* (وصيته لابنه الحسين عليهما السلام) *
يا بني أوصيك
بتقوى الله في الغنى والفقر وكلمة الحق في الرضى والغضب والقصد في الغنى والفقر.
وبالعدل على الصديق والعدو. وبالعمل في النشاط والكسل. والرضى عن الله في الشدة
والرخاء. أي بني ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير. وكل نعيم دون
الجنة محقور. وكل بلاء دون النار عافية. واعلم أي بني أنه من أبصر عيب نفسه شغل عن
عيب غيره. ومن تعرى من لباس التقوى لم يستتر بشئ من اللباس. ومن رضي بقسم الله لم
يحزن على ما فاته. ومن سل سيف البغي قتل به. ومن حفر بئرا لاخيه وقع فيها. ومن هتك
حجاب غيره انكشف عورات بيته (3) ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. ومن كابد الامور
عطب (4). ومن اقتحم الغمرات غرق.
ومن أعجب
برأيه ضل. ومن استغنى بعقله زل. ومن تكبر على الناس ذل. ومن خالط العلماء وقر.
ومن خالط
الانذال
___________________
(1) الصولة:
السطورة والقدرة أى بهم تسطو وتغلب على الغير وفى النهج [ ويدك التى بها تصول].
والعدة -
بالضم -: الاستعداد - وبالكسر -: الجماعة.
(2) من عاد
المريض يعوده عيادة أى زاره.
(3) وفى بعض
النسخ [ عوراته ].
(4) كابدها أى
قاساها وتحمل المشاق في فعلها بلا إعداد أسبابها.
وعطب أى هلك.
والغمرات:
الشدائد.
وفى النهج [
ومن اقتحم اللجج غرق ].
(*)
[89]
حقر (1). ومن
سفه على الناس شتم (2). ومن دخل مداخل السوء اتهم. ومن مزح استخف به. ومن أكثر من
شئ عرف به. ومن كثر كلامه كثر خطاؤه، ومن كثر خطاؤه (3) قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل
ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار. أي بني من نظر في عيوب الناس
ورضي لنفسه بها فذاك الاحمق بعينه. ومن تفكر اعتبر، ومن اعتبر اعتزل، ومن اعتزل
سلم. ومن ترك الشهوات كان حرا. ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس. أي بني عز
المؤمن غناه عن الناس. والقناعة مال لا ينفد. ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا
باليسير. ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه. أي بني العجب ممن يخاف
العقاب فلم يكف، ورجا الثواب فلم يتب ويعمل. أي بني الفكرة تورث نورا. والغفلة
ظلمة. والجهال [ ة ] ضلالة. والسعيد من وعظ بغيره. والادب خير ميراث. وحسن الخلق
خير قرين. ليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غنى. أي بني العافية عشرة أجزاء
تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله وواحد في ترك مجالسة السفهاء. أى بني من تزيا (4)
بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلا. ومن طلب العلم علم. يا بني رأس العلم
الرفق، وآفته الخرق (5). ومن كنوز الايمان الصبر على
___________________
(1) الانذال -
جمع النذل -: الخسيس من الناس، المحتقر في جميع أحواله والمراد بهم ذوى الاخلاق
الدنية.
(2) يعنى ومن
عابهم شتم وسب.
(3) وفى بعض
نسخ الحديث [ خطؤه ] في الموضعين والمعنى واحد.
(4) تزيا أى
صار ذا زى.
(5) الخرق:
الشدة، ضد الرفق.
(*)
[90]
المصائب.
والعفاف زينة الفقر. والشكر زينة الغنى. كثرة الزيارة تورث الملالة والطمأنينة قبل
الخبرة ضد الحزم (1). وإعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله. أي بني كم نظرة جلبت
حسرة.
وكم من كلمة
سلبت نعمة. أي بني لا شرف أعلى من الاسلام. ولا كرم أعز من التقوى. ولا معقل أحرز
من الورع (2). ولا شفيع أنجح من التوبة. ولا لباس أجمل من العافية. ولا مال أذهب
بالفاقة من الرضى بالقوت. ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجل الراحة وتبوء خفض الدعة
(3). أي بني الحرص مفتاح التعب ومطية النصب (4) وداع إلى التقحم في الذنوب والشره
جامع لمساوي العيوب (5) وكفاك تأديبا لنفسك ما كرهته من غيرك (6). لاخيك عليك مثل
الذي لك عليه. ومن تورط في الامور بغير نظر في العواقب فقد تعرض للنوائب. التدبير
قبل العمل يؤمنك الندم. من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطاء. الصبر جنة من
الفاقة. البخل جلباب المسكنة. الحرص علامة الفقر. وصول معدم خير من جاف مكثر (7).
لكل شئ قوت، وابن آدم قوت الموت.
___________________
(1) الطمأنينة
اسم من الاطمينان: توطين النفس وتسكينها.
والخبرة:
العلم بالشئ.
والحزم: ضبط
الامر وإحكامه والاخذ فيه بالثقة.
(2) المعقل:
الحصن والملجأ.
والورع أمنع
الحصون وأحرزها عن وساوس الشيطان وعن عذاب الله.
والنجاح:
الظفر والفوز أى لا يظفر الانسان بشفاعة شفيع بالنجاة من سخط الله وعذابه مثل ما
يظفر بالتوبة.
(3) البلغة -
بالضم -: ما يتبلغ به من القوت ولا فضل فيه.
والكفاف -
بفتح الكاف -: ما كفى عن الناس من الرزق واغنى.
والخفض لين
العيش وسعته.
والدعة -
بالتحريك -: الراحة والاضافة للمبالغة أى تمكن واستقر في متسع الراحة.
(4) النصب -
بالتحريك -: أشد التعب.
(5) الشره -
بكسر الشين وشد الراء -: الحرص والغضب والطيش والعطب وقد يطلق على الشر أيضا وفى
بعض النسخ بدون التاء.
(6) كذا
والظاهر " اجتناب ما تكرهه - الخ " كما في النهج.
(7) الوصول -
بفتح الواو -: الكثير الاعطاء. والمعدم: الفقير.
والجاف فاعل
من جفا يجفو جفاءا ضد: واصله وآنسه.
والمكثر: الذى
كثر ماله، يعنى من يصل إلى الناس بحسن الخلق و المودة مع فقره خير ممن يكثر في
العطاء وهو جاف أى سيئ الخلق.
(*)
[91]
أي بني لا
تؤيس مذنبا، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر
عمره، صائر إلى النار، نعوذ بالله منها. أي بني كم من عاص نجا. وكم من عامل هوى. من
تحرى الصدق خفت عليه المؤن (1). في خلاف النفس رشدها. الساعات تنتقص الاعمار. ويل
للباغين ان أحكم الحاكمين وعالم ضمير المضمرين. يا بني بئس الزاد إلى المعاد
العدوان على العباد. في كل جرعة شرق، وفي كل اكلة غصص (2). لن تنال نعمة إلا بفراق
اخرى. ما أقرب الراحة من النصب والبؤس من النعيم والموت من الحياة والسقم من الصحة.
فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله.
وبخ بخ (3) لعالم عمل فجد وخاف البيات فأعد واستعد، إن سئل نصح وإن ترك صمت، كلامه
صواب وسكوته من غير عي جواب (4). والويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان فاستحسن
لنفسه ما يكرهه من غير وأزرى على الناس بمثل ما يأتي(5). واعلم أي بني أنه من لانت
كلمته وجبت محبته. وفقك الله لرشدك وجعلك من أهل طاعته بقدرته إنه جواد كريم.
___________________
(1) التحرى:
القصد والاجتهاد في الطلب.
والمؤن - بضم
الميم وفتح الهمزة - جمع المؤونة وهى القوت أو الشدة والثقل.
(2) الشرق:
الغصة وهى اعتراض الشئ في الحلق وعدم اساغته ويطلق الاول في المشروبات والثانى في
المأكولات.
(3) " بخ "
اسم فعل للمدح واظهار الرضى بالشئ ويكرر للمبالغة، فيقال: بخ بخ بالكسر والتنوين.
(4) العى:
العجز عن الكلام (5) أزرى عليه عمله أى عاتبه وعابه عليه.
(*)
[92]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق