الاثنين، 9 نوفمبر 2015

ما روي عن الامام الصادق جعفر الصادق (ع) - وصيته عليه السلام لعبد الله بن جندب

"ما روي عن الامام الصادق أبى عبد الله جعفر بن محمد
صلوات الله عليهما في طوال هذه المعانى "
* (وصيته عليه السلام لعبد الله بن جندب (١)) *
روي أنه عليه السلام قال: يا عبدالله لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياء‌نا ولقد حلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا.
ثم قال: آه آه على قلوب حشيت نورا وإنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الارقم (٢) والعدو الاعجم، أنسوا بالله واستوحشوا مما به استأنس المترفون، أولئك أوليائي حقا وبهم تكشف كل فتنة وترفع كل بلية.
يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها. وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة.
طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا وزهرتها طوبى لعبد طلب الآخرة وسعى لها، طوبى لمن لم تله الاماني الكاذبة.
ثم قال عليه السلام: رحم الله قوما كانوا سراجا ومنارا، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم، ليس كمن يذيع أسرارنا.
يا ابن جندب إنما المؤمنون الذين يخافون الله ويشفقون أن يسلبوا ما اعطوا من الهدى، فإذا ذكروا الله ونعماء‌ه وجلوا وأشفقوا. وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا مما أظهره من نفاذ قدرتة.
وعلى ربهم يتوكلون.
يا ابن جندب قديما عمر الجهل وقوي أساسه وذلك لاتخاذهم دين الله لعبا حتى
___________________________________
(١) بضم الكاف وسكون النون وفتح الدال. هو عبدالله بن جندب البجلى الكوفى ثقة جليل القدر من اصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام وانه من المخبتين وكان وكيلا لابى ابراهيم وأبى الحسن عليهما السلام. كان عابدا رفيع المنزلة لديهما على ما ورد في الاخبار. ولما مات رحمه الله قام مقامه على بن مهزيار.
(٢) حشيت اى ملات والشجاع - بالكسر والضن -: الحية العظيمة التى تواثب الفارس وربما قلعت رأس الفارس وتكون في الصحارى ويقوم على ذنبه. والارقم: الحية التى فيها سواد وبياض وهو اخبث الحيات ويحتمل أن يكون الشجاع الاقرع وهو حية قد تمعط شعر رأسها لكثرة سمها.
(*)
[٣٠٢]
لقد كان المتقرب منهم إلى الله بعلمه يريد سواه أولئك هم الظالمون.
يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة ولاظلهم الغمام ولاشرقوا نهارا ولاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم.
يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيرا. واستكينوا إلى الله في توفيقهم وسلوا التوبة لهم. فكل من قصدنا ووالانا ولم يوال عدونا وقال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة.
يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله. ولا ينجو المجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله.
قلت: فمن ينجو؟ قال: الذين هم بين الرجاء والخوف، كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب وخوفا من العذاب.
يا ابن جندب من سره أن يزوجه الله الحور العين ويتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور.
يا ابن جندب أقل النوم بالليل، والكلام بالنهار. فما في الجسد شئ أقل شكرا من العين واللسان، فإن أم سليمان قالت لسليمان عليه السلام: يا بني إياك والنوم، فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم.
يا ابن جندب إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه (١) ومصائده.
قلت: يا ابن رسول الله وما هى؟ قال: أما مصائده فصد عن بر الاخوان. وأما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله. أما إنه ما يعبد الله بمثل نقل الاقدام إلى بر الاخوان وزيارتهم. ويل للساهين عن الصلوات، النائمين في الخلوات، المستهزئين بالله وآياته في الفترات (٢) " أولئك - الذين - لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (٣) ".
يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوى فكاك رقبته فقد هون عليه (٤) الجليل ورغب
___________________________________
(١) فتحاموا: اجتنبوها وتوقوها.
الشباك - جمع شبكة - بالتحريك -: شركة الصياد يعنى حبائل الصيد.
(٢) الفترة: الضعف والانكساء والمراد بها زمان ضعف الدين.
(٣) آل عمران ٧٧.
(٤) الضمير يعود إلى " من ".
(*)
[٣٠٣]
من ربه في الربح الحقير (١). ومن غش أخاه وحقره وناواه (٢) جعل الله النار مأواه. ومن حسد مؤمنا انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.
يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر وأحد. وما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم.
يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم: لا تذهبن بكم المذاهب فو الله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الاخوان في الله. وليس من شيعتنا من يظلم الناس.
يا ابن جندب إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى: بالسخاء والبذل للاخوان وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا. شيعتنا لا يهرون هرير الكلب ولا يطمعون طمع الغراب ولا يجاورون لنا عدوا ولا يسألون لنا مبغضا ولو ماتوا جوعا. شيعتنا لا يأكلون الجري (٣) ولا يمسحون على الخفين ويحافظون على الزوال ولا يشربون مسكرا.
قلت: جعلت فداك فأين أطلبهم؟ قال عليه السلام: على رؤوس الجبال وأطراف المدن. وإذا دخلت مدينة فسل (٤) عمن لا يجاورهم ولا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله: " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى (٥) " والله لقد كان حبيب النجار وحده.
يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك. وكل البر مقبول إلا ما كان رئاء.
يا ابن ندب أحبب في الله واستمسك بالعروة الوثقى واعتصم بالهدى يقبل عملك فإن الله يقول: " إلا من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى (٦) " فلا يقبل إلا الايمان. ولا
___________________________________
(١) في الوافى [ الوتح الحقير ] والوتح - بالتحريك وككتف -: القيل التافه من الشئ.
(٢) أى عاداه وأصله الهمزة من النوء بمعنى النهوض والطلوع.
(٣) الجرى - كذمى -: سمك طويل أملس وليس عليه فصوص. قيل: ما رما هى.
(٤) الظاهر ان مراده عليه السلام في دولة الفسق وزمن الكفر.
(٥) سورة يس آية ١٩.
(٦) سورة طه آية ٨٤ " وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ".
(*)
[٣٠٤]
إيمان إلا بعمل. ولا عمل إلا بيقين. ولا يقين إلا بالخشوع وملاكها كلها الهدى، فمن اهتدى يقبل عمله وصعد إلى الملكوت متقبلا " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (١) ".
يا ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره وتسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا واجعل الموت نصب عينك. ولا تدخر شيئا لغد. واعلم أن لك ما قدمت وعليك ما أخرت.
يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره. ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه. من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته ويحفظ له ما غاب عنه. وقد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا ولكل نعمة شكرا. ولكل عسر يسرا. صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية (٢)، فإنما يقبض عاريته ويأخذ هبته ليبلو فيهما صبرك وشكرك. وارج الله رجاء لا يجريك على معصيته وخفه خوفا لا يؤيسك من رحمته. ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه فتكبر وتجبر وتعجب بعملك، فإن أفضل العمل العبادة والتواضع. فلا تضيع مالك وتصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك. واقنع بما قسمه الله لك. ولا تنظر إلا إلى ما عندك. ولا تتمن ما لست تناله. فإن من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع.
وخذ حظك من آخرتك. ولا تكن بطرا في الغنى، ولا جزعا في الفقر. ولا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك ولا تكن واهنا يحقرك من عرفك. ولا تشار (٣) من فوقك ولا تسخر بمن هو دونك. ولا تنازع الامر أهله. ولا تطع السفهاء. ولا تكن مهينا تحت كل أحد. ولا تتكلن على كفاية أحد. وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم. واجعل قلبك قريبا تشاركه (٤). واجعل عملك والدا تتبعه. واجعل نفسك عدوا تجاهده وعارية تردها،
___________________________________
(١) سورة البقرة آية ١٠٩.
(٢) الرزية: المصيبة أصله من رزأ أى أصاب منه شيئا ونقص. وفى بعض النسخ [ أو ذرية ].
(٣) ولا تشار اى ولا تخاصم.
(٤) في بعض النسخ [ تتنازله ].
(*)
[٣٠٥]
فإنك قد جعلت طبيب نفسك وعرفت آية الصحة وبين لك الداء ودللت على الدواء. فانظر قيامك على نفسك. وإن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المن والذكر لها ولكن اتبعها بأفضل منها، فإن ذلك أجمل بك في أخلاقك وأوجب للثواب في آخرتك. وعليك بالصمت تعد حليما - جاهلا كنت أو عالما - فإن الصمت زين لك عند العلماء وستر لك عند الجهال.
يا ابن جندب إن عيسى ابن مريم عليه السلام قال لاصحابه: " أرأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أكان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها؟ قالوا: بل نرد عليها.
قال: كلا، بل تكشفون عنها كلها - فعرفوا أنه مثل ضربه لهم - فقيل: يا روح الله وكيف ذلك؟ قال: الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها. بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون. ولا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة. طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه.
لا تنظروا في عيوب الناس كالارباب وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد. إنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى فارحموا المبتلى واحمدوا الله على العافية ".
يا ابن جندب صل من قطعك. وأعط من حرمك. وأحسن إلى من أساء إليك. وسلم على من سبك. وأنصف من خاصمك. واعف عمن ظلمك، كما أنك تحب أن يعفى عنك، فاعتبر بعفو الله عنك، ألا ترى أن شمسه أشرقت على الابرار والفجار. وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين.
يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك، فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع علينا شمالك، فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رؤوس الاشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك. واخفض الصوت، إن ربك الذي يعلم ما تسرون وما تعلنون، قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه. وإذا صمت فلا تغتب أحدا. ولا تلبسوا صيامكم بظلم. ولا تكن كالذي يصوم رئاء الناس، مغبرة وجوههم، شعثة رؤوسهم،
[٣٠٦]
يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيامى.
يا ابن جندب أخير كله أمامك، وإن الشر كله أمامك. ولن ترى الخير و الشر إلا بعد الآخرة، لان الله عزوجل جعل الخير كله في الجنة والشر كله في النار، لانهما الباقيان. والواجب على من وهب الله له الهدى وأكرمه بالايمان و الهمه رشده وركب فيه عقلا يتعرف به نعمه وآتاه علما وحكما يدبر به أمر دينه و دنياه (١) أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا يكفره وأن يذكر الله ولا ينساه وأن يطيع الله ولا يعصيه، للقديم الذي تفرد له بحسن النظر، وللحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا، وللجزيل الذي وعده، والفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاقته و ما يعجز عن القيام به وضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه وهو معرض (٢) عما أمره وعاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه وبين ربه، متقلدا لهواه، ماضيا في شهواته، مؤثرا لدنياه على آخرته وهو في ذلك يتمني جنان الفردوس وما ينبغي لاحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الابرار. أما إنه لو وقعت الواقعة وقامت القيامة وجاء‌ت الطامة ونصب الجبار الموازين لفصل القضاء وبرز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة وبمن تحل الحسرة والندامة: فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الآخرة.
يا ابن جندب قال الله عزوجل في بعض ما أوحى: " إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ويقطع نهاره بذكري ولا يتعظم على خلقي ويطعم الجائع ويكسو العاري ويرحم المصاب ويؤوي الغريب (٣) فذلك يشرق نوره مثل الشمس، أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما أكلاه بعزتي (٤) و أستحفظه ملائكتي، يدعوني فالبيه ويسألني فاعطيه، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها ولا تتغير عن حالها ".
___________________________________
(١) " الواجب " مبتدأ وخبره جملة " أن يوجب على نفسه إلخ ".
(٢) الضمير يرجع إلى " من وهب الله ".
(٣) وفى بعض النسخ [ ويواسى الغريب ]. يقال: واسى الرجل أى آساه وعاونة.
(٤) كلا الله فلانا: حفظه وحرسه.
(*)
[٣٠٧]
يا ابن جندب الاسلام عريان فلباسه الحياء وزينته الوقار ومروء‌ته العمل الصالح وعماده الورع، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام جبنا أهل البيت.
يا ابن جندب إن لله تبارك وتعالى سورا من نور، محفوفا بالزبرجد والحرير، منجدا بالسندس (١) والديباج، يضرب هذا السور بين أوليائنا وبين أعدائنا فإذا غلى الدماغ وبلغت القلوب الحناجر ونضجت الاكباد من طول الموقف ادخل في هذا السور أولياء الله، فكانوا في أمن الله وحرزه، لهم فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين. وأعداء الله قد ألجمهم العرق وقطعهم الفرق وهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم، فيقولون: " مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار (٢) " فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون منهم، فذلك قوله عزوجل: " اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار (٣) ".

وقوله: " فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون (٤) " فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق