[ بسم الله الرحمن الرحيم ]
" وروى عن الامام الناصح الهادى ابى جعفر محمد بن على عليهما السلام في طوال هذه المعانى " (جوابه عليه السلام)
* (في محرم قتل صيدا) *
لما عزم المأمون على أن يزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام (١) إجتمع إليه أهل بيته الادنون منه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين ناشدناك أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه.
وتنزع عنا عزا قد لبسناه. وتعلم الامر الذي بيننا وبين آل علي قديما وحديثا.
فقال المأمون: أمسكوا والله لا قبلت من واحد منكم في أمره.
فقالوا: يا أمير المؤمنين أتزوج ابنتك وقرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضا من سنة - ولابي جعفر عليه السلام إذ ذاك تسع سنين (٢) - فلو صبرت له حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف الحلال من الحرام.
فقال المأمون: إنه لافقه منكم وأعلم بالله ورسوله وسنته وأحكامه، وأقرء لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وظاهره وباطنه وخاصه وعامه وتنزيله وتأويله منكم.
فاسألوه، فإن كان الامر كما وصفتم قبلت منكم، وإن كان الامر على ما وصفت علمت أن الرجل خلق منكم (٣). فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم (٤) وهو يومئذ
___________________________________
(١) رواه على بن ابراهيم - رحمه الله - في التفسير مع اختلاف.
والمفيد - قدس سره - في الارشاد وابن شهر آشوب في المناقب والطبرى في الدلائل.
(٢) في التفسير [ عشر سنين أو إحدى عشرة سنة ] وفي الارشاد [ سبع سنين ].
(٣) أى قائم مقامكم وبدل منكم. الخلف - بالتحريك -: البدل والعوض (٤) هو يحيى بن أكثم التميمى القاضى كان متكلما، عالما فقيها في عصره أحد وزراء المأمون قاضيا في العراقين من قضاة العامة وكان معروفا باللواط وانه حرم المتعة وتسبب تحريم المأمون إياها. ذكره ابن خلكان والمسعودى وغيرهما وبسط ابن خلكان الكلام في ترجمته فمن شاء فليطلبه هناك ولا يهمنا نقل ذلك.
(*)
[٤٥٢]
قاضي القضاة فجعلوا حاجتهم إليه وأطمعوه في هدايا على أن يحتال على أبي جعفر عليه السلام بمسألة في الفقه لا يدري ما الجواب فيها.
فلما حضروا وحضر أبوجعفر عليه السلام قالوا يا أمير المؤمنين هذا القاضي إن أذنت له أن يسأل؟ فقال المأمون: يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لتنظر كيف فقهه؟ فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: قتله في حل أم حرم، عالما أو جاهلا، عمد أو خطأ، عبدا أو حرا، صغيرا أو كبيرا، مبدءا أو معيدا، من ذوات الطير أو غيره من صغار الطير أو كباره. مصرا أو نادما، بالليل في أوكارها أو بالنهار وعيانا، محرما للحج أو للعمرة؟ قال: فانقطع يحيى انقطاعا لم يخف على أحد من أهل المجلس انقطاعه وتحير الناس عجبا من جواب أبي جعفر عليه السلام: فقال المأمون: أخطب أبا جعفر؟ فقال عليه السلام: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إجلالا لعظمته، وصلى الله على محمد وآله عند ذكره.
أما بعد فقد كان من قضاء الله على الانام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال وجل عز: " فأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم(١)".
ثم إن محمد بن علي خطب أم الفضل ابنة عبدالله، وقد بذل لها من الصداق خمس مائة درهم، فقد زوجته، فهل قبلت يا أبا جعفر؟ فقال عليه السلام: قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق فأولم المأمون (٢) وأجاز الناس على مراتبهم أهل الخاصة وأهل العامة والاشراف والعمال. وأوصل إلى كل طبقة برا على ما يستحقه.
فلما تفرق أكثر الناس قال المأمون: يا أبا جعفر إن رأيت أن تعرفنا ما يجب على كل صنف من هذه الاصناف في قتل الصيد؟ فقال عليه السلام: إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا. وإن قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم فليست عليه القيمة لانه ليس في الحرم. وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ (٣) وإن كان من الوحش
___________________________________
(١) سوره النور آيه ٣٢.
(٢) " أو لم " من الوليمة.
(٣) في التفسير [ فعليه الحمل وقيمته ].
(*)
[٤٥٣]
فعليه في حمار الوحش بقرة وإن كان نعامة فعليه بدنة، (١) فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما.
وإن كان بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام.
وإن كان ظبيا فعليه شاة، فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام.
وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا " هديا بالغ الكعبة " حقا واجبا أن ينحره إن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس.
وإن كان في عمرة ينحره بمكة في فناء الكعبة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا، وكذلك إذا أصاب أرنبا أو ثعلبا فعليه شاة ويتصدق بمثل ثمن شاة.
وإن قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به. ودرهم (٢) يشتري به علفا لحمام الحرم. وفي الفرخ نصف درهم. وفي البيضة ربع درهم وكل ما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شئ عليه إلا الصيد. فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، بخطأ كان أم بعمد. وكل ما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه. وكل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه. فإن عاد فهو ممن ينتقم الله منه. وإن دل على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه فيه الفداء. والمصر عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة. والنادم لا شئ عليه بعد الفداء في الآخرة. وإن أصابه ليلا أو كارها (٣) خطأ فلا شئ عليه إلا أن يتصيد، فإن تصيد بليل أو نهار فعليه فيه الفداء. والمحرم للحج ينحر الفداء بمكة.
قال: فأمر أن يكتب ذلك عن أبي جعفر عليه السلام.
ثم التفت إلى أهل بيته الذين أنكروا تزويجه، فقال: هل فيكم من يجيب بهذا الجواب؟ قالو: لا والله ولا القاضي، فقالوا: يا أمير المؤمنين كنت أعلم به منا.
فقال: ويحكم أما علمتم أن أهل هذا البيت ليسوا خلقا من هذا الخلق، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه واله بايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان ولم يبايع غيرهما طفلين.
أو لم تعلموا أن أباهم عليا عليه السلام آمن برسول الله صلى الله عليه واله وهو ابن تسع سنين، فقبل الله ورسوله إيمانه ولم يقبل من طفل غيره ولا دعا رسول الله صلى الله عليه واله طفلا غيره.
أو لم تعلموا أنها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لاولهم.
___________________________________
(١) في التفسير [ فعليه في الحمار الوحش بدنة وكذلك في النعامة ].
(٢) في التفسير [ أو درهم ].
(٣) في التفسير [ في وكرها ].
(*)
[٤٥٤]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق