* (وروي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني) *
قال الرضا عليه السلام: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه صلى الله عليه واله وسنة من وليه عليه السلام.
فأما السنة من ربه فكتمان السر.
وأما السنة من نبيه صلى الله عليه واله فمدارأة الناس.
وأما السنة من وليه عليه السلام فالصبر في البأساء والضراء.
وقال عليه السلام: صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله.
وقال عليه السلام: ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة.
وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله.
وقال عليه السلام: من أخلاق الانبياء التنظف.
وقال عليه السلام: ثلاث من سنن المرسلين: العطر وإحفاء الشعر وكثرة الطروقة (٢).
وقال عليه السلام: لم يخنك الامين ولكن ائتمنت الخائن.
وقال عليه السلام: إذا أراد الله أمرا سلب العباد عقولهم، فأنفذ أمره وتمت إرادته.
فإذا أنفذ أمره رد إلى كل ذي عقل عقله، فيقول: كيف ذا ومن أين ذا.
وقال عليه السلام: الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير.
وقال عليه السلام: ما من شئ من الفضول إلا وهو يحتاج إلى الفضول من الكلام.
وقال عليه السلام: الاخ الاكبر بمنزلة الاب.
وسئل عليه السلام عن السفلة فقال: من كان له شئ يلهيه عن الله.
___________________________________
(١) زاد في الكافى والعيون [ فيقدمون، تعدوا وبيت الله الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا اهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل وتعالى: " ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدى القوم الظالمين " وقال: " فتعسا لهم وأضل اعمالهم " وقال: " كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " ].
(٢) الاحفاء: القص. والطروقة: الجماع وفي بعض النسخ [ وإخفاء السر ].
(*)
[٤٤٣]
وكان عليه السلام: يترب الكتاب (١) ويقول: لا بأس به.
وكان إذا أراد أن يكتب تذكرات حوائجه كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله، ثم يكتب ما يريد.
وقال عليه السلام: إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه، وإذا كان غائبا فسمه.
وقال عليه السلام: صديق كل امرء عقله وعدوه جهله.
وقال عليه السلام: التودد إلى الناس نصف العقل.
وقال عليه السلام: إن الله يبغض القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال.
وقال عليه السلام: لا يتم عقل امرء مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول.
والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره. ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه. ولا يمل من طلب العلم طول دهره. الفقر في الله أحب إليه من الغنى. والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه. والخمول أشهى إليه من الشهرة، ثم قال عليه السلام: العاشرة وما العاشرة.
قيل له: ما هي؟ قال عليه السلام لا يرى أحدا إلا قال: هو خير مني وأتقى.
إنما الناس رجلان: رجل خير منه وأتقى ورجل شر منه وأدنى، فإذا لقي الذي شر منه وأدنى قال: لعل خير هذا باطن وهو خير له وخيري ظاهر وهو شر لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به. فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه.
وسأله رجل عن قول الله: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه (٢) "؟ فقال عليه السلام: التوكل درجات: منها أن تثق به في أمرك كله فيما فعل بك، فما فعل بك كنت راضيا وتعلم أنه لم يألك خيرا ونظرا (٣). وتعلم أن الحكم في ذلك له، فتتوكل عليه بتفويض ذلك إليه. ومن ذلك الايمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها فوكلت علمها إليه وإلى أمنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها.
___________________________________
(١) أى يجعل عليه التراب ليجفه. ترب وأترب الشئ: جعل عليه التراب.
(٢) سورة الطلاق آية ٣.
(٣) ألا في الامر: قصر وأبطأ وترك الجهد منه يقال: " لم يأل جهدا ".
(*)
[٤٤٤]
وسأله أحمد بن نجم (١) عن العجب الذي يفسد العمل؟ فقال عليه السلام: العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا. ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله (٢) ولله المنة عليه فيه. قال الفضل (٣) قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: يونس بن عبدالرحمن يزعم أن المعرفة إنما هي اكتساب. قال عليه السلام لا ما أصاب، إن الله يعطي من يشاء، فمنهم من يجعله مستقرا فيه ومنهم من يجعله مستودعا عنده، فأما المستقر، فالذي لا يسلب الله ذلك أبدا. وأما المستودع، فالذي يعطاه الرجل ثم يسلبه إياه. وقال صفوان بن يحيى (٤) سألت الرضا عليه السلام عن المعرفة هل للعباد فيها صنع؟
___________________________________
(١) رواه الكلينى - رحمه الله - في الكافى ج ٢ ص ٣١٣ والصدوق - رضوان الله عليه - في عانى الاخبار باسناده عن على بن سويد المدينى عن ابى الحسن موسى عليه السلام. وأحمد بن نجم لم نجد الايعاز اليه في معاجم الرجال. (٢) وفي بعض النسخ [ فيمتن ].
(٣) الظاهر أنه الفضل بن سنان ولعله ابن سهل ذو الرياستين وزير المأمون وقد مضى ترجمة حاله. ويونس بن عبدالرحمن هو أبومحمد مولى آل يقطين ثقة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما اسلام، كان وجها في أصحابنا متقدما عظيم المنزلة قال ابن النديم: " يونس بن عبدالرحمن من أصحاب موسى بن جعفر عليهما السلام من موالى آل يقطين علامة زمانه كثير التصنيف والتأليف على مذاهب الشيعة " ثم عد كتبه وكان يونس من أصحاب الاجماع ولد في أيام هشام بن عبدالملك ورأى جعفر بن محمد عليهما السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه وروى عن الكاظم والرضا عليهما السلام وكان الرضا عليه السلام يشير إليه في العلم والفتيا وكان ممن بذل على الوقف ما لا جزيلا مات رحمة الله سنة ٢٨٠.
(٤) هو أبومحمد صفوان بن يحيى البجلى الكوفى، بياع السابرى من أصحاب الامام السابع والثامن والتاسع عليهم السلام وأقروا له بالفقه والعلم، ثقة من أصحاب الاجماع وكان وكيل الرضا عليه السلام وصنف كتبا كثيرة وكان من الورع والعبادة ما لم يكن احد في طبقته. ونقل عن الشيخ: " إنه اوثق اهل زمانه عند اصحاب الحديث واعبدهم كان يصلى كل يوم خمسين ومائة ركعة ويصوم في السنة ثلاثة اشهر ويخرج زكاة ماله كل سنة ثلاث مرات وذاك انه اشترك هو وعبدالله بن جندب وعلى بن النعمان في بيت الله الحرام فتعاقدوا جميعا ان مات واحد منهم يصلى من بقى بعده صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ويزكى عنه ما دام حيا فمات صاحباه وبقى صفوان بعدها وكان يفى لهما بذلك وكان يصلى عنهما ويزكى عنها ويصوم عنهما ويحج عنهما وكل شى من البر والصلاح يفعل لنفسه كذلك يفعله عن صاحبيه - إلى ان قال -: ورى عن اربعين رجلا من اصحاب ابى عبدالله عليه السلام. وله كتب كثيرة مثل كتب الحسين بن سعيد وله مسائل عن ابى الحسن موسى عليه السلام ورويات ". مات - رحمه الله - بالمدينة وبعث اليه ابوجعفر بحنوطة وكفنه وامر اسماعيل بن موسى بالصلاة عليه. (*)
[٤٤٥]
قال عليه السلام: لا.
قلت: لهم فيها أجر؟ قال عليه السلام: نعم تطول عليهم بالمعرفة وتطول عليهم بالصواب (١).
وقال الفضيل بن يسار (٢) سألت الرضا عليه السلام عن أفاعيل العباد مخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ قال عليه السلام: هي والله مخلوقة - أراد خلق تقدير لا خلق تكوين -.
ثم قال عليه السلام: إن الايمان أفضل من الاسلام بدرجة والتقوى أفضل من الايمان بدرجة ولم يعط بنو آدم أفضل من اليقين.
وسئل عن خيار العباد؟ فقال عليه السلام: الذين إذا أحسنوا استبشروا. وإذا أساؤا استغفروا، وإذا اعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا.
وسئل عليه السلام عن حد التوكل؟ فقال عليه السلام: أن لا تخاف أحدا إلا الله.
وقال عليه السلام: من السنة إطعام الطعام عند التزويج.
وقال عليه السلام: الايمان أربعة أركان: التوكل على الله، والرضا بقضاء الله. والتسليم لامر الله. والتفويض إلى الله، قال العبد الصالح (٣): " وأفوض أمري إلى الله فوقاه الله سيئات ما مكروا ".
وقال عليه السلام: صل رحمك ولو بشربة من ماء. وأفضل ما توصل به الرحم كف الاذى عنها وقال في كتاب الله: " ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى (٤) ".
وقال عليه السلام: إن من علامات الفقه: الحلم والعلم، والصمت باب من أبواب الحكمة. إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير. (٥)
وقال عليه السلام: إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجرا من المجاهد في سبيل الله.
___________________________________
(١) كذا. وتطول عليه: امتن عليه. والصحيح " الثواب " والسهو من قلم النساخ.
(٢) كذا.
وفضيل بن يسار من اصحاب الامام الصادق عليه السلام ومات في ايامه ولعله كان قاسم بن الفضيل او محمد بن الفضيل لانهما من اصحاب الرضا عليه السلام.
(٣) اراد عليه السلام بالعبد الصالح مؤمن آل فرعون والاية في سورة غافر آيه ٤٤.
(٤) سورة البقرة آية ٢٦٦.
(٥) وفي بعض النسخ [ على كل حق ].
(*)
[٤٤٦]
وقيل له: كيف أصبحت؟ فقال عليه السلام: أصبحت بأجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما يفعل بنا.
وقال عليه السلام: خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشئ من الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته. والكرم في طباعه. والرصانة في خلقه (١). والنبل في نفسه والمخافة لربه.
وقال عليه السلام: ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا.
وقال عليه السلام: السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه، والبخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه.
وقال عليه السلام: إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول الله صلى الله عليه واله (٢).
وقال عليه السلام: يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء: تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت.
وقال لهم معمر بن خلاد (٣) عجل الله فرجك.
فقال عليه السلام: يا معمر ذك فرجكم أنتم، فأما أنا فوالله ما هو إلا مزود فيه كف سويق مختوم بخاتم.
وقال عليه السلام: عونك للضعيف من أفضل الصدقة.
وقال عليه السلام: لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: التفقه في الدين.
وحسن التقدير في المعيشة. والصبر على الرزايا.
وقال عليه السلام لابي هاشم داود بن القاسم الجعفري (٤): يا داود إن لنا عليكم حقا
___________________________________
(١) الارومة: الاصل. رصن - كشرف - أى استحكم واشتد وثبت.
والنبل - بالضم -: الفضل والنجابة.
(٢) أى وقع بنا ما وعده رسول الله صلى الله عليه وآله من الابتلاء والمحن كدين على رقابنا فلا يتخلف.
(٣) هو ابوخلاد معمر بن خلاد بن ابى خلاد بغدادى ثقة من اصحاب الرضا عليه السلام وله كتب.
(٤) هو ابوهاشم داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن ابى طالب ثقة جليل القدر عظيم المنزلة عند الائمة شريف القدر وقد شاهد جماعة منهم الامام الثامن إلى الامام الثانى عشر عليهم السلام وله موقع جليل عندهم وكان منقطعا اليهم وروى عنهم وله منهم اخبار ورسائل ورايات " بقية الحاشية في الصفحة الاتية " (*)
[٤٤٧]
برسول الله صلى الله عليه واله، وإن لكم علينا حقا. فمن عرف حقنا وجب حقه، ومن لم يعرف حقنا فلا حق له.
وحضر عليه السلام يوما مجلس المأمون وذو الرياستين حاضر، فتذاكروا الليل والنهار وأيهما خلق قبل صاحبه.
فسأل ذو الرياستين الرضا عليه السلام عن ذلك؟ فقال عليه السلام له: تحب أن أعطيك الجواب من كتاب الله أم حسابك؟ فقال: أريده أولا من الحساب، فقال عليه السلام: أليس تقولون: إن طالع الدنيا السرطان وإن الكواكب كانت في أشرافها؟ قال: نعم. قال: فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والمريخ في الجدي والزهرة في الحوت والقمر في الثور والشمس في وسط السماء في الحمل وهذا لا يكون إلا نهارا. قال: نعم. قال: فمن كتاب الله؟ قال عليه السلام: قوله: " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " أي إن النهار سبقه (١).
___________________________________
" بقية الحاشية من الصحفة الماضية " من دلائل ابى الحسن الهادى عليه السلام وقال: ما دخلت على ابى الحسن وابن محمد عليهما السلام إلا رأيت منها دلالة وبرهانا. وقال السيد ابن طاووس: إنه من وكلاء الناحية الذين لا تختلف الشيعة فيهم " كان ابوهاشم عالما عاملا اديبا ورعا زاهدا ناسكا ولم يكن في آل ابى طالب مثله في زمانه في علو النسب وكان مقدما عند السلطان توفى رحمه الله سنة ٢٦١. وكان ابوه القاسم بن اسحاق امير اليمن رجلا جليلا وهو ابن خالة مولانا الصادق عليه السلام لان ام حكيم بنت القاسم بن محمد بن ابى بكر اخت ام فروة ام مولانا الصادق عليه السلام.
(١) رواه الطبرسى - رحمه الله - في المجمع عند بيان الاية عن تفسير العياشى عن الاشعث بن حاتم هكذا " قال: كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه السلام والفضل بن سهل والمأمون في ايوان الحبرى بمرو فوضعت المائدة فقال الرضا عليه السلام: إن رجلا من بنى اسرائيل سألنى بالمدينة فقال: النهار خلق قبل ام الليل، فما عندكم؟ قال: فأداروا الكلام فلم يكن عندهم في ذلك شئ، فقال الفضل للرضا عليه السلام أخبرنا بها - أصلحك الله - قال: نعم من القرآن أم من الحساب؟ قال له الفضل: من جهة الحساب. فقال: قد علمت يا فضل أن طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها؟ فزحل في الميزان والمشترى في السرطان والشمس في الحمل والقمر في الثور فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر في الطالع في وسط السماء فالنهار خلق قبل الليل. وفى قوله تعالى " لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " أى قد سبقه النهار. انتهى.
أقول: لما كان وجود الليل والنهار أمران منتزعان من الشمس وحركته فهما مولودان لدورتها.
وتأخر الامر الانتزاعى على منشأ الانتزاع مما لا ريب فيه. وبعبارة اخرى لما كان وجود الليل والنهار فرع وجود الشمس فاذا كان الشمس كان النهار فاذا كان النهار كان الليل. فوجود الليل منتزع من النهار. فتأمل وفي قوله عليه السلام: " أم حسابك " اشارة إلى أن الجواب على وفق مذهب السائل. والآية في سورة يس آية ٤٠. (*)
[٤٤٨]
قال علي بن شعيب (١) دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال لي: يا علي من أحسن الناس معاشا؟ قلت: أنت يا سيدي أعلم به مني.
فقال عليه السلام: يا علي من حسن معاش غيره في معاشة.
يا علي من أسوء الناس معاشا؟ قلت: أنت أعلم، قال من لم يعش غيره في معاشه.
يا علي أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم (٢).
يا علي إن شر الناس من منع رفده وأكل وحده وجلد عبده.
وقال له عليه السلام رجل في يوم الفطر: إني افطرت اليوم على تمر وطين القبر.
فقال عليه السلام: جمعت السنة والبركة.
وقال عليه السلام لابي هاشم الجعفري: يا أبا هاشم العقل حباء من الله، والادب كلفة، فمن تكلف الادب قدر عليه ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلا (٣).
وقال أحمد بن عمر، والحسين بن يزيد (٤): دخلنا على الرضا عليه السلام فقلنا: إنا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغير فادع الله أن يرد ذلك إلينا؟ فقال عليه السلام: أي شئ تريدون تكونون ملوكا؟ أيسركم أن تكونوا مثل
___________________________________
(١) قال صاحب تنقيح المقال - ره -: لم اقف عليه بهذا العنوان في كتب الرجال وانما وقفنا فيها على على بن أبى شعيب المدائنى وقال: له كتاب صغير والظاهر كونه إماميا.
(٢) الجوار - بالكسر - مصدر بمعنى المجاورة. ونأت عن قوم أى بعدت عنه.
والمرد ان النعمة وحشية فيجب على من اصابها ونال منها إن اراد بقاءها وداوامها ان يعامل معها معاملة الحيوان الوحشى الذى اذا هرب لم يعد.
(٣) الحباء - بالكسر -: العطية. والمرد ان العقل غريزة موهبة من الله فكان في فطرة الانسان وجبلته فليس للكسب فيه أثر فمن لم يكن فيه عقل ليس له صلاحية اكتساب العقل بخلاف الادب فان الادب هو السيرة والطريقة الحسنة في المحاورات والمعاشرات فيمكن للانسان تحصيلة بان يتجشمه ويتكلفه. وأبوهاشم الجعفرى هو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبى طالب الذى تقدم شرح حاله في ص ٤٤٦.
(٤) هو أحمد بن عمر بن أبى شعبة الحلبى ثقة من أصحاب الامام السابع والثامن عليهما السلام وله كتاب. وأما الحسين بن يزيد هو ابن عبدالملك النوفلى المتطبب من أصحاب الامام الثامن.
كان أديبا شاعرا سكن الرى ومات بها - رحمه الله -.
(*)
[٤٤٩]
طاهر وهرثمة (١) وإنكم على خلاف ما أنتم عليه؟ فقلت: لا والله ما سرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه.
فقال عليه السلام: إن الله يقول: " اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور (٢) ". أحسن الظن بالله، فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه (٣). ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل. ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته ونعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواءها و أخرجه منها سالما إلى دار السلام.
___________________________________
(١) الطاهر هو أبوالطيب أو أبوطلحة طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن ماهان الملقب بذى اليمينين والى خراسان كان من أكبر قواد المأمون والمجاهدين في تثبيت دولته كان جده زريق بن ماهان أو باذان مجوسيا فاسلم على يد طلحة الطلحات الخزاعى المشهور بالكرم والى سجستان وكان مولاه ولذلك اشتهر الطاهر بالخزاعى وكان هو الذى سيره المأمون من خراسان إلى محاربة أخيه الامين محمد بن زبيدة ببغداد لما خلع المأمون بيعته وسير الامين على بن عيسى بن ماهان لدفعه فالتقيا بالرى وقتل على بن عيسى وكسر جيش الامين وتقدم الطاهر إلى بغداد وأخذ ما في طريقه من البلاد وحاصر بغداد وقتل الامين سنة ١٩٨ وحمل برأسه إلى خراسان وعقد للمأمون على الخلافة فلما استقل المأمون بالملك كتب إليه وهو مقيم ببغداد وكان واليا عليها بأن يسلم إلى الحسن بن سهل جميع ما افتتحه من البلاد وهى العراق وبلاد الجبل وفارس وأهواز والحجاز واليمن وأن يتوجه هو إلى الرقة وولاء الموصل وبلاد الجزيرة والشام والمغرب فكان فيها إلى أن قدم المأمون بغداد فجاء اليه وكان المأمون يرعاه لمناصحته وخدمته ولقبه ذا اليمينين وذلك أنه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين في وقعته مع على بن عيسى بن ماهان حتى قال بعض الشعراء: " كلتا يديك يمين حين تضربه " فبعثه إلى خراسان فكان واليا عليها إلى أن توفى سنة ٢٠٧ بمرو وهو الذي أسس دولة آل طاهر في خراسان وما والاها من ٢٠٥ إلى ٢٥٩ وكان طاهر من أصحاب الرضا عليه السلام كان متشيعا وينسب التشيع أيضا إلى بنى طاهر كما في مروج الذهب وغيره.
ولد طاهر سنة ١٥٩ في توشنج من بلاد خراسان وله عهد إلى ابنه وهو من أحسن الرسائل.
وهرثمة هو هرثمة بن أعين كان أيضا من قواد المأمون وفى خدمته وكان مشهورا معروفا بالتشيع ومحبا لاهل البيت من أصحاب الرضا عليه السلام بل من خواصه وأصحاب سره ويأخذ نفسه انه من شيعته وكان قائما بمصالحه وكانت له محبة تامة وإخلاص كامل له.
(٢) سورة سبأ آية ١٢.
(٣) قيل: معناه أنه عزوجل عند ظن عبده في حسن عمله وسوء عمله لان من حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه.
(*)
[٤٥٠]
وقال له ابن السكيت (١): ما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال عليه السلام: العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه.
فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب.
وقال عليه السلام: لا يقبل الرجل يد الرجل، فإن قبلة يده كالصلاة له (٢).
وقال عليه السلام: قبلة الام على الفم. وقبلة الاخت على الخد. وقبلة الامام بين عينيه.
وقال عليه السلام: ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملول وفاء ولا لكذوب مروة.
___________________________________
(١) هو أبويوسف يعقوب بن اسحاق الذروقى الاهوازى من رجال الفرس، المعروف بابن السكيت كان أحد أعلام اللغويين وجها بذة المتأدبين، حامل لواء علم العربية والادب والشعر واللغة ويتصرف في أنواع العلوم، ثقة جليل القدر عظيم المنزلة وكان من عظماء الشيعة ومن خواص أصحاب الامام التاسع والعاشر وكان المتوكل الخليفة العباسى قد ألزمه تأديب أولاده وكان في أول أمره يؤدب مع أبيه بمدينة السلام في درب القنطرة صبيان العامة حتى احتاج إلى الكسب فجعل يتعلم النحو. وكان أبوه رجلا صالحا وأديبا عالما وكان من أصحاب الكسائى حسن المعرفة بالعربية وحكى عنه أنه كان قد حج فطاف بالبيت وسعى وسأل الله تعالى أن يعلم ابنه العلم.
كان لابن السكيت تصانيف جيدة مفيدة منها اصلاح المنطق في اللغة ونقل عن ابن خلكان انه قال بعد نقل كلام: " ولا شك أنه من الكتب النافعة الممتعة الجامع لكثير من اللغة ولا يعرف في حجمه مثله في بابه وقد عنى به جماعة واختصره الوزير ابوالقاسم الحسين بن على المعروف بابن المغربى. وهذبه الخطيب أبوزكريا التبريزى - إلى أن قال -: ولم يكن بعد ابن الاعرابى اعلم باللغة من ابن السكيت إلخ ". كان مولده رحمه الله في حوالى سنة ١٨٦ وعاش نحو ثمان وخمسين سنة وقتله المتوكل العباسى وسببه ان المتوكل قال له يوما: ايما احب اليك ابناى هذان اى المعتز والمؤيد ام الحسن والحسين [ عليهما السلام ]؟ فقال ابن السكيت: والله إن قنبر خادم على بن ابى طالب خير منك ومن ابنيك. فقال المتوكل للاتراك: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا فمات وقيل: اثنى على الحسن والحسين. ولم يذكرا بنيه. فامر المتوكل فداسوا بطنه فحمل إلى داره فمات بعد غد ذلك اليوم رحمة الله عليه -.
(٢) في الكافى ج ٢ ص ١٨٥ باسناده عن رفاعة بن موسى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: لا يقبل رأس احد ولا ده إلا [ يد ] رسول الله أو من اريد به رسول الله صلى الله عليه وآله.
(*)
[٤٥١]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق