الأحد، 8 نوفمبر 2015

ما روي عن الإمام الباقر (ع) - وصيته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفى

(ما روي عن الامام الباقر عن علم الله وعلم رسوله ...
أبى جعفر محمد بن على عليهما السلام) (في طوال هذه المعانى
وصيته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفى (١))
روي عنه عليه السلام أنه قال له: يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمسا: إن حضرت لم تعرف. وإن غبت لم تفتقد. وإن شهدت لم تشاور. وإن قلت لم يقبل قولك. وإن خطبت لم تزوج.
واوصيك بخمس: إن ظلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تخن. وإن كذبت فلا تغضب. وإن مدحت فلا تفرح. وإن ذممت فلا تجزع. وفكر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عزوجل عند عضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس. وإن كنت على خلاف ما قيل فيك، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.
واعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا: إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنك رجل صالح لم يسرك ذلك ولكن اعرض نفسك على كتاب الله، فإن كنت سالكا سبيله زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر، فإنه لا يضرك ما قيل فيك. وإن كنت مبائنا للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك. إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها (٢) ويخالف هواها في محبة الله ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله (٣)
___________________________________
(١) الجعفى - زنة الكرسى -: نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة بن مذحج أبى حى باليمن.
وهو جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوت الجعفى من اصحاب الباقر والصادق عليهما السلام و خدم الامام أبا جعفر عليه السلام سنين متوالية مات رحمه الله في أيام الصادق عليه السلام سنة ثمان وعشرين ومائة.
(٢) الاود: العوج. وقد يأتى بمعنى القوة.
(٣) نعشه الله: رفعه وأقامه وتداركه من هلكة وسقطة. وينعش أى ينهض - وينشط.
(*)
[٢٨٥]
فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بأن الله يقول: " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (١) " يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس (٢) وتعرضا للعفو. وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم. واستعمل حاضر العلم بخالص العمل. وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ. واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف. واحذر خفي التزين بحاضر الحياة (٣) وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل (٤).
وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم. واستبق خالص الاعمال ليوم الجزاء. وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص (٥). وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة. واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الامل.
واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس. وسد سبيل العجب بمعرفة النفس. وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض. واطلب راحة البدن بإجمام القلب (٦). وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ. وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات. و استجلب نور القلب بدوام الحزن. وتحرز من إبليس بالخوف الصادق. وإياك و والرجاء الكاذب، فإنه يوقعك في الخوف الصادق. وتزين لله عزوجل بالصدق في الاعمال. وتحبب إليه بتعجيل الانتقال. وإياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكى وإياك والغفلة [ ف‍ ] فيها تكون قساوة القلب. وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه، فإليه يلجأ النادمون. واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم، وكثرة الاستغفار. وتعرض
___________________________________
(١) سورة الاعراف آية ٢٠٠.
(٢) أزرى على النفس: عابها وعاتبها.
ويحتمل أن يكون: ازدراء - من باب الافتعال - أى احتقارا واستخفافا.
(٣) وفى بعض النسخ [ خفى الرين ] أى الدنس.
(٤) جازف في كلامه: تكلم بدون تبصر وبلا روية.
وجازف في البيع: بايعه بلا كيل ولا وزن ولا عدد وجازف بنفسه: خاطر بها.
(٥) في بعض النسخ [ وانزل ساعة القناعة بانفاء الحرص ].
(٦) الجمام - بالفتح -: الراحة.
واجم نفسه اى تركها.
(*)
[٢٨٦]

للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء و المناجاة في الظلم. تخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة. واستجلت زيادة النعم بعظيم الشكر والتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم. واطلب بقاء العز بإماتة الطمع. وادفع ذل الطمع بعز اليأس واستجلب عز اليأس ببعد الهمة. وتزود من الدنيا بقصر الامل. وبادر بإنتهاز البغية (١) عند إمكان الفرصة ولا إمكان كالايام الخالية مع صحة الابدان. وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء(٢) واعلم أنه لا علم كطلب السلامة. ولا سلامة كسلامة القلب. ولا عقل كمخالفة الهوى. ولا خوف كخوف حاجز. ولا رجاء كرجاء معين ولا فقر كفقر القلب. ولا غنى كغنى النفس. ولا قوة كغلبة الهوى. ولا نور كنور اليقين. ولا يقين كاستصغارك الدنيا. ولا معرفة كمعرفتك بنفسك. ولا نعمة كالعافية. ولا عافية كمساعدة التوفيق. ولا شرف كبعد الهمة. ولا زهد كقصر الامل. ولا حرص كالمنافسة في الدرجات (٣). ولا عدل كالانصاف. ولا تعدي كالجور. ولا جور كموافقة الهوى. ولا طاعة كأداء الفرائض. ولا خوف كالحزن ولا مصيبة كعدم العقل. ولا عدم عقل كقلة اليقين. ولا قلة يقين كفقد الخوف. ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف. ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها. ولا فضيلة كالجهاد. ولا جهاد كمجاهدة الهوى. ولا قوة كرد الغضب. ولا معصية كحب البقاء (٤). ولا ذل كذل الطمع. وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة، فإنه ميدان يجري لاهله بالخسران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق