الخميس، 27 أغسطس 2015

ما روي عن النبي (ص) - وصيته صلى الله عليه وآله لمعاذ بن جبل ما بعثه إلى اليمن

وصيته صلى الله عليه وآله لمعاذ بن جبل(1) ما بعثه إلى اليمن

يا معاذ علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الاخلاق الصالحة، وأنزل الناس منازلهم (2) - خيرهم وشرهم - وأنفذ فيهم أمر الله، ولا تحاش في أمره، ولا ماله أحدا (3) فإنها ليست بولايتك ولا مالك، وأد إليهم الامانة في كل قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحق (4)، يقول الجاهل: قد تركت من حق الله، واعتذر إلى أهل عملك (5) من كل أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتى يعذروك وأمت أمر الجاهلية إلا ما سنه الاسلام.

___________________
______________ (1) معاذ بن جبل بضم الميم انصارى، خزرجى يكنى أبا عبدالرحمن، أسلم وهو ابن ثمان عشر سنة، وشهد ليلة العقبة مع السبعين - من أهل يثرب (المدينة) - وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله المشاهد، وبعثه صلى الله عليه وآله إلى اليمن بعد غزوة تبوك، في سنة العاشر، وعاش إلى أن توفى في طاعون عمواس بناحية الاردن سنة ثمان عشر في خلافة عمر. ولما بعثه صلى الله عليه وآله إلى اليمن شيعه صلى الله عليه وآله ومن كان معه من المهاجرين والانصار - ومعاذ راكب، ورسول الله صلى الله عليه وآله يمشى إلى جنبه، ويوصيه. فقال معاذ: يا رسول الله: أنا راكب وأنت تمشى، ألا أنزل فأمشى معك ومع أصحابك؟ فقال: يا معاذ إنما أحتسب خطاى هذه في سبيل الله. ثم أوصاه بوصايا - ذكرها الفريقين مشروحا و موجزا في كتبهم -، ثم التفت صلى الله عليه وآله، فاقبل بوجهه نحو المدينة، فقال: إن أولى الناس بى المتقون من كانوا وحيث كانوا. (2) يعنى أنزل الناس على قدرهم، وشؤوناتهم من الخير والشر. (3) " لا تحاش " من حاشى فلانا من القوم أى استثناه. أى لا تكترث بما لا حد فتخرجه من عموم الحكم، بل لا تستئن أحدا. (4) في بعض النسخ [ من غير ترك للحق ]. (5) في بعض النسخ [ واعتذر إلى أهل علمك ] يعنى ان في كل أمر خشيت أن يسرع اليك عيب منه تقدم العذر قبل أن يعذروك. (*)

[26]

وأظهر أمر الاسلام كله، صغيره وكبيره، وليكن أكثر همك الصلاة، فإنها رأس الاسلام بعد الاقرار بالدين وذكر الناس بالله واليوم الآخر، واتبع الموعظة، فإنه أقوى لهم على العمل بما يحب الله (1)، ثم بث فيهم المعلمين، وا عبدالله الذي إليه ترجع، ولا تخف في الله لومة لائم. واوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الامانة وترك الخيانة، ولين الكلام وبذل السلام، وحفظ الجار ورحمة اليتيم وحسن العمل و قصر الامل وحب الآخرة والجزع من الحساب ولزوم الايمان والفقه في القرآن، وكظم الغيظ وخفض الجناح (2). وإياك أن تشتم مسلما، أو تطيع آثما، أو تعصي إماما عادلا، أو تكذب صادقا، أو تصدق كاذبا، واذكر ربك عند كل شجر وحجر (3)، وأحدث لكل ذنب توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية. يا معاذ لولا أنني أرى ألا نلتقي إلى يوم القيامة، لقصرت في الوصية ولكنني أرى أن لا نلتقي أبدا(4)، ثم اعلم يا معاذ أن أحبكم إلي من يلقاني على مثل الحال التي فارقني عليها (5).

___________________
(1) أى انه يقويهم على العمل بالصالحات. (2) الخفض: الغض والاخفاء وأيضا خفض: ضد رفع. وبمعنى اللين والسهل. والجناح ما يطير به الطائر وخفض الجناح كناية عن التواضع. (3) يعنى: واذكر ربك عند كل شئ وفى كل حال. (4) هذا البيان تصريح بموته صلى الله عليه وآله وأن معاذا لن يراه بعد اليوم ومقامه هذا، فانه صلى الله عليه وآله ودعه وانصرف وسار معاذ إلى اليمن حتى أتى صنعاء اليمن، فمكث أربعة عشر شهرا ثم رجع إلى المدينة فلما دخلها فقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله. (5) لعل في هذا البيان اشارة إلى معاذ بانك لو تلقانى يوم القيامة على مثل هذه الحال ولم يتغير حالك في مستقبل الزمان ولم تنحرف عن طريقى بعد وفاتى تكون محبوبا عندى، ولكن قيل في حقه: إنه من اصحاب الصحيفة [ هم الذين كتبوا صحيفة واشترطوا على أن يزيلوا الامامة عن على عليه السلام ]. وممن قوى خلافة أبى بكر رغما لعلى عليه السلام. (*)

[27]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق