلا كثيرا منكم قد نهكته (٨) عواقب المعاصي فما حذرها وأضرت بدينه فما مقتها. أما تسمعون النداء
___________________________________
(١) سورة ابراهيم آية ١٤.
(٢) البطنة - بالكسر -: الامتلاء الشديد من الاكل.
وفى جل النسخ [ نشوة البطنة وفترة الميلة ] والميلة: الرغبة.
والغرة يمكن أن تقرأ العزة.
وكظة الملاة أى ما يعترى الانسان من الامتلاء.
(٣) الخبل - بالتحريك -: إصابة الجنون وفساد في العقل.
(٤) تضمير الفرس أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده عن القوت وذلك في اربعين يوما.
(٥) تنكلون: تنكصون وتخافون.
(٦) سورة الانبياء آية ٩٤.
(٧) سورة التغابن آية ١٥.
(٨) نهكه: بالغ في عقوبته.
ونهك العمى فلانا: هزلته وأضنته.
وفى بعض النسخ [ لقد هلكته ].
(*)
[٢٧٤]
من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال: " اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله رضوان وما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (١) " وقال: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون(٢) " فاتقوا الله عباد الله وتفكروا واعملوا لما خلقتم له فإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى، قد عرفكم نفسه وبعث إليكم رسوله وأنزل عليكم كتابه، فيه حلاله وحرامه وحججه وأمثاله فاتقوا الله فقد احتج عليكم ربكم فقال: " ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين (٣) " فهذه حجة عليكم فاتقوا الله ما استطعتم فإنه لا قوة إلا بالله ولا تكلان إلا عليه وصلى الله على محمد [ نبيه ] وآله.

ما روي عن الإمام زين العابدين (ع) - رسالته عليه السلام المعروفة برسالة الحقوق


رسالته عليه السلام المعروفة برسالة الحقوق (١)
اعلم رحمك الله أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها وآلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض.
وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ومنه تفرع.
ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل لبصرك عليك حقا ولسمعك عليك حقا وللسانك عليك حقا وليدك عليك حقا ولرجلك عليك حقا ولبطنك عليك حقا ولفرجك عليك حقا، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الافعال. ثم جعل عزوجل لافعالك عليك حقوقا، فجعل لصلاتك عليك حقا ولصومك عليك حقا ولصدقتك عليك حقا ولهديك عليك حقا ولافعالك عليك حقا ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، وأوجبها عليك حقوق أئمتك ثم حقوق رعيتك ثم حقوق رحمك، فهذه حقوق يتشعب منها حقوق فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان ثم سائسك بالعلم، ثم حق سائسك بالملك وكل سائس
___________________________________
(١) رواها الصدوق في الخصال مع اختلاف وفى الفقيه أيضا عن أبى حمزة الثمالى قال: هذه رسالة على بن الحسين عليهما السلام إلى بعض أصحابه ونقله المحدث النورى رحمه الله في المستدرك ج ٢ ص ٢٧٤ عن التحف قائلا بعده: قلت: قال السيد على بن طاووس في فلاح السائل: وروينا باسنادنا في كتاب الرسائل عن محمد بن يعقوب الكينى باسناده إلى مولانا زين العابدين عليه السلام أنه قال: فاما حقوق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة ... وساق مثل ما مر عن تحف العقول ومنه يعلم أن هذا الخبر الشريف المعروف بحديث الحقوق مروى في رسائل الكلينى على النحو المروى في التحف لا على النحو الموجود في الفقيه والخصال والظاهر لكل من له انس بالاحاديث أن المروى في الفقيه و الخصال مختصر مما في التحف واحتمال التعدد في غاية البعد ويؤيد الاتحاد أن النجاشى قال في ترجمة أبى حمزة: وله رسالة الحقوق عن على بن الحسين عليهما السلام أخبرنا أحمد بن على قال حدثنا الحسن بن حمزة قال: حدثنا على بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن الفضيل عن أبى حمزة عن على بن الحسين عليهما السلام وهذا السند أعلى وأصح من طريق الصدوق (ره) في الخصال إلى آخر ما قاله رحمه الله وقد أشرنا إلى بعض موارد الاختلاف في الهامش.
(*)
[٢٥٦]
إمام (١) وحقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان، ثم حق رعيتك بالعلم فإن الجاهل رعية العالم وحق رعيتك بالملك من الازواج وما ملكت من الايمان (٢). وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة. فأوجبها عليك حق امك، ثم حق أبيك ثم حق ولدك، ثم حقد أخيك ثم الاقرب فالاقرب والاول فالاول، ثم حق مولاك المنعم عليك، ثم حق مولاك الجارية نعمتك عليه، ثم حق ذي المعروف لديك، ثم حث مؤذنك بالصلاة، ثم حق إمامك في صلاتك، ثم حق جليسك ثم حق جارك، ثم حق صاحبك، ثم حق شريكك، ثم حق مالك، ثم حق غريمك الذي تطالبه، ثم حق غريمك الذي يطالبك، ثم حق خليطك، ثم حق خصمك المدعي عليك ثم حق خصمك الذي تدعي عليه، ثم حق مستشيرك، ثم حق المشير عليك، ثم حق مستنصحك، ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر منك، ثم حق من هو أصغر منك، ثم حق سائلك، ثم حق من سألته، ثم حق من جرى لك على يديه مساء‌ة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد منه، ثم حق أهل ملتك عامة، ثم حق أهل الذمة (٣)، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الاحوال وتصرف الاسباب، فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده.
١ - فأما حق الله الاكبر فإنك تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منها (٤).
٢ - وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقه وإلى فرجك حقه وتستعين بالله على ذلك.
٣ - وأما حق اللسان فإكرامه عن الخنى (٥) وتعويده على الخير وحمله على الادب
___________________________________
(١) السائس: القائم بأمر والمدبر له.
(٢) في الخصال بدون " من ".
(٣) في الخصال والفقيه [ ثم حق أهل ملتك عليك، ثم حق أهل ذمتك ].
(٤) كذا والظاهر " منهما ".
(٥) الخنى: الفحش من الكلام.
(*)
[٢٥٧]
وإجمامه (١) إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها. ويعد شاهد العقل والدليل عليه وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
٤ - وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ولا قوة إلا بالله (٢).
٥ - وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما، فإن البصر باب الاعتبار (٣).
٦ - وأما حق رجليك فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين والسبق لك ولا قوة إلا بالله (٤).
٧ - وأما حق يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل (٥) ولا تقبضها مما افترض الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما يحل لها وبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب في الآجل (٦).
___________________________________
(١) في بعض النسخ [ اجماعه ]. وفى بعضها [ حله بالاداب واجمامه ].
وفى الخصال ومن لا يحضره الفقيه بعد قوله: " وتعويده الخير " هكذا [ وترك فضول التى لا فائدة فيها والبر بالناس وحسن القول فيهم ]. انتهى.
(٢) فيهما [ تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه ].
(٣) في بعض النسخ [ تعتقد بها علما ]. وفيهما [ أن تغضه عما لا يحل لك وتعتبر بالنظرية ].
(٤) فيهما [ ان لا تمشى بهما إلى ما لا يحل لك، فبهما تقف على الصراط فانظر أن لا تزل بك فتردى في النار ].
(٥) أى عذاب الدنيا والاخرة أما الدنيا فلسان اللائمة من الناس وأما الاخرة فعقوبة الله.
(٦) فيهما [ أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك ].
(*)
[٢٥٨ ]
٨ - وأما حق بطنك فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير وأن تقتصد له في الحلال ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروة وضبطه إذا هم بالجوع والظمأ (١) فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم.
وإن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروة (٢).
٩ - وأما حق فرجك فحفظه مما لا يحل لك والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الاعوان، وكثرة ذكر الموت والتهدد لنفسك بالله والتخويف لها به. وبالله العصمة والتأييد ولا حول ولا قوة إلا ه (٣).
*
(ثم حقوق الافعال) *
١٠ - فأما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى الله وأنك قائم بها بين يدي الله فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب الخائف، الراجي المسكين المتضرع المعظم من قام بين يديه بالسكون والاطراق (٤) و خشوع الاطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ولا قوة إلا بالله (٥).
١١ - وأما حق الصوم فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك و بصرك وفرجك وبطنك ليسترك به من النار (٦) وهكذا جاء في الحديث " الصوم جنة من النار "
___________________________________
(١) التهوين: الاستخفاف.
يقال: هون الشئ: استخف به.
(٢) المجهلة ما يحملك على الجهل.
وفيهما [ أن لا تجعله وعاء للحرام ولا تزيد على الشبع ].
(٣) لعل المراد أن حفظ الفرج مما لا يحل يكون بكثرة ذكر الموت وتهديد النفس وتخويفها.
وفيهما [ وحق فرجك أن تحصنه عن الزنا وتحفظه من أن ينظر إليه ].
(٤) فيهما [ المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها]. نتهى.
أطرق الرجل: أرخى عينيه فينظر إلى الارض. وفى بعض النسخ [ مع الاطراق ].
(٥) ليس في الكتاب هنا ذكر حق الحج وفيهما [ وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك وفرار من ذنوبك وبه قبول توبتك وقضاء الفرض الذى أوجبه الله عليك ].
(٦) فيهما بعد قوله: " من النار ": [ فان تركت الصوم خرقت ستر الله عليك ]. انتهى.
(*)
[٢٥٩]
فإن سكنت أطرافك في حجبتها (١) رجوت أن تكون محجوبا. وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه ولا قوة إلا بالله.
١٢ - وأما حق الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد (٢) فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته، وكان الامر بينك وبينه فيها سرا على كل حال ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها [ب‍] إشهاد الاسماع والابصار عليه بها كأنها أوثق في نفسك لا كأنك (٣) لا تثق به في تأدية وديعتك إليك. ثم لم تمتن بها على أحد لانها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين (٤) حالك منها إلى من مننت بها عليه لان في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد ولا قوة إلا بالله (٥).
١٣ - وأما حق الهدي فأن تخلص بها الارادة إلى ربك والتعرض لرحمته وقبوله ولا تريد عيون الناظرين دونه، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا وكنت إنما تقصد إلى الله.
واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن (٦) لان الكلفة والمؤونة في المتدهقنين.
فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ولا مؤونة عليهما
___________________________________
(١) الحجبة - بالتحريك -: جمع حاجب.
(٢) لا يحتاج يوم القيامة إلى الاشهاد لما ورد في الخبر من " أن الصدقة أول ما تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد السائل ".
(٣) في بعض النسخ وكأنك.
(٤) التهجين: التقبيح والتحقير.
(٥) فيهما [ فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التى لا تحتاج إلى الاشهاد عليها وكنت لما تستودعه سرا أوثق منك بما استودعه علانية وتعلم أنها تدفع عنك البلايا والاسقام في الدنيا وتدفع عنك النار في الاخرة ].
(٦) تدهقن أى صار دهقانا وهو رئيس القرية وزعيم الفلاحين والمراد به ضد التمسكن والتذلل وتمسكن بمعنى خضع وأخبت.
(*)
[٢٦٠]
لانهما الخلقة وهما موجودان في الطبيعة ولا قوة إلا بالله (١).
*
(ثم حقوق الائمة) *
١٤ - فأما حق سائسك بالسلطان فأن تعلم أنك جعلت له فتنة وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان وأن تخلص له في النصيحة وأن لا تماحكه (٢) وقد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه. وتذلل وتلطف لاعطائه من الرضى ما يكفه عنك ولا يضر بدينك وتستعين عليه في ذلك بالله. ولا تعازه (٣) ولا تعانده، فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك (٤) فعرضتها لمكروهه وعرضته للهلكة فيك وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك وشريكا له فيما أتى إليك (٥) ولا قوة إلا بالله (٦).
١٥ - وأما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك وتحضره فهمك وتزكي له [ قلبك ] وتجلي له بصرك بترك اللذات ونقص الشهوات وأن تعلم أنك فيما ألقى [ إليك ] رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها ولا حول ولا قوة إلا بالله (٧).
___________________________________
(١) فيهما [ أن تريد به الله عزوجل ولا تريد به خلقه ولا تريد به الا التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه ].
(٢) لا تماحكه: لا تخاصمه ولا تنازعه.
(٣) لا تعازه: لا تعارضه في العزة.
(٤) عققت: عصيت وآذيت.
(٥) في بعض النسخ [ فيما يأتى إليك من سوء ].
(٦) فيهما [ وحق السلطان أن تعلم - إلى قوله -: من السلطان.
وبعده: وأن عليك أن لا تعرض لسخطه فتلقى بيديك إلى التهلكة وتكون شريكا له فيما يأتى إليك من سوء] . انتهى.
(٧) فيهما بعد قوله " والاقبال عليه ": [ وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذى يجيب ولا تحدث في مجلسه أحدا ولا تغتاب عنده أحدا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادى له وليا وإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بانك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس ].
(*)
[٢٦١]
١٦ - وأما حق سائسك بالملك فنحو من سائسك بالسلطان إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك تلزمك طاعته فما دق وجل منك إلا أن تخرجك من وجوب حق الله، ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق، فإذا قضيته رجعت إلى حقه (١) فتشاغلت به ولا قوة إلا بالله (٢).
*
(ثم حقوق الرعية) *
١٧ - فأما حقوق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم، فما أولى من كفاكه ضعفه وذله حتى صيره لك رعية وصير حكمك عليه نافذا، لا يمتنع منك بعزة ولا قوة ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا [ بالله ] بالرحمة والحياطة والاناة (٣) وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها أن تكون لله شاكرا ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ولا قوة إلا بالله (٤).
١٨ - وأما حق رعيتك بالعلم، فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم (٥) فيما آتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة، فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الاموال التي في يديه كنت راشدا وكنت لذلك آملا معتقدا (٦) وإلا كنت
___________________________________
(١) أى إذا قضيت حق الله فارجع إلى أداء حق مالكك.
(٢) فيهما [ فاما حق سائسك بالملك فان تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله عزوجل فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ].
(٣) الحياطة: الحفاظة والحماية والصيانة.
والاناة - كقناة - الوقار والحلم وأصله الانتظار.
(٤) فيهما [ فان تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم وتغفر لهم جهلهم ولا تعاجلهم بالعقوبة وتشكر الله عزوجل على ما أولاك وعلى ما آتاك من القوة عليهم ].
(٥) أى جعلك لهم خازنا أو قيما ولعله سقط من قلم النساخ.
(٦) الامل: خادم الرجل وعونه الذي يأمله.
(*)
[٢٦٢]
له خائنا ولخلقه ظالما ولسلبه وعزه متعرضا (١).
١٩ - وأما حق رعيتك بملك النكاح، فأن تعلم أن الله جعلها سكنا ومستراحا وانسا وواقية وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه. ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة. وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابد من قضائها وذلك عظيم ولا قوة إلا بالله (٢).
٢٠ - وأما حق رعيتك بملك اليمين فأن تعلم أنه خلق ربك، ولحمك ودمك (٣) وأنك تملكه لا أنت صنعته دون الله ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ولا أجريت له رزقا ولكن الله كفاك ذلك. ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه وتسير فيه. فتطعمه مما تأكل وتلبسه مما تلبس ولا تكلفه ما لا يطيق، فإن كرهت‍ [ ه ] خرجت إلى الله منه واستبدلت به. ولم تعذب خلق الله ولا قوة إلا بالله (٤).
___________________________________
(١) فيهما [ حق رعيتك بالعلم فان تعلم أن الله عزوجل انما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم وفتح لك من خزائنه فان أحسنت في تعلم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله عزوجل أن يسلبك العلم و بهاء‌ه ويسقطت من القلوب محلك ].
(٢) فيهما [ وحق الزوجة أن تعلم أن الله عزوجل جعلها لك سكنا وانسا وتعلم أن ذلك نعمة من الله تعالى عليك فتكرمها وترفق بها وإن كان حقك عليها أوجب فان لها عليك ان ترحمها لانها أسيرك وتطعمها وتكسوها فأذا جهلت عفوت عنا ].
(٣) معطوفين على الخلق أى وتعلم أنه لحمك ودمك وفى بعض [ النسخ لم تملكه لانك صنعته ].
(٤) فيهما [ وأما حق مملوكك فأن تعلم أنه خلق ربك وابن أبيك وامك ولحمك ودمك ولم تملكه لانك صنعته من دون الله ولا خلقت شيئا من جوارحه ولا أخرجت له رزقا ولكن الله عزوجل كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك وإن كرهته استبدلت به ولم تعذب خلق الله عزوجل ولا قوة إلا بالله ].
(*)

[٢٦٣]

* (واما حق الرحم) *
٢١ - فحق امك فان تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحدا أحدا. وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك، فرحة، موابلة (١) محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الارض فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى وترويك وتظمأ وتظلك وتضحى و تنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء، وحجرها لك حواء (٢) وثديها لك سقاء ونفسها لك وقاء، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه (٣).
٢٢ - وأما حق أبيك فتعلم أنه أصلك وأنك فرعه وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك (٤) فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه واحمد الله واشكره على قدر ذلك [ ولا قوة إلا بالله].
٢٣ - وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته من حسن الادب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك (٥) وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاخذ له منه ولا قوة إلا بالله.
٢٤ - وأما حق أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجئ إليه
___________________________________
(١) كذا. ووابله: واظبه.
(٢) الحواء: ما يحتوى به الشى من حوى الشئ إذا أحاط به من جهاته.
(٣) فيهما [ فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا واعطتك من ثمرة قلبها مالا يعطى أحد أحدا ووقتك بجميع جوارحها ولم تبال أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك وتضحى وتظلك وتهجر النوم لاجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها فانك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه].
(٤) فيهما [ فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم ... الخ ].
(٥) فيهما [ على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان إليه معاقب على الاساء‌ة إليه ]. انتهى.
(*)
[٢٦٤]
وعزك الذي تعتمد عليه وقوتك التي تصول بها فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا عدة للظلم بحق الله (١) ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوه والحول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والاقبال عليه في الله، فإن انقاد لربه وأحسن الاجابة له وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه (٢).
٢٥ - وأما حق المنعم عليك بالولاء (٣) فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وانسها وأطلقك من أسر الملكة وفك عنك حلق العبودية (٤) وأوجدك رايحة العز وأخرجك من سجن القهر ودفع عنك العسر و بسط لك لسان الانصاف وأباحك الدنيا كلها فملكك نفسك وحل أسرك وفرغك لعبادة ربك واحتمل بذلك التقصير في ماله. فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولي رحمك في حياتك وموتك وأحق الخلق بنصرك ومعونتك ومكانفتك في ذات الله (٥)، فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك (٦).
٢٦ - وأما حق مولاك الجارية عليه نعمتك فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه وواقية وناصرا ومعقلا وجعله لك وسيلة وسببا بينك وبينه فبالحري أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثواب منه(٧) في الآجل ويحكم لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقته من مالك عليه وقمت به من حقه بعد إنفاق مالك، فإن لم
___________________________________
(١) في بعض النسخ [ للظلم لخلق الله ].
(٢) فيهما [أن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا عدة لظلم خلق الله ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له فأن أطاع الله والا فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله].
(٣) الولاء - بالفتح -: النصرة والملك والمحبة والصداقة والقرابة.
(٤) الحلق - كقصع وبدر -: جمع حلقة - كقصعة وبدرة.
ويجمع أيضا على حلق - بفتحتين - على غير قياس.
وفيهما [ وفك عنك قيد العبودية وأخرجك من السجن وملكك نفسك وفرغك لعبادة ربك وتعلم أنه أولى الخلق في حياتك وموتك وأن نصرته عليك واجبة بنفسك وما احتاج إليه منك ولا قوة الا بالله ].
(٥) المكانفة: المعاونة.
(٦) فلا تؤثر عليه أى فلا ترجح ولا تختر. وفى بعض النسخ [ ما احتاج إليك أحدا ].
(٧) في بعض النسخ [ ثوابك منه ].
(*)
[٢٦٥]
تقم بحقه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه (١). ولا قوة إلا بالله.
٢٧ - وأما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه وتنشر له المقالة الحسنة (٢) وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية.
ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته وإلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها (٣).
٢٨ - وأما حق المؤذن فأن تعلم أنه مذكرك بربك وداعيك إلى حظك وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.
وإن كنت في بيتك مهتما لذلك لم تكن لله في أمره متهما وعلمت أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال ولا قوة إلا بالله (٤).
٢٩ - وأما حق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله والوفادة إلى ربك وتكلم عنك ولم تتكلم عنه ودعا لك ولم تدع له (٥) وطلب فيك ولم تطلب فيه وكفاك هم المقام بين يدي الله والمسألة له فيك.
ولم تكفه ذلك فإن كان في شئ من ذلك تقصير كان به دونك وإن كان آثما لم تكن شريكه فيه ولم
___________________________________
(١) في بعض النسخ [ فان لم تخفه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه ].
وفيهما [ وأما حق مولاك الذى انعمت عليه فان تعلم أن الله عزوجل جعل عتقك له وسيلة اليه وحجابا لك من النار وأن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقت من مالك وفى الاجل الجنة ].
(٢) فيهما [ وتكسبه المقاله الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله تعالى فاذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافأته ]. انتهى.
(٣) الضمير في عليها يرجع إلى المكافأة أى ترصد وتراقت وتهيئ نفسك على المكافأة في وقتها.
(٤) فيهما [ وحق المؤذن أن تعلم أنه مذكر لك ربك عزوجل وداع لك إلى حظك وعونك على قضاء فرض الله عليك فاشكره على ذلك شكر المحسن إليك ].
(٥) فيهما بعد هذه الجملة هكذا [ وكفاك هول المقام بين يدى الله عزوجل فان كان نقص كان به دونك وإن كان تماما كنت شريكه ولم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكر له على قدر ذلك ]. انتهى.
(*)
[٢٦٦]
يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه ووقى صلاتك بصلاته، فتشكر له على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
٣٠ - وأما حق الجليس فأن تلين له كنفك (١) وتطيب له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ (٢) ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار وإن كان الجالس إليك كان بالخيار. ولا تقوم إلا بإذنه ولا قوة إلا بالله.
٣١ - وأما حق الجار فحفظه غائبا وكرامته شاهدا ونصرته ومعونته في الحالين جميعا (٣)، لا تتبع له عورة ولا تبحث له عن سوء [ ة ] لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف، كنت لما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا، لو بحثت الاسنة عنه ضميرا لم تتصل إليه لانطوائه عليه.
لا تستمع (٤) عليه من حيث لا يعلم. لا تسلمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة. تقيل عثرته وتغفر زلته. ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك ولا تخرج أن تكون سلما له. ترد عنه لسان الشتيمة وتبطل فيه كيد حامل النصيحة وتعاشره معاشرة كريمة ولا حول ولا قوة إلا بالله (٥).
٣٢ - وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا وإلا فلا أقل من الانصاف.
وأن تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقك كافأته. ولا تقصر به عما يستحق من المودة. تلزم نفسك
___________________________________
(١) الكنف: الجانب والظل.
(٢) يقال: تجاروا في الحديث: جرى كل واحد مع صاحبه ومنه مجاراة من لا عقل له اى الخوض معه في الكلام. " ولا تغرق " أى ولا تبالغ في أمره. وفيهما بعد هذا الكلام [ فلا تقوم من مجلسك إلا باذنه ومن يجلس إليك يجوز له القيام بغير إذنك. وتنسى زلاته. وتحفظ خيراته. ولا تسمعه إلا خيرا]. انتهى.
(٣) المراد بالحالين: الشهود والغياب.
(٤) في بعض النسخ [ لا تسمع ].
(٥) فيهما [ وأما حق جارك فحفظه غائبا وإكرامه شاهدا ونصرته إذا كان مظلوما ولا تتبع له عورة فان علمت عليه (خ ل فيه) سوء‌ا سترته عليه وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ولا تسلمه عند شديدة وتقيل عثرته وتغفر ذنبه وتعاشره معاشرة كريمة ولا قوة الا بالله ].
(*)
[٢٦٧]
نصيحته وحياطته ومعاضدته عليه طاعة ربه ومعونته على نفسه فيما لا يهم به من معصية ربه، ثم تكون [عليه] رحمة ولا تكون عليه عذابا ولا قوة إلا بالله (١).
٣٣ - وأما حق الشريك فإن غاب كفيته وإن حضر ساويته (٢) ولا تعزم على حكمك دون حكمه ولا تعمل برأيك دون مناظرته وتحفظ عليه ماله وتنفي عنه خيانته فيما عز أو هان (٣) فإنه بلغنا " أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا " ولا قوة إلا بالله.
٣٤ - وأما حق المال فأن لا تأخذه إلا من حله ولا تنفقه إلا في حله ولا تحرفه عن مواضعه ولا تصرفه عن حقائقه ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه وسببا إلى الله. ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك وبالحري أن لا يحسن خلافته في تركتك (٤) ولا يعمل فيه بطاعة ربك فتكون معينا له على ذلك أو بما أحدث في مالك أحسن نظرا لنفسه فيعمل بطاعة ربه فيذهب بالغنيمة وتبوء بالاثم والحسرة والندامة مع التبعة (٥) ولا قوة إلا بالله (٦).
٣٥ - وأما حق الغريم الطالب لك (٧) فإن كنت موسرا أوفيته وكفيته وأغنيته ولم تردده وتمطله (٨) فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " مطل الغني ظلم " وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول وطلبت إليه طلبا جميلا ورددته عن نفسك ردا لطيفا ولم تجمع عليه
___________________________________
(١) فيهما [ أما حق الصاحب فان تصحبه بالتفضل والانصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبق إلى مكرمة فان سبق كافأته وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله ].
(٢) فيهما [ وأما حق الشريك فان غاب كفيته وإن حضر رعيته ولا تحكم دون حكمه ولا تعمل برأيك دون مناظرته وتحفظ عليه ماله ولا تخنه ... إلخ ].
(٣) في بعض النسخ [ تتقى خيانته فيما عز أو هان ].
(٤) اى ميراثك والتركة - بفتح فكسر -: الشئ المتروك أى تركة الميت.
(٥) التبعة: ما يترتب على الفعل من الشر وقد يستعمل في الخير.
(٦) فيهما [ أما حق مالك فان لا تأخذه الا من حله ولا تنفقه إلا في وجهه ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك فاعمل فيه بطاعة ربك ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع السعة (خ ل مع التبعة) ولا قوة إلا بالله ]. وليس في النسخ ولا في الخصال حق الغريم الذى تطالبه، وسقط من الجميع.
(٧) الغريم: الدائن ويطلق أيضا على المديون. وفى بعض النسخ [ الغريم المطالب لك ].
(٨) المطل: التسويف والتعلل في أداء الحق وتأخيره عن وقته.
(*)
[٢٦٨]
ذهاب ماله وسوء معاملته، فإن ذلك لؤم ولا قوة إلا بالله (١).
٣٦ - وأما حق الخليط (٢) فأن لا تغره ولا تغشه ولا تكذبه ولا تغفله ولا تخدعه ولا تعمل في انتقاضه عمل العدو الذي لا يبقى على صاحبه وإن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك (٣) وعلمت أن غبن المسترسل ربا (٤) ولا قوة إلا بالله (٥).
٣٧ - وأما حق الخصم المدعي عليك فإن كان ما يدعي عليك حقا لم تنفسخ في حجته * ولم تعمل في إبطال دعوته وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود، فإن ذلك حق الله عليك وإن كان ما يدعيه باطلا رفقت به وروعته و ناشدته بدينه (٦) وكسرت حدته عنك بذكر الله وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك (٧) بل تبوء بإثمه وبه يشحذ عليك سيف عداوته، لان لفظة السوء تبعث الشر. والخير مقمعة للشر ولا قوة إلا بالله (٨).
٣٨ - وأما حق الخصم المدعى عليه فإن كان ما تدعيه حقا أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى (٩)، فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه. وقصدت قصد حجتك بالرفق وأمهل المهلة وأبين البيان وألطف اللطف ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال فتذهب عنك حجتك ولا يكون لك في ذلك درك ولا قوة إلا بالله (١٠).
___________________________________
(١) فيهما [ واما حق غريمك الذى يطالبك فان كنت مؤسرا أعطيته وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول ورددته عن نفسك ردا لطيفا ].
(٢) الخليط: المخالط كالنديم والشريك والجليس ونحوها.
(٣) استقصى في المسألة: بلغ الغاية.
(٤) وفى الحديث " غبن المسترسل سحت " و " غبن المسترسل ربا " والاسترسال: الاستيناس إلى الانسان والثقة به فيما يحدثه وأصله السكون والثبات.
(٥) فيهما بعد قوله: ولا تخدعه [ وتتقى الله تعالى في أمره ]. كذا.
(٦) روعه: أفزعه. وناشدته بدينه: حلفته وطلبته به.
(٧) اللغط: كلام فيه جلبة واختلاط ولا يتبين. وعادية عدوك أى حدته وغضبه وعادية السم: ضرره.
ويشحذ عليك أى يغضب واصله من شحذ السكين ونحوه: أحده.
(٨) فيهما [ وحق الخصم المدعى عليك فان كان ما يدعى عليك حقا كنت شاهده على نفسك ولم تظلمه وأوفيته حقه وإن كان ما يدعى باطلا رفقت به ولم تأت في أمره غير الرفق ولم تسخط ربك في أمره ولا قوة إلا بالله ].
(٩) المقاولة: المجادلة والمباحثة.
(١٠) فيهما [ وحق خصمك الذى تدعى عليه إن كنت محقا كنت في دعواك أجملت مقاولته ولم تجحد حقه وإن كنت مبطلا في دعواك اتقيت الله عزوجل وتبت إليه وتركت الدعوى ].
(*)
[٢٦٩]
٣٩ - وأما حق المستشير فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به وذلك ليكن منك في رحمة ولين، فإن اللين يؤنس الوحشة وإن الغلظ يوحش موضع الانس وإن لم يحضرك له رأي وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك دللته عليه وأرشدته إليه، فكنت لم تأله خيرا (١) ولم تدخره نصحا ولا حول ولا قوة إلا بالله (٢).
٤٠ - وأما حق المشير عليك فلا تتهمه فيما لا يوافقك عليه من رأيه (٣) إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم. فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه، فأما تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه وحسن وجه مشورته، فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والارصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك (٤) ولا قوة إلا بالله.
٤١ - وأما حق المستنصح فإن حقه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أنه يحمل وتخرج المخرج الذي يلين على مسامعه. وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه وليكن مذهبك الرحمة ولا قوة إلا بالله (٥).
٤٢ - وأما حق الناصح فأن تلين له جناحك ثم تشرئب له قلبك (٦) وتفتح له سمعك حتى تفهم عنه نصيحته، ثم تنظر فيها، فان كان وفق فيها للصواب حمدت الله على ذلك وقبلت منه وعرفت له نصيحته وإن لم يكن وفق لها فيها رحمته ولم تتهمه وعلمت أنه لم يألك نصحا إلا أنه أخطأ(٧) إلا أن يكون عندك مستحقا للتهمة
___________________________________
(١) لم تأله: لم تقصره من ألا يألو.
(٢) فيهما [ وحق المستشير إن علمت له رأيا حسنا أشرت عليه وإن لم تعلم له أرشدته إلى من يعلم].
(٣) فيهما بعد هذا الكلام [ وإن وافقك حمدت الله تعالى ] انتهى.
(٤) أى اذا استشار هو منك.
(٥) فيهما [ وحق المستنصح أن تؤدى إليه النصيحة وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به ].
(٦) إشرأب للشى: مد عنقه لينظره والمراد أن تسقى قلبك من نصحه.
(٧) فيهما [ وحق الناصح أن تلين له جناحك وتصغى إليه بسمعك فان أتى بالصواب حمدت الله تعالى وإن لم يوافق رحمته ولم تتهمه وعلمت أنه أخطا ولم تؤاخذه بذلك إلا أن يكون مستحقا للتهمة فلا تعبأ بشئ من امره على حال ولا قوة إلا بالله ].
(*)
[٢٧٠]
فلا تعبأ بشئ من أمره (١) على كل حال ولا قوة إلا بالله.
٤٣ - وأما حق الكبير فان حقه توقير سنه وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الاسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تؤمه في طريق (٢) ولا تستجهله وإن جهل عليك تحملت وأكرمته بحق إسلامه مع سنه فإنما حق السن بقدر الاسلام ولا قوة إلا بالله(٣).
٤٤ - وأما حق الصغير فرحمته وتثقيفه (٤) وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة. والمدارأة له. وترك مماحكته فإن ذلك أدنى لرشده(٥).
٤٥ - وأما حق السائل فإعطاؤه إذا تيقنت صدقه وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل به والمعاونة له على طلبته، وإن شككت في صدقه وسبقت إليه التهمة له ولم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدك عن حظك ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك فتركته بستره ورددته ردا جميلا. وإن غلبت نفسك في أمره وأعطيته على ما عرض في نفسك منه.
فإن ذلك من عزم الامور (٦) ٤٦ - وأما حق المسؤول فحقه إن أعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له والمعرفة لفضله وطلب وجه العذر في منعه وأحسن به الظن.
وأعلم أنه إن منع [ ف‍ ] ماله منع وأن ليس التثريب في ماله (٧) وإن كان ظالما فإن إلانسان لظلوم كفار (٨).
___________________________________
(١) فلا تعبأ: لا تثقل.
(٢) أى ولا تتقدمه. من أم يؤم كما في الخصال.
(٣) فيهما [ وحق الكبير توقيره لسنه وإجلالة لتقدمه في الاسلام قبلك وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تتقدمه ولا تستجهله وإن جهل عليك احتملته وأكرمته لحق الاسلام وحرمته ].
(٤) ثقف الولد: هذبه وعلمه.
(٥) فيهما [ حق الصغير رحمته في تعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له ].
(٦) فيهما [ حق السائل اعطاؤه على قدر حاجته ].
(٧) التثريب: التوبيخ والملامة.
(٨) فيهما [ حق المسؤول إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله وإن منع فاقبل عذره ].
(*)
[٢٧١]
٤٧ - وأما حق من سرك الله به وعلى يديه، فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولا ثم شكرته عى ذلك بقدره في موضع الجزاء وكافأته على فضل الابتداء وأرصدت له المكافأة، وإن لم يكن تعمدها حمدت الله وشكرته وعلمت أنه منه، توحدك بها و أحببت هذا إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك وترجو له بعد ذلك خيرا، فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت وإن كان لم يتعمد ولا قوة إلا بالله (١).
٤٨ - وأما حق من ساء‌ك القضاء على يديه بقول أو فعل فإن كان تعمدها كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع وحسن الادب مع كثير أمثاله من الخلق. فإن الله يقول: " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل - إلى قوله -: من عزم الامور (٢) " وقال عزوجل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (٣) " هذا في العمد فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ. ورفقت به ورددته بألطف ما تقدر عليه ولا قوة إلا بالله (٤).
٤٩ - وأما حق أهل ملتك عامة فإضمار السلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم. وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كف عنك أذاه وكفاك مؤونته وحبس عنك نفسه فعمهم جميعا بدعوتك وانصرهم جميعا بنصرتك وانزلتهم جميعا منك منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد وأوسطهم بمنزلة الاخ. فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة. وصل أخاك بما يجب للاخ على أخيه (٥).
٥٠ - وأما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله وتفي (٦) بما
___________________________________
(١) فيهما [ حق من سرك لله تعالى أن تحمد الله أولا ثم تشكره ].
(٢) سورة الشورى آية ٤١.
(٣) سورة النحل آية ١٢٦.
(٤) فيهما [ وحق من أساء‌ك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر انتصرت قال الله تعالى: " ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل ].
(٥) فيهما [ وحق أهل ملتك اضمار السلامة والرحمة لهم والرفق بمسيئهم وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنم وكف الاذى عنهم وتحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وأن تكون شيوخهم بمنزلة ابيك وشبابهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة امك والصغار بمنزلة اولادك ].
(٦) في بعض النسخ [ وكفى ].
(*)
[٢٧٢]
جعل الله لهم من ذمته وعهده وتكلهم إليه فميا طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك [ وبينهم ] من معاملة وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده. وعهد رسول الله صلى الله عليه وآله حائل فانه بلغنا أنه قال: " من ظلم معاهدا كنت خصمه " فاتق الله ولا حول وقوة إلا بالله (١) فهذه خمسون حقا محيطا بك لا تخرج منها في حال من الاحوال يجب عليك رعايتها والعمل في تأديتها والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين.

ما روي عن الإمام زين العابدين (ع) - موعظة وزهد وحكمة


* (موعظة وزهد وحكمة (٤)) *
كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غدا (٥). واحذروا ما حذركم
___________________________________
(١) سورة يونس آية ٢٥.
وهنا أيضا سقط وفى الروضة والامالى [ فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ].
(٢) زاد في الامالى [ ولاصحابه ].
(٣) سورة هود آية ١١٥. وفى الامالى والروضة [ إلى زهرة الحياة الدنيا ].
(٤) رواه الكلينى في الروضة باسناده عن الثمالى قال قرأت في صحيفة كان فيها كلام زهد من كلام على ابن الحسين عليهما السلام وكتبت ما فيها ثم أتيت على بن الحسين عليهما السلام فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصححه وكان فيها: بسم الله الرحمن الرحيم كفانا الله إلى آخره.
أورده المفيد في المجلس الثالث والعشرين من أماليه مسندا.
(٥) الهامد: البالى المسود المتغير واليابس من النبات والشجر.
والهشيم: اليابس متكسر من كل شجر وكلاء أصله المكسور.
والبائد: الهالك.
(*)
[٢٥٣]
الله منها وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها. ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من أعدها دارا وقرارا. وبالله إن لكم مما فيها عليها دليلا (١) من زينتها وتصريف أيامها وتغيير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل (٢) وتضع الشريف وتورد النار أقواما غدا، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه (٣). وإن الامور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن (٤) وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب عن نيتها (٥) وتذهلها عن موجود الهدى (٦) ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله عزوجل فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله، ونهج سبيل الرشد وسلك طريق القصد.
ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر واتعظ بالعبر وازدجر، فزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة مع القوم الظالمين، فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر (٧) وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة، فقد لعمري استدبرتم من الامور الماضية في الايام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيها ما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الارض بغير الحق.
فاستعينوا بالله وارجعوا إلى طاعته وطاعة من هو أولى بالطاعة من طاعة من اتبع واطيع.
فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه.
وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء
___________________________________
(١) في الروضة والامالى [ ركون من اتخدها دار قرار ومنزل استيطان ] وفى الروضة [ والله لكم مما فيها عليها لدليلا وتنبيها من تصريف أيامها ].
(٢) الخميل: الخامل وهو الساقط الذى لا نباهة له.
(٣) في بعض النسخ [ لمتنبه ].
(٤) في بعض نسخ الروضة [ ملمات الفتن ] وفى الامالى [ مضلات الفتن ].
(٥) في بعض النسخ [ لمثبطة القلوب ] وفى بعضها وفى الامالى [ ليذر القلوب عن تنبيهها ] وفى بعض النسخ [ لتدبير القلوب عن نيتها ] وفى الروضة [ لتثبط القلوب عن تنبيهها ].
(٦) من إضافة الصفة إلى الموصوف. وفى الامالى [ عن وجود الهدى ].
(٧) في بعض النسخ والروضة [ بعين قرة ].
(*)
[٢٥٤]
منقلبهم وساء مصيرهم.
وما العلم بالله والعمل بطاعته (١) إلا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه فحثه الخوف على العمل بطاعة الله وإن أرباب العلم واتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (٢) فلا تلتمسوا شيئا في هذه الدنيا بمعصية الله واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله، فإن ذلك أقل للتبعة وأدنى من العذر وأرجا للنجاة. فقدموا أمر الله وطاعته وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها ولا تقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت وفتنة زهره الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته وطاعة أولي الامر منكم. واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم، فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمسألة والعرض على رب العالمين، يومئذ لا تكلم نفس إلا بإذنه. واعلموا أن الله لا يصدق كاذبا. ولا يكذب صادقا. ولا يرد عذر مستحق. ولا يعذر غير معذور بل لله الحجة على خلقه بالرسل و الاوصياء بعد الرسل. فاتقوا الله واستقبلوا من إصلاح أنفسكم (٣) وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها، لعل نادما قد ندم على ما قد فرط بالامس في جنب الله وضيع من حق الله (٤) واستغفروا الله وتوبوا إليه فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون وإياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين. احذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم. واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر ولي الله في نار تلتهب، تأكل أبدانا [ قد غابت عنها أرواحها ] غلبت عليها شقوتها [ فهم موتى لا يجدون حر النار (٥) ] فاعتبروا يا اولي الابصار واحمدوا الله على ما هداكم.
___________________________________
(١) في بعض النسخ وفى مجالس المفيد [ وما العز بالله ].
(٢) سورة فاطر آية ٢٥.
(٣) في الروضة [ في اصلاح انفسكم ].
(٤) في الروضة [ من حقوق الله ].
(٥) ما بين القوسين في الموضعين كان في هامش بعض نسخ الكتاب.
وفى الروضة [ فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار ].
(*)
[٢٥٥]
واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته.
وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين.

ما روي عن الإمام زين العابدين (ع) - موعظته عليه السلام لسائر اصحابه وشيعته وتذكيره اياهم كل يوم جمعة


[ بسم الله الرحمن الرحيم ] 
وروى عن الامام سيد العابدين على بن الحسين عليهما السلام في طوال هذه المعانى
* (موعظته عليه السلام لسائر اصحابه وشيعته وتذكيره اياهم كل يوم جمعة (١)) *
أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه (٢) ويحك يا ابن آدم الغافل وليس مغفولا عنه، إن أجلك أسرع شئ إليك قد أقبل نحوك حثيثا (٣)، يطلبك ويوشك أن يدركك فكان قد أوفيت أجلك وقد قبض الملك روحك وصيرت إلى قبرك وحيدا، فرد إليك روحك واقتحم عليك ملكاك منكر ونكير لمساء‌لتك وشديد امتحانك. ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي ارسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذى كنت تتولاه وعن عمرك فيما أفنيت وعن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته (٤)، فخذ حذرك وانظر لنفسك وأعد الجواب قبل الامتحان والمسألة والاختبار، فإن تك مؤمنا عارفا (٥) بدينك متبعا للصادقين مواليا لاولياء الله لقاك الله حجتك وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب وبشرت بالجنة والرضوان من الله (٦) واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان. وإن لم تكن كذلك تلجلج (٧)
___________________________________
(١) رواه الكلينى في الروضة والصدوق في الامالى مع اختلاف في غير موضع منه وانما تعرضنا لبعضها تتميما للفائدة.
(٢) اشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران آية ٢٨.
(٣) الحثيث: السريع.
(٤) في الامالى [ فيما أتلفته ].
(٥) في الامالى [ فان تك مؤمنا تقيا عارفا ].
(٦) أضاف هنا في الامالى [ والخيرات الحسان ].
(٧) تلجلج في الكلام: تردد فيه. ودحضت أى بطلت. وعييت أى عجزت عنه وكلت.
(*)
[٢٥٠]
لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب وبشرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم (١).
واعلم يا ابن آدم أن ما وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود (٢) يجمع الله فيه الاولين والآخرين يوم ينفخ في الصور ويبعثر فيه القبور (٣) ذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين (٤) ذلك يوم لا تقال فيه عثرة (٥) ولا تؤخذ من أحد فدية ولا تقبل من أحد معذرة ولا لاحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده. ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها (٦) وحذركموها في الكتاب الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتدميره (٧) عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله يقول: " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (٨) " وأشعروا قلوبكم خوف الله وتذكروا ما [ قد ] وعدكم في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد عقابه، فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا تركه (٩)
___________________________________
(١) النزل ما هيئ للضيف قبل أن ينزل.
والحميم الشراب المغلى في قدور جهنم.
(٢) اشارة إلى قوله عزوجل في سورة هود آية ١٠٥.
(٣) يوم بعثرت أى قلبت فاخرج ما فيها.
(٤) إشارة إلى قوله عزوجل في سورة المؤمن آية ١٨.
والازفة القيامة وسميت بها لازافتها أى قربها.
(٥) " تقال " من الاقالة وهى فسخ البيع.
(٦) لفظة " من " بيان للموصول بعده يعنى " ما " أو الموصول بدل من الذنوب.
(٧) التدمير: الاهلاك.
وفى الامالى [ ولا تأمنوا مكر اله وشدة أخذه وتدميره ] وفى الروضة [ ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتحديده ] بدون " تدميره ".
(٨) سورة الاعراف آية ٢٠٠.
(٩) في بعض النسخ وفى الامالى [ نكله ].
(*)
[٢٥١]
ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا (١) الذين مكروا السيئات [ وقد قال الله تعالى: " أفأمن الذين مكروا السيئات ] أن يخسف الله بهم الارض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف (٢) " فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في كتابه لقد وعظكم الله بغيركم. وإن السعيد من وعظ بغيره. ولقد أسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: (٣) " وأنشأنا بعدها قوما آخرين " وقال: " فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون " يعني يهربون. قال: " لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون " فلما أتاهم العذاب " قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين (٤) " فإن قلتم أيها الناس: إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك وهو يقول: " ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (٥) ".
اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا وإنما تنصب الموازن وتنشر الدواوين لاهل الاسلام، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى لم يحب زهرة الدنيا لاحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها فإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته وأيم الله لقد ضربت لكم فيه الامثال وصرفت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من
___________________________________
(١) في الامالى [ فتكونوا من الذين ].
(٢) سورة النحل آية ٤٧ إلى ٤٩.
(٣) هنا سقط في النسخ وفي الروضة [ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة - وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول -: وانشأنا ... الخ ].
وفى الامالى [ وكم أهلكنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا... الخ ] و ليست الآية على نسخة الامالى في المصاحف ولعله نقل بالمعنى لان قصمنا بمعنى أهلكنا.
(٤) الايات في سورة الانبياء من آيه ١١ إلى ١٦ وهنا سقط أيضا وفى الروضة والامالى [ " فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين " وايم الله إن هذه لعظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم، ثم رجع إلى القول في الكتاب على أهل المعاصى والذنوب فقال: " ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين " ].
سورة الانبياء آية ٤٨.
(٥) سورة الانبياء آية ٤٩.
(*)
[٢٥٢]
القوم الذين يعقلون. ولا قوة إلا بالله. وازهدوا فما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله يقول - وقوله الحق -: " إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الارض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتيها أمرنا ليلا أو نهار فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (١) " ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قال لمحمد صلى الله عليه وآله (٢)." ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار (٣) " ولا تركنوا إلى هذه الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنها دار قلعة ومنزل بلغة ودار عمل، فتزودوا الاعمال الصالحة قبل تفرق أيامها وقبل الاذن من الله في خرابها، فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها.
وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى والزهد في الدنيا جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا، الراغبين في آجل ثواب الآخرة فإنما نحن له وبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

ما روي عن الإمام الحسين (ع) - وعنه عليه السلام في قصار هذه المعاني


وعنه عليه السلام في قصار هذه المعاني
وقال عليه السلام في مسيره إلى كربلاء (٣): إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم (٤) يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء (٥) قل الديانون.
وقال عليه السلام لرجل اغتاب عنده رجلا: يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار.
وقال عنده رجل: إن المعروف إذا اسدي إلى غير أهله ضاع (٦) فقال الحسين عليه السلام:
___________________________________
(١) اى قدمه تعالى ليس قدما زمانيا يقارنه الزمان.
والامم: القصد أى ليس قصده بأن يتوجه إلى جهة خاصة فيوجد بل أينما تولوا فثم وجه الله.
(٢) توقل في الجبل: صعد فيه.
(٣) ذلك في موضع يقال له: ذى حسم ونقل هذا الكلام الطبرى في تاريخه " عن عقبة بن أبى العيزار قال: قام الحسين عليه السلام بذى حسم فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أما بعد انه قد نزل من الامر ما قد ترون .. إلخ " مع اختلاف يسير.
وايضا نقل شطرا منه السيد ابن طاووس في اللهوف وعلى بن عيسى الاربلى في كشف الغمة أيضا.
والصبابة - بالضم -: بقية الماء في الاناء.
والمرعى: الكلاء. والوبيل: الوخيم.
(٤) في بعض النسخ [ لغو على ألسنتهم ].
(٥) محص الرجل: اختبر.
(٦) اسدى إليه: أحسن إليه. والوابل: المطر الشديد.
(*)
[٢٤٦]
ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر.
وقال عليه السلام: ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته.
ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته.
وقال عليه السلام: إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار.
وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد.
وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار وهي أفضل العبادة.
وقال له رجل ابتداء: كيف أنت عافاك الله؟ فقال عليه السلام له: السلام قبل الكلام عافاك الله، ثم قال عليه السلام: لا تأذنوا لاحد حتى يسلم.
وقال عليه السلام: الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر.
وكتب إلى عبدالله بن العباس حين سيره (١) عبدالله بن الزبير إلى اليمن: أما بعد بلغني أن ابن الزبير سيرك إلى الطائف فرفع الله لك بذلك ذكرا وحط به عنك وزرا وإنما يبتلى الصالحون. ولو لم توجر إلا فيما تحب لقل الاجر (٢)، عزم الله لنا ولك بالصبر عند البلوى والشكر عند النعمى(٣) ولا أشمت بنا ولا بك عدوا حاسدا أبدا والسلام.
وأتاه رجل فسأله فقال عليه السلام: إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة (٤)، فقال الرجل: ما جئت إلا في إحديهن، فأمر له بمائة دينار.
وقال لابنه علي بن الحسين عليهما السلام: أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله عزوجل.
وسأله رجل عن معنى قول الله: " وأما بنعمة ربك فحدث (٥) " قال عليه السلام: أمره
___________________________________
(١) إنما وقع هذا التسيير بعد قتل المختار الناهض الوحيد لطلب ثار الامام السبط المفدى فالكتاب هذا لا يمكن أن يكون للحسين السبط عليه السلام ولعله لولده الطاهر على السجاد سلام الله عليه.
(٢) في بعض النسخ [ لقاء الاجر ].
(٣) والنعمى: الدعه والراحة وخفض العيش.
(٤) الغرم: أداء شئ لازم، وما يلزم أداؤه، والضرر والمشقة.
والفادح: الصعب المثقل.
والمدقع: الملصق بالتراب.
والحمالة: الدية والغرامة والكفالة.
(٥) سورة الضحى آية ١١.
(*)
[٢٤٧]
أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه.
وجاء‌ه رجل من الانصار يريد أن يسأله حاجة فقال عليه السلام: يا أخا الانصار صن وجهك عن بذلة المسألة (١) وارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما سارك إن شاء الله، فكتب: يا أبا عبدالله إن لفلان على خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه ينظرني إلى ميسرة، فلما قرأ الحسين عليه السلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة (٢) فيها ألف دينار وقال عليه السلام له: أما خمسمائة فاقض بها دينك وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دين، أو مروة، أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه.
وأما ذو المروة فإنه يستحيي لمروته.
وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.
وقال عليه السلام: الاخوان أربعة: فأخ لك وله وأخ لك وأخ عليك. وأخ لا لك ولا له، فسئل عن معنى ذلك؟ فقال عليه السلام: الاخ الذي هو لك وله فهو الاخ الذي يطلب بإخائه بقاء الاخاء، ولا يطلب بإخائه موت الاخاء، فهذا لك وله لانه إذا تم الاخاء طابت حياتهما جميعا وإذا دخل الاخاء في حال التناقض بطل جميعا.
والاخ الذي هو لك فهو الاخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء فهذا موفر (٣) عليك بكليته.
والاخ الذي هو عليك فهو الاخ الذي يتربص بك الدوائر (٤) ويغشي السرائر ويكذب عليك بين العشائر وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد.
والاخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملاه الله حمقا فأبعده سحقا (٥) فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب شحاما لديك.
وقال عليه السلام: من دلائل علامات القبول: الجلوس إلى أهل العقول.
ومن علامات
___________________________________
(١) البذلة: ترك الصون.
(٢) الصرة - بالضم فالتشديد -: ما يصر فيه الدراهم والدينار.
(٣) في بعض النسخ [ موفور عليك ].
(٤) الدوائر: النوائب، يقال: دارت الدوائر أى نزلت الدواهى والنوائب.
(٥) اى فابعده الله عن رحمته بعدا.
(*)
[٢٤٨]
أسباب الجهل الممارأة لغير أهل الكفر (١). ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه وعلمه بحقائق فنون النظر.
وقال عليه السلام: إن المؤمن اتخذ الله عصمته.
وقوله مرآته، فمرة ينظر في نعت المؤمنين وتارة ينظر في وصف المتجبرين، فهو منه في لطائف. من نفسه في تعارف. ومن فطنته في يقين. ومن قدسه على تمكين (٢).
وقال عليه السلام: إياك وما تعتذر منه، فإن المؤمن لا يسيئ ولا يعتذر. والمنافق كل يوم يسيئ ويعتذر.
وقال عليه السلام: للسلام سبعون حسنة تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد.
وقال عليه السلام: البخيل من بخل بالسلام.
وقال عليه السلام: من حاول أمرا (٣) بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر (٤).
___________________________________
(١) المماراة: المجادلة والمنازعة.
وفى بعض النسخ [ لغير أهل الفكر ].
(٢) أى ومن طهارة نفسه على قدرة وسلطنة.
(٣) في بعض النسخ [ من حاول أمرء‌ا ].
(٤) في بعض النسخ [ أسرع لمجيئ ما يحذر ].
(*)
[٢٤٩]