السبت، 28 نوفمبر 2015

ما روي عن الإمام الرضا (ع) - وصفه عليه السلام الامامة والامام ومنزلته

* (وصفه عليه السلام الامامة والامام ومنزلته) *
قال عبدالعزيز بن مسلم (٦): كنا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في المسجد الجامع بها، فأدار الناس بينهم أمر الامامة، فذكروا كثرة الاختلاف فيها. فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليه السلام فاعلمته بما خاض الناس فيه. فتبسم عليه السلام.
ثم قال عليه السلام: يا عبدالعزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إن الله عزوجل لم
___________________________________
(١) سورة المؤمن آية ٢٨.
(٢) سورة طه آية ١٣٢.
(٣) في العيون [ إذ امرنا مع الامة باقامة الصلاة ثم خصصنا من دون الامة ].
(٤) في العيون [ فخصنا من دون جميع أهل بيتهم ].
(٥) زاد في العيون [ فقال المأمون والعلماء جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن الامة خيرا فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم ].
(٦) عده علماء الرجال من أصحاب الرضا عليه السلام وحسنوا حاله.
والرواية رواها الكلينى في الكافى ج ١ ص ٢٠١ والصدوق في كمال الدين وعيون أخبار الرضا والنعمانى في كتاب الغيبة والطبرسى في الاحتجاج ونحن نشير إلى بعض موارد الاختلاف.
(*)
[٤٣٧]
يقبض نبيه صلى الله عليه واله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ وبين فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال: " ما فرطنا في الكتاب من شئ (١) ". وأنزل عليه في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه واله " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نمعتي ورضيت لكم الاسلام دينا (٢) ". وأمر الامامة من كمال الدين.
ولم يمض صلى الله عليه واله حتى بين لامته معالم دينه وأوضح لهم سبلهم وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإماما، وما ترك شيئا مما تحتاج إليه الامة إلا وقد بينه.
فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فقد كفر. هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الامة، فيجوز فيها اختيارهم (٣). إن الامامة خص الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره (٤)، فقال عزوجل: وإذ ابتلى إبراهيم ربه كلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما "، قال الخليل سرورا بها: " ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (٥) ". فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة.
ثم أكرمها الله بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة، فقال: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين (٦) ".
فلم تزل ترثها ذريته عليه السلام بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي صلى الله عليه واله، فقال الله: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا (٧) " فكانت لهم خاصة
___________________________________
(١) سورة الانعام آية ٣٨.
(٢) سورة المائدة آية ٥.
(٣) زاد في الكافى والعيون [ إن الامامة أجل قدرا واعظم شأنا وإعلا مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوا بآرائهم أو يقيموا اماما باختيارهم ].
(٤) الاشادة رفع الصوت بالشئ.
(٥) سورة البقرة آية ١٢٤.
(٦) سورة الانبياء آية ٧٢.
(٧) سورة آل عمران آيه ٦٧.
(*)
[٤٣٨]
فقلدها النبي صلى الله عليه واله عليا عليه السلام (١)، فصارت في ذريته الاصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان وذلك قوله: " وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون (٢) " على رسم ما جرى وما فرضه الله في ولده إلى يوم القيامة(٣). إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله فمن أين يختار هذه الجهال الامامة بآرائهم. إن الامامة منزلة الانبياء وإرث الاوصياء، إن الامامة خلافة الله وخلافة رسوله صلى الله عليه واله ومقام أمير المؤمنين عليه السلام وخلافة الحسن والحسين عليهما السلام. إن الامام (٤) زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين. الامام (٥) أس الاسلام النامي وفرعه السامي. بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيئ والصدقات وإمضاء الحدود والاحكام ومنع الثغور والاطراف. الامام يحلل حلال الله ويحرم حرامه ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة. الامام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهو بالافق حيث لا تناله الابصار ولا الايدي. الامام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الطالع والنجم الهادي في غيابات الدجى (٦) والدليل على الهدى والمنجي من الردى (٧).
___________________________________
(١) وزاد في الكافى والعيون [ بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ].
(٢) سورة الروم آية ٥٦.
(٣) في الكافى والعيون [ فهى في ولد على عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة ].
(٤)، (٥) في الكافى والعيون [ ان الامامة ].
(٦) الغيبة والغيابة من كل شئ: ما سترك منه - ومن الوادى والجب: قعره.
والغابة: الاجمة وهى موضع ذات الشجر المتكاثف لانها تغيب ما فيها.
والدجى - بالضم -: جمع دجية - كغرفة - أى ظلمة.
وفي الكافى والعيون [ في غياهب الدجى ] وهى جمع غيهب أى الظلمة.
وزادا أيضا [ وجواز البلدان والقفاز ولجج البحار. الامام الماء العذب على الظماء ].
(٧) الردى - بالفتح -: الهلاك.
(*)
[٤٣٩]
الامام النار على اليفاع (١)، الحار لمن اصطلى والدليل في المهالك، من فارقه فهالك. الامام السحاب الماطر والغيث الهاطل (٢) والسماء الظليلة والارض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة(٣).
الامام الامين الرفيق، والولد الشفيق والاخ الشقيق وكالام البرة بالولد الصغير ومفزع العباد (٤).
الامام أمين الله في أرضه وخلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذاب عن حريم الله.
الامام مطهر من الذنوب، مبرء من العيوب، مخصوص بالعلم، موسوم بالحلم، نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.
الامام واحد دهره، لا يدانيه أحد (٥) ولا يعادله عالم ولا يوجد له بدل ولا له مثل ولا نظير.
مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذا يبلغ معرفة الامام أو كنه وصفه (٦).
هيهات هيهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الالباب (٧) وحصرت الخطباء وكلت الشعراء(٨) وعجزت الادباء وعييت البلغاء وفحمت العلماء (٩) عن وصف
___________________________________
(١) اليفاع: التل المشرف. وكل ما ارتفع من الارض. والمراد ان الامام عليه السلام نور يضيئ للقريب والبعيد. " الحار لمن اصطلى " أى حار لمن أراد الانتفاع به. والمهالك: جمع مهلكة، والمراد هنا المفازة لانها موضع الهلاك.
(٢) الهاطل: المطر الشديد المتفرق العظيم القطر. وزاد هنا في الكافى [ والشمس المضيئة ].
(٣) " الارض البسيطة " أى الواسعة. والغزيرة: الكثيرة الماء.
والغدير: القطعة من النبات أو القطعة من الماء يتركها السيل وأيضا النهر.
والروضة: أرض مخضرة من أنواع النبات.
(٤) زاد في الكافى والعيون [ في الداهية والنآد ] أى الامر العظيم.
(٥) قد يقرء في بعض النسخ [ يداينه ] أى يعامله ويحاكمه.
(٦) في الكافى والعيون [ فمن ذا الذى يبلغ معرفة الامام أو يمكنه اختياره ].
(٧) زاد فيهما [ وخسئت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء ].
(٨) " حصرت الخطباء " أى ضاق صدرهم. وكلت أى عييت وعجزت.
(٩) " فحمت العلماء " أى سكتت وعجزت ولم تستطع جوابا وليست هذه الجملة في الكافى والعيون.
(*)
[٤٤٠]
شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرت بالعجز والتقصير فكيف يوصف بكليته، أو ينعت بكيفيته (١)، أو يوجد من يقوم مقامه، أو يغني غناه. وأنى وهو بحيث النجم عن أيدي المتناولين ووصف الواصفين (٢)، أيظنون أنه يوجد ذلك في غير آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم، كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الاباطيل إذ ارتقوا مرتقى (٣) صعبا ومنزلا دحضا زلت بها إلى الحضيض أقدامهم، إذ راموا إقامة إمام بآرائهم (٤) وكيف لهم باختيار إمام.
والامام عالم لا يجهل وراع لا يمكر (٥)، معدن النبوة (٦) لا يغمز فيه بنسب (٧)
___________________________________
(١) في الكافى والعيون [ وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شئ من أمره ].
(٢) " أنى " للاستفهام الانكارى والواو للحال والضمير يرجع إلى الامام عليه السلام والباء بمعنى في وحيث ظرف مكان والمراد أن الامام عليه السلام كان كالنجم في البعد وعلو المرتبة فلا يصل إليه الافكار ولا يمكن أن يوصف كما هو حقه. وفى الكافى والعيون [ لا وكيف وأنى وهو بحيث النجم عن يد المتناولين ووصف الواصفين ].
(٣) " منتهم " أضعفتهم. أو ألقت في انفسم الامانى. ارتقى الجبل: صعد. والمرتقى: موضع الارتقاء.
ودحضا أى زلقا. والحضيض: القرار من الارض عند أسفل الجبل.
(٤) زاد في الكافى والعيون [ راموا إقامة الامام بعقول حائرة، بائرة، ناقصة. وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا قاتلهم الله أنى يؤفكون ولقد راموا صعبا وقالوا إفكا وضلو ضلالا بعيد ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الامام عن بصيرة وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين. رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم: " وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون " وقال [ الله ] عزوجل: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيره من أمرهم - الاية " -. وقال: " ما لكم كيف تحكمون؟ ! أم لكم كتاب فيه تدرسول؟ ! ان لكم فيه لما تخيرون؟ ! أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة؟ ! ان لكم لما تحكمون؟ ! سلهم أيهم بذلك زعيم. أم لهم شركاء؟ ! فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين " وقال تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون " أم قالوا سمعنا وهم لا يسمعون * إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون " أم " قالوا سمعنا وعصينا " بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوا الفضل العظيم]. وقوله: " راموا " أى أرادوا.
(٥) راع أى حافظ للامة. وفي الكافى والعيون [ لا ينكل ] أى لا يضعف ولا يجبن.
(٦) في الكافى والعيون [ معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول ونسل المطهرة البتول ].
(٧) أغمز فيه: عابه وصغر من شأنه. (*)
[٤٤١]
ولا يدانيه ذو حسب، فالبيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول صلى الله عليه واله (١)، شرف الاشراف والفرع عن عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالامر (٢)، عالم بالسياسة، مستحق للرئاسة، مفترض الطاعة. قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله. إن الانبياء والاوصياء صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويسددهم ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم، يكون علمهم فوق علم أهل زمانهم، وقد قال الله عزوجل: " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (٣) ".
وقال تعالى في قصة طالوت: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء (٤) ".
وقال في قصة داود عليه السلام: " وقتل دواد جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء (٥)".
وقال لنبيه صلى الله عليه واله: " وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما (٦) ".
وقال في الائمة من أهل بيته وعترته وذريته: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله - إلى قوله - سعيرا (٧) ". وإن العبد إذا اختاره الله لامور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وأطلق على لسانه (٨) فلم يعي بعده بجواب ولم تجد فيه غير صواب (٩)، فهو موفق مسدد مؤيد، قد أمن من الخطأ والزلل . خصه بذلك ليكون ذلك حجة على خلقه شاهدا على عباده (١٠)، فهل يقدرون على مثل هذا
___________________________________
(١) الذروة - بالضم والكسر -: العلو. ومن كل شئ: أعلاه.
وفي الكافى والعيون [ والعترة من آل الرسول والرضا من الله ].
(٢) اضطلع بهذا الامر: قوى وقدر عليه فكأنه قوى عليه ضلوعه بحمله.
(٣) سورة يونس آية ٣٥. وزاد في الكافى والعيون [ وقوله تعالى: " ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثير " ].
(٤) سورة البقرة آية ٢٤٧. وزادا بقية الاية [ والله واسع عليم ].
(٥) سورة البقرة آية ٢٥٥. ومن رقم (٤) إلى (٥) ليست فيهما (٦) سورة النساء آية ١١٣.
وفيها " وأنزل الله عليك الكتاب ... الخ ".
(٧) سورة النساء آية ٥٥، ٥٧.
(٨) في الكافى والعيون [ وألهمه العلم إلهاما ].
(٩) في الكافى والعيون [ ولا يحير فيه عن الصواب فهو معصوم، مؤيد، موفق ].
(١٠) زاد في الكافى والعيون [ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ].
(*)
[٤٤٢]

فيختارونه فيكون مختارهم بهذه الصفة (١). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق