الخميس، 27 أغسطس 2015

ما روي عن النبي (ص) - خطبته صلى الله عليه وآله في حجة الوداع

* (خطبته صلى الله عليه وآله في حجة الوداع) *

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و [ من ] سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل (5)، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على العمل بطاعته، وأستفتح الله بالذي هو خير أما بعد: أيها الناس ! اسمعوا مني [ ما ] أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا.

___________________
(1) المراد بها: بهجتها وغضارتها. (2) يعنى صرفه فيهم. (3) المبتدع: صاحب البدعة. (4) هذه الخطبة من أجل خطب النبى صلى الله عليه وآله المشهورة بين العامة والخاصة والمذكورة في كتبهم، موجزا ومشروحا. (5) في بعض نسخ الحديث [ ومن يضلل الله ]. (*)

[31]

أيها الناس إن دماء‌كم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها (1)، وإن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبدالمطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة (2) بن الحارث بن عبدالمطلب (3) و إن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية. والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن ازداد فهو من الجاهلية. (4)

___________________
(1) اى فليؤدها إلى صاحبها. (2) في اكثر نسخ الحديث [ حارث بن ربيعة ]. (3) كان عامر بن ربيعة مسترضعا في بنى سعد فقتله بنو هذيل في الجاهلية فأبطل النبى صلى الله عليه وآله الطلب بدمه في الاسلام ولم يجعل لربيعة - أبيه - في ذلك تبعة. وانما بدأ صلى الله عليه وآله بابطال الربا والدم من أهله وأقربائه ليعلم أنه ليس في الدين محاباة. (4) المآثر جمع المأثرة وهى الاثر والفعل والعمل المتوارثة السدانة الخدمة السادن بكسر الدال: خادم الكعبة. والسقاية: موضع السقى. والقود محركة القصاص. والجاهلية هى حالة الناس قبل الاسلام. وكانت أمة العرب في هذا العصر في حالة انحطاط وانحلال من حيث الديانة والمدنية والفضائل والاخلاق، فلم تكن لها ديانة حنيفية ولا وحدة قومية ولا رابطة وطنية ولا أصل من الاصول التى ترتكز عليها الفضائل الانسانية، يعبدون الاصنام ويسفكون الدماء ويأكلون الربا ويفعلون الفواحش ويقولون قول الزور ويأكل القوى الضعيف، فهى فوضى في العقائد، فوضى في الاخلاق، فوضى في المعاش. لا تدين غير الوثنية وكانت لكل قبيلة منهم آلهة خاصة، كانوا مغرمين بشرب الخمر وبلعب الميسر والتفاخر بالآباء وتزويج الرجل من النساء بقدر ما تسمح له وسائله المعيشية وتزويج نساء الاب. ودفن البنات حيا والمطالبة بالثار عندهم لا تقف عند حد حتى ان لم يظفر الرجل بغريمه انتقم من أحد أقربائه وربما يقنع بالدية للقتيل بمال كثير على قدر شرف المقتول وغير ذلك من المآثر السخيفة والعادات القبيحة. ولما كانت مكة عاصمة بلاد العرب وكان بناء البيت فيها، كانت توليتها وأمر البيت تنقسم بالسدانة والحجابة والسقاية والرفادة والقيادة والندوة واللواء وغيرها ويتوارثون كابرا عن كابر ويفتخر الرجل بها ويقول: أنا أفضل لان حجابة البيت مثلا بيدى كما يفتخر بالحسب والنسب وبالمال وبكثرة الاولاد والعشيرة ويهتمون بها اهتماما عظيما حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله فأبطلها ومحاها. (*)

[32]

أيها الناس ! إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه قد رضي بأن يطاع فيما سوى ذلك فيما تحتقرون من أعمالكم (1). أيها الناس ! " إنما النسيئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤوا عدة ما حرم الله (2) " وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والارض و " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها أربعة حرم (3) " ثلاثة متوالية، وواحد فرد - ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ورجب بين جمادى وشعبان (4) ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

___________________
(1) في بعض نسخ الحديث [ ورضى منكم بمحقرات الاعمال ]. (2) التوبة - 38. وقوله: " ليواطؤوا " أى ليوافقوا عدة الاربعة المحرمة. (3) التوبة - 37. (4) النسيئ مصدر بمعنى التأخير من نسأ الشئ أى أخره. والمراد تأخير أهل الجاهلية الحج والمحرم عن موقعها وموسمها لمصالحهم المادية التى كانت تتعطل بسبب وقوع الاشهر الحرم في مواسمها، لان السنة القمرية أقل من السنة الشمسية بمقدار معلوم وبسبب ذلك ينتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل وقد يكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفى الصيف أخرى وربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الاطراف فارادوا أن لا يوافق أشهر الحرم مواسم مصالحهم واحتالوا على ذلك وأقدموا على عمل الكبيسة باضافة الايام في آخر كل سنة هلالية لتوافق السنة الشمسية فهذا النسيئ وإن كان سببا لحصول المصالح المادية إلا أنه لزم منه تغيير حكم الله تعالى ولما كانت أيام الحج في تلك السنة - حجة الوداع - قد عادت إلى زمنها المخصوص قبل النقل قال صلى الله عليه وآله: " ألا وإن الزمان قد استدار إلى آخره " وقال المجلسى رحمه الله في المجلد الرابع عشر من كتاب بحار الانوار بعد ذكر بعض الاقوال في تفسير هذة الآية: وللآية تفسير آخر وهو أن يكون المراد بالنسيئ كبس بعض السنين القمرية بشهر حتى يلتحق بالسنة الشمسية وذلك أن السنة القمرية أعنى إثنى عشر قمريا هى ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس او سدس يوم على ما عرف من علم النجوم وعمل الزيجات. والسنة الشمسية هى عبارة عن عود الشمس من أية نقطة نفرض من الفلك إليها بحركتها الخاصة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم الا كسرا قليلا، فالسنة القمرية أقل من السنة الشمسيه بعشرة " بقية الحاشية في الصفحة الاتيه "(*)

[33]

أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حقا، حقكم عليهن أن لا يوطئن أحدا فرشكم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، وألا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح (1)، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن

___________________
" بقية الحاشية من الصفحة الماضية " أيام واحدى وعشرين ساعة وخمس ساعة تقريبا وبسبب هذا النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفى الصيف أخرى وكذا في الربيع و الخريف وكان يشق الامر عليهم، اذ ربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الاطراف فكان تختل أسباب تجاراتهم ومعائشهم، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة بحيث يقع الحج دائما عند اعتدال الهواء وادراك الثمرات والغلات وذلك بقرب حلول الشمس نقطة الاعتدال الخريفى فكسبوا تسع عشرة سنة قمرية بسبعة أشهر قمرية حتى صارت تسع عشرة سنة شمسية، فزادوا في السنة الثانية شهرا، ثم في الخامسة، ثم في السابعة، ثم في العاشرة، ثم في الثالثة عشر، ثم في السادسة عشر، ثم في الثامنة عشر وقد تعلموا هذه الصنعة من اليهود والنصارى. فانهم يفعلون هكذا لاجل أعيادهم، فالشهر الزائد هو الكبيس وسمى النسيئ لانه المؤخر والزائد مؤخر عن مكانه وهذا التفسير يطابق ما روى أنه صلى الله عليه واله خطب في حجة الوداع و كان في جملة ما خطب به " ألا وان الزمان قد استدار كهيئة [ خ ل كهيئته ] يوم خلق الله السماوات والارض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضربين جميدى وشعبان ". والمعنى رجعت الاشهر إلى ما كانت عليه وعاد الحج في ذى الحجة وبطل النسيئ الذى كان في الجاهلية وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة في نفس الامر". انتهى - والمواطأة: الموافقة. واستدار يستدير كدار يدور بمعنى اذا طاف حول الشئ وعاد إلى الموضع الذى ابتدأ فيه. والشهر مأخوذ من شهرة الامر اى ظهوره ووضوحه، ويطلق على الشهور القمرية لحاجة الناس اليه في ديونهم ومعاملاتهم وغير ذلك من مصالحهم ولشهرته عند العالم والجاهل والبادى والحاضر ويمكن أن يضبطها كل الناس حتى العامى والبادى. فلذلك كان المدار في أحكام الاسلام عليها والدليل عليه هذه الآية في سورة التوبة. وأيضا قوله تعالى في سورة يونس - 5 " جعل الشمس ضياء‌ا والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب " وتقدير القمر بالمنازل علة للسنين ويصح ذلك إذا كانت السنة معلقة بسير القمر. وقوله في سورة البقرة - 189 " يسألونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس ". (1) العضل: المنع والتضييق. والهجر: الترك والاعتزال وضد الوصل - والمبرح بكسر الراء من البرح أى الشدة والاذى وقد يكون بمعنى الغضب. والانتهاء إذا ما عدى بلفظة " عن " يكون بمعنى الكف. يقال: انتهى عنه أى كف. (*)

[34]

بالمعروف، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا. أيها الناس، " إنما المؤمنون إخوة " ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد، فلا ترجعن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب (1). " أيها الناس، إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث. والولد للفراش وللعاهر الحجر (2)، من ادعى إلى غير أبيه، ومن تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (3) والسلام عليكم ورحمة الله.

___________________
(1) ومن خطبته صلى الله عليه وآله عام الفتح " أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية والتفاخر بآبائها وعشائرها. أيها الناس إنكم من آدم وآدم من طين، ألا وإن خيركم عند الله وأكرمكم عليه أتقاكم. ألا إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ناطق، فمن قصر به عمله لم يبلغ حسبه ". (2) العاهر: الزانى والفاجر من العهر وهو الزنا والفجور. يعنى يثبت الولد لصاحب الفراش وهو الزوج وللعاهر الحجر كما يقال: له التراب أى الخيبة ولا يثبت له نسب. وكان أمر الجاهلية أن يثبت النسب بالزنا كما فعله معاوية بزياد بن سمية واستلحقه به وقد محاه الاسلام وأبطله. (3) يقال: صرفا وعدلا أى توبة وفدية. فالمراد بالصرف ههنا ما يصرف الانسان عن عذاب الله. والعدل: الفدية وقيل: البدل، قال الله تعالى في سورة الفرقان - 19 " فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ". وقال في البقرة - 48: " لا يؤخذ منها عدل " أى فدية. (*)

[35]

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق