* (وروى عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني) *
قال عليه السلام: ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه (٢) في رزقه ولا يتهمه في قضائه.
وقال رجل: سألته عن اليقين؟ فقال عليه السلام: يتوكل على الله، ويسلم لله، ويرضى بقضاء الله، ويفوض إلى الله.
وقال عبدالله بن يحيى (٣): كتبت إليه في دعاء " الحمد لله منتهى علمه " فكتب عليه السلام: لا تقولن منتهى علمه، فإنه ليس لعلمه منتهى. ولكن قل: منتهى رضاه.
وسأله رجل عن الجواد؟ فقال عليه السلام: إن لكلامك وجهين، فإن كنت تسأل عن المخلوقين، فإن الجواد، الذي يؤدي ما افترض الله عليه. والبخيل من بخل بما افترض الله. وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع، لانه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك منعك ما ليس لك.
وقال لبعض شيعته: أي فلان ! إتق الله وقل الحق وإن كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك، أي فلان ! اتق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك. فإن فيه هلاكك.
وقال له وكيله: والله ما خنتك.
فقال عليه السلام له: خيانتك وتضييعك علي مالي سواء والخيانة شرهما عليك.
وقال عليه السلام: إياك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثليه في معصية الله.
وقال عليه السلام: المؤمن مثل كفتى الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه.
وقال عليه السلام عند قبر حضره (٤): إن شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله. وإن شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره.
___________________________________
(١) تمام الخبر في الاختصاص للمفيد - رحمه الله -.
(٢) أى لا يجده بطيئا.
(٣) رواه الصدوق - رحمه الله - في التوحيد باب العلم باسناده عن الكاهلى عن موسى بن جعفر عليه السلام. وعبدالله بن يحيى الكاهلى الاسدى الكوفى أخو اسحاق بن يحيى من وجوه اصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام وله كتاب.
(٤) وفى بعض النسخ [ حفره ].
(*)
[٤٠٩]
وقال عليه السلام: من تكلم في الله هلك. ومن طلب الرئاسة هلك. ومن دخله العجب هلك.
وقال عليه السلام: إشتدت مؤونة الدنيا والدين: فأما مؤونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شئ منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه. وأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد أعوانا يعينونك عليه.
وقال عليه السلام: أربعة من الوسواس: أكل الطين وفت الطين. وتقليم الاظفار بالاسنان. وأكل اللحية.
وثلاث يجلين البصر: النظر إلى الخضرة. والنطر إلى الماء الجاري. والنظر إلى الوجه الحسن.
وقال عليه السلام: ليس حسن الجوار كف الاذى ولكن حسن الجوار الصبر على الاذى.
وقال عليه السلام: لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك (١). وأبق منها، فإن ذهابها ذهاب الحياء.
وقال عليه السلام لبعض ولده: يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها. وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها. وعليك بالجد. ولا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإن الله لا يعبد حق عبادته. وإياك والمزاح، فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروتك. وإياك والضجر والكسل، فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة.
وقال عليه السلام: إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لاحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه.
وقال عليه السلام: ليس القبلة على الفم إلا للزوجة والولد الصغير.
وقال عليه السلام: اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله. وساعة لامر المعاش. وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم وبهذه الساعة
___________________________________
(١) الحشمة: الانقباض والاستحياء.
(*)
[٤١٠]
تقدرون على الثلاث ساعات.
لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل. ومن حدثا بطول العمر يحرص. اجعلوا لانفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروة وما لا سرف فيه. واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي " ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه ".
وقال عليه السلام: تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا. وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب. ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا.
وقال عليه السلام لعلي بن يقطين (١): كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان.
وقال عليه السلام: كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون.
___________________________________
(١) هو على بن يقطين بن موسى مولى بنى أسد كوفى الاصل سكن بغداد من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام قال الشيخ في الفهرست: على بن يقطين - رحمه الله - ثقة جليل القدر له منزلة عظيمة عند أبى الحسن [ موسى بن جعفر عليهما السلام ] عظيم المكان في الطائفة. وكان يقطين من وجوه الدعاة. فطلبه مروان فهرب وابنه على بن يقطين هذا رحمه الله ولد بالكوفة سنة ١٢٤ و هربت به امه وبأخيه عبيد بن يقطين إلى المدينة فلما ظهرت الدولة الهاشمية ظهر يقطين وعادت ام على بعلى وعبيد فلم يزل يقطين بخدمة السفاح وابى جعفر المنصور ومع ذلك كان يتشيع ويقول بالامامة وكذلك ولده وكان رحمه الله يحمل الاموال إلى ابى عبدالله جعفر الصادق عليه السلام ونم خبره إلى المنصور والمهدى فصرف الله عنه كيدهما وتوفى على بن يقطين بمدينة السلام ببغداد سنة ١٨٢ وسنه يومئذ ٥٧ سنة وصلى عليه ولى العهد محمد بن الرشيد وتوفى ابوه بعده سنة ١٨٥ ولعلى بن يقطين كتب منها كتاب ما سأل عن الصادق عليه السلام من الملاحم وكتاب مناظرة الشاك بحضرته - انتهى.
وكانت وفات على بن يقطين في أيام كان ابوالحسن عليه السلام محبوسا في سجن هارون ببغداد وبقى عليه السلام اربع سنين فيه بعد على بن يقطين. وله ايضا مسائل عن أبى الحسن عليه السلام واستأذنه في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال عليه السلام: " لا تفعل فان لنا بك أنسا ولاخوانك لك عزا وعسى أن يجبر الله بك كسرا ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه. يا على كفارة أعمالكم الاحسان إلى إخوانكم ". وضمن على بن يقطين لابى الحسن عليه السلام ان لا يأتيه ولى له الا اكرمه. فضمن أبوالحسن عليه السلام له ثلاث خصال: لا يظله سقف سجن أبدا ولا يناله حد سيف أبدا ولا يدخل الفقر فيه أبدا.
(*)
[٤١١]
وقال عليه السلام: إذا كان الامام عادلا كان له الاجر وعليك الشكر. وإذا كان جائرا كان عليه الوزر وعليك الصبر.
وقال أبوحنيفة (١) حججت في أيام أبي عبدالله الصادق عليه السلام فلما أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي يدرج (٢)، فقلت: يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال: على رسلك (٣). ثم جلس مستندا إلى الحائط.
ثم قال: توق شطوط الانهار ومساقط الثمار وأفنية المساجد وقارعة الطريق (٤). وتوار خلف جدار وشل ثوبك (٥). ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها. وضع حيث شئت.
فأعجبني ما سمعت من الصبي، فقلت له: ما اسمك؟ فقال: أنا موسى بن جعفر بن محمد بن
___________________________________
(١) هو نعمان بن ثابت بن زوطى أحد الائمة الاربعة كان جده من الفرس من موالى تيم الله ابن ثعلبة فمسه الرق فأعتق فكان أبوحنيفة من ابناء الفرس ولد سنة ٨٠ بالكوفة وكان خزازا يبيع الخز صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه. واذا لم يجد نصا في الكتاب والسنة عمل بالقياس حتى قيل: إنه قاس في امور معاشة. وهو أول من قاس في الاسلام. واتهم باجازة وضع الحديث على وفق مذهبه وعدوه من المرجئة الذين يقولون لا تضر مع الايمان معصية، وقيل: رد على رسول الله صلى الله عليه وآله اربعمائة حديث أو أكثر فقال: لو أدركنى رسول الله لاخذ بكثير من قولى. ونقل الخطيب في تاريخ بغداد بعضها ويعاب عليه أيضا بعدم علمه بقواعد العربية. مات سنة ١٥٠. واتفق انه في يوم وفاته ولد الشافعى ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد. مشهورة معروف عند العامة بالامام الاعظم وبنى شرف الملك أبوسعد محمد بن منصور الخوارزمى مستوفى مملكة السلطان ملكشاه السلجوقى على قبره مشهدا و قبة وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفية وقيل: ان الذى أمر ببناء هذه العمارة هو البار أرسلان محمد والد السلطان ملكشاه وكان الامير أبوسعد نائبا عليها.
وفي الاخيار: ان ابا حنيفة جاء يوما إلى الصادق عليه السلام ليسمع منه وخرج عليه السلام يتوكأ على عصا فقال له ابوحنيفة يا ابن رسول الله ما بلغت من السن ما يحتاج معه إلى العصا قال: هو كذلك ولكنها عصا رسول الله صلى الله عليه وآله اردت أتبرك بها فوثب أبوحنفية إليها وقال له: اقبلها يا ابن رسول الله؟ فحسر عليه السلام عن ذراعه وقال والله لقد علمت أن هذا بشر رسول الله صلى الله عليه وآله وان هذا من شعره فما قبلته وتقبل عصا.
(٢) درج الصبى: مشى قليلا في أول ما يمشى.
(٣) الرسل والرسلة: الرفق والتمهل. يقال: على رسلك يا رجل أى على مهلك.
(٤) قارعة الطريق: أعلاه ومعظمه وهى موضع قرع المارة.
(٥) اى ارفع ثوبك. - من شال يشول شولا الشئ - أى رفعه.
(*)
[٤١٢]
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
فقلت له: يا غلام ممن المعصية؟ فقال عليه السلام: إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث: إما أن تكون من الله وليست منه فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على ما لا يرتكب.
وإما أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف.
وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عفا [ ف ] بكرمه وجوده، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته.
قال أبوحنيفة: فانصرفت ولم ألق أبا عبدالله عليه السلام واستغنيت بما سمعت.
وقال له أبوأحمد الخراساني: الكفر أقدم أم الشرك (١)؟ فقال عليه السلام له: مالك ولهذا ما عهدي بك تكلم الناس. قلت: أمرني هشام بن الحكم (٢) أن أسألك.
[ ف ] قال: قل له: الكفر أقدم، أول من كفر إبليس " أبى واستكبر وكان من الكافرين (٣) " والكفر شئ واحد والشرك يثبت واحدا ويشرك معه وغيره.
ورأى رجلين يتسابان فقال عليه السلام: البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم.
وقال عليه السلام: ينادي مناد يوم القيامة: ألا من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم إلا من عفا وأصلح فأجره على الله.
وقال عليه السلام: السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يتخلى الله عنه حتى يدخله الجنة.
وما بعث الله نبيا إلا سخيا.
وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى.
وقال السندي بن شاهك - وكان الذي وكله الرشيد بحبس موسى عليه السلام - لما حضرته الوفاة: دعني أكفنك.
فقال عليه السلام: إنا أهل بيت، حج صرورتنا (٤) ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا.
___________________________________
(١) رواه الكلينى في الكافى ج ٢ ص ٣٨٥ عن موسى بن بكر الواسطى والعياشى في تفسيره عنه قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الكفر والشرك أيهما أقدم - إلى آخر الاية -.
(٢) وكذا في تفسير العياشى ولكن في الكافى [ هشام بن سالم ].
(٣) سورة البقرة آيه ٣٢.
(٤) الصرور - بالصاد المهلة - الذي لم يتزوج أو لم يحج.
(*)
[٤١٣]
وقال عليه السلام لفضل بن يونس: أبلغ خيرا وقل خيرا ولا تكن إمعة (١).
قلت: وما الامعة؟ قال: لا تقل: أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس. إن رسول الله صلى الله عليه واله قال: يا أيها الناس إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير (٢) ".
وروي أنه مر برجل من أهل السواد دميم المنظر (٣)، فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا، ثم عرض عليه السلام عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له، فقيل له: يا ابن رسول الله أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجك وهو إليك أحوج؟ فقال عليه السلام: عبد من عبيدالله وأخ في كتاب الله وجار في بلاد الله، يجمعنا وإياه خير الآباء آدم عليه السلام وأفضل الاديان الاسلام ولعل الدهر يرد من حاجاتنا إليه، فيرانا - بعد الزهو عليه (٤) - متواضعين بين يديه.
ثم قال عليه السلام:
نواصل من لا يستحق وصالنا مخافة أن نبقى بغير صديق
___________________________________
(١) الامع والامعة - بالكسر فالتشديد - قيل: أصله " انى معك ". وفضل بن يونس الكاتب البغدادى عدة الشيخ من أصحاب الكاظم وقال: أصله كوفى تحول إلى بغداد مولى واقفى. انتهى.
ووثقه النجاشى وروى الكشى ما يدل على غاية إخلاصه للامام الكاظم قال: وجدت بخط محمد بن الحسن ابن بندار القمى في كتابه حدثنى على بن ابراهيم عن محمد بن سالم قال: لما حمل سيدى قد كتب لى هتك إلى الفضل بن يونس فتسأله أن يروح أمرى فركب اليه أبوالحسن فدخل عليه حاجبه وقال يا سيدى ! أبوالحسن موسى عليه السلام على الباب فقال: أن كنت صادقا فانت حر ولك كذا وكذا فخرج الفضل حافيا يعدو حتى وصل اليه فوقع على قدميه يقبلهما ثم سأله أن يدخل فقال له: اقض حاجة هشام ابن ابراهيم فقضاها ثم قال: يا سيدى قد حضر الغذاء فتكرمنى ان تتغذى عندى فقال: هات فجاء بالمائدة وعليها البوارد فأجال أبوالحسن عليه السلام يده في البارد ثم قال: البارد تجال اليد فيه وجاؤوا بالحار فقال أبوالحسن عليه السلام: الحار حمى.
(٢) النجد: الطريق الواضح المرتفع. وقوله عليه السلام: " انما هما نجدان " فالظاهر إشارة إلى قوله تعالى في سورة البلد آية ١٠: " وهديناه النجدين ".
(٣) دميم المنظر أى قبيح المنظر من دم دمامة: كان حقيرا وقبح منظره.
(٤) الزهو: الفخر والكبر.
قال الشاعر:
لا تهين الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه
(*)
[٤١٤]
وقال عليه السلام: لا تصلح المسألة إلا في ثلاثة: في دم منقطع (١) أو غرم مثقل أو حاجة مدقعة.
وقال عليه السلام: عونك للضعيف من أفضل الصدقة.
وقال عليه السلام: تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل.
وقال عليه السلام: المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان.
وقال عليه السلام: يعرف شدة الجور من حكم به عليه.
___________________________________
(١) أى دم من ليس لقاتله مال حتى يؤدى ديته. والمدقعة: الشديدة يفضى صاحبه إلى الدقعاء أى التراب او يفضى صاحبه إلى الدقع وهو سوء احتمال الفقر. والمدقع الملصق بالتراب والذى لا يكون عنده ما يتقى به التراب.
(*)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق