الجمعة، 27 نوفمبر 2015

ما روي عن الإمام موسى الكاظم (ع) - ومن كلامه عليه السلام مع الرشيد في خبر طويل ذكرنا موضع الحاجة اليه

(ومن كلامه عليه السلام مع الرشيد في خبر طويل ذكرنا موضع الحاجة اليه)
دخل إليه وقد عمد على القبض عليه، لاشياء كذبت عليه عنده، فأعطاه طومارا طويلا فيه مذاهب شنعة (١) نسبها إلى شيعته [ فقرأه ] ثم قال له: يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقوى علينا (٢)، وربنا غفور ستور، أبى أن يكشف أسرار عباده إلا في وقت محاسبته " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ".
ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات الله عليهم: الرحم إذا مست الرحم اضطربت ثم سكنت، فإن رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه ويصافحني فعل. فتحول عنذ ذلك عن سريره ومد يمينه إلى موسى عليه السلام فأخذ بيمينه، ثم ضمه إلى صدره، فاعتنقه وأقعده عن يمينه وقال: أشهد أنك صادق وأباك صادق وجدك صادق ورسول الله صلى الله عليه واله صادق. ولقد دخلت وأنا أشد الناس عليك حنقا (٣) وغضبا لما رقي إلي (٤) فيك فلما تكلمت بما تكلمت وصافحتني سري عني (٥) وتحول غضبي عليك رضى. وسكت ساعة، ثم قال له: اريد أن أسألك عن العباس وعلي بم صار علي أولى بميراث رسول الله صلى الله عليه واله من العباس والعباس عم رسول الله صلى الله عليه واله وصنو أبيه (٦)؟ فقال له موسى عليه السلام: أعفني.
قال: والله لا أعفيتك، فأجبني. قال: فان لم تعفني فآمني. قال: آمنتك.
قال موسى عليه السلام: إن النبي صلى الله عليه وآله لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إن أباك العباسى آمن ولم يهاجر وإن عليا عليه السلام آمن وهاجر وقال
___________________________________
(١) الشنعة - كنتنة - الفضيعة والقبيحة.
(٢) منا يمنو منوا ومنى يمنى منيا الرجل بكذا: اختبره وامتحنه به.
والتقول: الافتراء بالقول يقال: تقول عليه القول: ابتدعه كذبا.
(٣) الحنق - بالتحريك - شدة الاغتياظ.
(٤) أى كتب إلى.
(٥) سرى عنى أى ألقى وانكشف عنى.
(٦) الصنو: المثل والابن والعم والاخ الشقيق (*)
[٤٠٥]
الله: " الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا (١) " فالتمع لون هارون وتغير.
وقال: ما لكم لا تنسبون إلى علي هو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله صلى الله عليه واله وهو جدكم؟ فقال موسى عليه السلام: إن الله نسب المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام إلى خليله إبراهيم عليه السلام بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله: " ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكدلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين (٢) " فنسبه بأمه وحدها إلى خليله إبراهيم عليه السلام، كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون عليهم السلام بآبائهم وأمهاتهم فضيلة لعيسى عليه السلام ومنزلة رفيعة بأمه وحدها.
ودلك قوله في قصة مريم عليها السلام: " إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين(٣) " بالمسيح من غير بشر. وكذلك اصطفى ربنا فاطمة عليها السلام وطهرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.
فقال هارون - وقد اضطرب وساء‌ه ما سمع -: من أين قلتم الانسان يدخله الفساد (٤) من قبل النساء ومن قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله؟ فقال موسى عليه السلام: هذه مسألة ما سأل عنها أحد من السلاطين غيرك - يا أمير المؤمنين - ولا تيم ولا عدي ولا بنو امية ولا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها.
قال: فإن بلغني عنك كشف هذا رجعت عما آمنتك.
فقال موسى عليه السلام: لك ذلك.
قال: فإن الزندقة قد كثرت في الاسلام وهؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الاخبار، هم المنسوبون إليكم، فما الزنديق عندكم أهل البيت فقال عليه السلام: الزنديق هو الراد على الله وعلى رسوله وهم الذين يحادون الله ورسوله قال الله: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا
___________________________________
(١) سورة الانفال آية ٧٣. وقوله: " فالتمع لون هارون " أى ذهب وتغير.
(٢) سورة الانعام آية ٨٥، ٨٦.
(٣) سورة آل عمران آية ٤٠.
(٤) أى ان من لم يخمس ماله ولم يؤد خمس ماله إلى أهله يكون خلل في نطفته اما من قبل الاب او الام.
(*)
[٤٠٦]
آباء‌هم أو أبناء‌هم أو إخوانهم أو عشيرتهم إلى آخر الآية (١) ". وهم الملحدون، عدلوا عن التوحيد إلى الالحاد فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد وتزندق؟ فقال موسى عليه السلام: أول من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين، فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيه آدم عليه السلام، فقال اللعين: " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (٢) " فعتا عن أمر ربه وألحد فتوارث الالحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة.
فقال: ولابليس ذرية؟ فقال عليه السلام: نعم ألم تسمع إلى قول الله: " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا * ما أشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا (٣) " لانهم يضلون ذرية آدم بزخارفهم وكذبهم ويشهدون أن لا إله إلا الله كما وصفهم الله في قوله: " ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (٤) " أي إنهم لا يقولون ذلك إلا تلقينا وتأديبا وتسمية. ومن لم يعلم وإن شهد كان شاكا حاسدا معاندا. ولذلك قالت العرب: " من جهل أمرا عاداه ومن قصر عنه عابه وألحد فيه "، لانه جاهل غير عالم. - وكان له عليه السلام مع أبي يوسف القاضي كلام طويل ليس هنا موضعه (٥). -
___________________________________
(١) سورة المجادلة آية ٢٢.
(٢) سورة الاعراف آية ١١. وسورة ص آية ٧٧.
(٣) سورة الكهف آية ٤٩، ٥٠.
(٤) سورة لقمان آية ٢٤.
(٥) هو يعقوب بن ابراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد الصحابى الانصارى الكوفى قاضى القضاة من علماء دولة الرشيد. صاحب أبى حنيفة ومن اتباعه ويروى عنه وكان الغالب عليه مذهبه و خالفه في مواضع كثيرة وقد عدوه من أصحاب الرأى والقياس.
قيل: انه أول من لقب بقاضى القضاة وكان يقضى ببغداد سنة ١٦٦ في ايام خروج الهادى إلى جرجان وأقام على القضاء إلى أن توفى سنة ١٨٢ وكان مولده سنة ١١٣ قيل: انه أول من جعل الامتياز بين لباس العلماء وسائر الناس وقد ذكر حكايات من أحواله في تاريخ ابن خلكان والخطيب البغدادى. وقبره في شرقى الصحن المطهر الكاظمى من أرض بغداد.
(*)
[٤٠٧]
ثم قال الرشيد: بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة (١) لما تجاريناه.
فقال عليه السلام: نعم.
واتي بدواة وقرطاس فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم جميع أمور الاديان أربعة: أمر لا أختلاف فيه وهو إجماع الامة على الضرورة التي يضطرون إليها، والاخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة وهو إجماع الامة. وأمر يحتمل الشك والانكار، فسبيله استيضاح أهله (٢) لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها، وسنة مجمع عليها لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصة الامة وعامتها الشك فيه والانكار له (٣). وهذان الامران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش (٤) فما فوقه. فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته وما غمض عليك صوابه (٥) نفيته.
فمن أورد واحدة من هذه الثلاث (٦) فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه: " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين (٧) " يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمه العالم بعلمه، لان الله عدل لا يجور، يحتج على خلقه
___________________________________
(١) اى اقسمك بحق آبائك أن تبين لنا كلمات جامعة في نهاية الاختصار لامورنا الجارية. و " لما " حرف استثناء وكما تدخل على الجملة الاسمية تدخل على الماضى لفظا لا معنى أيضا نحو أنشدك الله لما فعلت أى ما أسألك الا فعلت.
(٢) في بعض النسخ [ استنصاح أهله ].
(٣) ورواه المفيد رحمه الله في الاختصاص ونقله المجلسى - قده - في البحار هكذا " فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أمور الاديان أمران: أمر لا اختلاف فيه وهو اجماع الامة على الضرورة التى يضطرون اليها والاخبار المجتمع عليها، المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة.
وأمر يحتمل الشك والانكار وسبيل استيضاح أهله الحجة عليه.
فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبى صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ضاق على من استوضح تلك الحجة ردها ووجب عليه قبولها والاقرار والديانة بها وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبى صلى الله عليه وآله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة وعامها الشك فيه والانكار له كذلك هذان الامران ... الخ " (٤) في الاختصاص [ إلى ارش الخدش ].
(٥) في الاختصاص [ وما غمض عنك ضوؤه ].
(٦) والظاهر ان المراد بهذه الثلاث: الكتاب والسنة والقياس الذى تعرف العقول عدله.
(٧) سورة الانعام آية ١٥٠.
(*)
[٤٠٨]

بما يعلمون ويدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون. فأجازه الرشيد ورده. والخبر طويل. (١)

___________________________________
(١) تمام الخبر في الاختصاص للمفيد - رحمه الله -.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق