الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

ما روي عن الإمام الحسن العسكري (ع) - كتابه عليه السلام إلى اسحاق بن اسماعيل النيسابوري

بسم الله الرحمن الرحيم 

" وروى عن الامام الخالص الهادى أبى محمد الحسن بن على عليهما السلام في طوال هذه المعانى "
" كتابه عليه السلام إلى اسحاق بن اسماعيل النيسابوري (١) "

سترنا الله وإياك بستره وتولاك في جميع أمورك بصنعه، فهمت كتابك يرحمك الله ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على أوليائنا ونسر بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم.
ونعتد بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم، فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممن قد رحمه الله وبصره بصيرتك - نعمته. وقدر تمام نعمته دخول الجنة. وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم خطرها إلا و " الحمد لله " تقدست أسماؤه عليها مؤد شكرها، وأنا أقول (٢) الحمد لله أفضل ما حمده حامده إلى أبد الابد بما من الله عليك من رحمته ونجاك من الهلكة وسهل سبيلك على العقبة. وايم الله إنها (٣) لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، قديم في الزبر الاولى ذكرها. ولقد كانت منكم في أيام الماضي عليه السلام إلى أن مضى لسبيله وفي أيامي هذه امور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسددي التوفيق.
فاعلم يقينا يا إسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا يا إسحاق(٤) ليس تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول: " رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (٥) ". وأي آية أعظم
___________________________________
(١) هو ثقة من أصحاب أبى محمد العسكرى عليه السلام وممن كانت ترد عليهم التوقيعات أيضا.
وهذا التوقيع رواه الكشى في رجاله قال: حكى بعض الثقات بنيسابور أنه خرج لاسحاق بن اسماعيل من أبى محمد عليه السلام توقيع.
فوقع عليه السلام: يا اسحاق بن اسماعيل سترنا الله وإياك - إلى آخر الخبر مع - تغييرات وزيادات ورواه المجلسى في المجلد الثانى عشر من البحار الطبع الحجرى.
(٢) في بعض النسخ [ فأنا أقول ].
(٣) في بعض النسخ [ وإنها أيم الله ].
(٤) في بعض النسخ [ يا ابن إسماعيل ].
(٥) سورة طه آية ١٢٦.
(*)
[٤٨٥]
من حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الاولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته.
فأين يتاه بكم (١) وأين تذهبون كالانعام على وجوهكم، عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون وبنعمة الله تكفرون أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلا خزي في الحيوة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية. وذلك والله الخزي العظيم. إن الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه - لا إله إلا هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدروكم وليمحص ما في قلوبكم، لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى سبيله، لولا محمد صلى الله عليه وآله والاوصياء من ولده لكنتم حيارى (٢) كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل تدخل مدينة (٣) إلا من بابها، فلما من عليكم بإقامة الاولياء بعد نبيكم، قال الله في كتابه: " أليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (٤) " ففرض عليكم لاوليائه حقوقا أمركم بأدائها ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، قال الله: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (٥) " واعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء، لا إله إلا هو. ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم. ولو لا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم لما رأيتم لي خطا ولا سمعتم مني حرفا من بعد مضي الماضي عليه السلام وأنتم في غفلة مما إليه معادكم (٦). ومن بعد إقامتى لكم إبراهيم بن عبدة (٧) وكتابي الذي حمله إليكم محمد بن موسى النيسابوري والله
___________________________________
(١) تاه يتيه: ضل وذهب متحيرا.
(٢) الحيارى - بالفتح والضم -: جمع حيران.
(٣) في بعض النسخ [ قرية ].
(٤) سورة المائدة آية ٥.
(٥) سورة الشورى آية ٢٣.
(٦) في بعض النسخ [ معاذكم ].
(٧) إبراهيم بن عبدة ومحمد بن موسى النيسابورى كانا من أصحاب الهادى والعسكرى عليهما السلام وروى الكشى (ره) بعض توقيعات في حقهما.
(*)
[٤٨٦]
المستعان على كل حال. وإياكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين. فبعدا وسحقا لمن رغب عن طاعة الله ولم يقبل مواعظ أوليائه. فقد أمركم الله بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الامر، رحم الله ضعفكم وغفلتكم وصبركم على أمركم فما أغر الانسان بربه الكريم ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت (١) قلقا وخوفا من خشية الله ورجوعا إلى طاعة الله، اعملوا ما شئتم " فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون (٢) " والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

___________________________________
(١) في بعض النسخ [ لصدعت ].
(٢) اقتباس من الاية الواردة في سورة التوبة آية ١٠٦.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق