* (رسالته عليه السلام إلى جماعة شيعته وأصحابه (٥)) *
أما بعد فسلوا ربكم العافية. وعليكم بالدعة والوقار (٦) والسكينة والحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون منكم. وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم. وإياكم ومماظتهم (٧). دينوا فيما بينكم وبينهم - إذا أنتم جالستموهم
___________________________________
(١) في بعض النسخ [ سباب ].
(٢) أى في الدرجة الرفيعة العالية.
(٣) الوكر: عش الطائر أى بيته وموضعه.
(٤) تهطل المطر: نزل متتابعا عظيم القطر.
(٥) هذه الرسالة مختارة من التى رواها الكلينى (ره) في الروضة باسناده عن أبى عبدالله عليه السلام أنه كتبها إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.
(٦) الدعة: الخفض والطمأنينة.
(٧) المجاملة: المعاملة بالجميل والضيم: الظلم.
والمماظة - بالمعجمة -: شدة المنازعة و المخاصمة مع طول اللزوم.
(*)
[٣١٤]
وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام، فإنه لابد لكم من مجالستهم ومخالطتهم و منازعتهم - بالتقية (١) التي أمركم الله بها، فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم ويعرفون في وجوهكم المنكر. ولولا أن الله يدفعهم عنكم لسطوا بكم (٢). وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم ومجالسهم واحدة وإن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل - أصل الخلق - مؤمنا لم يمت حتى يكره إليه الشر ويباعده منه. ومن كره الله إليه الشر وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية، فلانت عريكته (٣) وحسن خلقه وطلق وجهه وصار عليه وقار الاسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه. ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شئ. وإن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل - أصل الخلق - كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه. فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ابتلي بالكبر والجبرية، فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها. فبعد ما بين حال المؤمن والكافر فسلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله. أكثروا من الدعاء، فإن الله يحب من عباده الذين يدعونه.
وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة. وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، فإن الله أمر بكثرة الذكر له، والله ذاكر من ذكره من المؤمنين، إن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير.
وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (٤)، كما
___________________________________
(١) " بالتقية " متعلق بدينوا وما بينهما معترض.
(٢) السطو: القهر.
أى وثبوا عليكم وقهروكم وفى بعض النسخ [ لبطشوا بكم ].
(٣) العريكة: الطبيعة والخلق والنفس.
(٤) قال الله تعالى في سورة البقرة آية ٢٣٩.
" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ".
(*)
[٣١٥]
أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم.
وعليكم بحب المساكين المسلمين، فإن من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت (١) وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله: " أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم".
واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس (٢) أشد مقتا فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين، فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم، فإن الله أمر نبيه صلى الله عليه وآله بحبهم، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله و من عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات [ وهو ] من الغاوين. إياكم والعظمة والكبر، فإن الكبر رداء الله، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة.
إياكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه. ومن نصره الله غلب و أصاب الظفر من الله.
إياكم أن يحسد بعضكم بعضا، فإن الكفر أصله الحسد (٣).
إياكم أن تعينوا على على مسلم مظلوم يدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم، فإن أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة ".
إياكم أن تشره نفوسكم (٤) إلى شئ مما حرم الله عليكم، فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة أبد الآبدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق