* (أجوبته عليه السلام ليحيى بن أكثم عن مسائله (١)) *
قال موسى بن محمد بن الرضا (٢): لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة، فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي علي بن محمد عليهما السلام فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصرني طاعته، فقلت له: جعلت فداك إن ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لافتيه فيها، فضحك عليه السلام ثم قال: فهل أفتيته؟ قلت: لا، لم أعرفها (٣)، قال عليه السلام: وما هي؟ قلت: كتب يسألني عن قول الله: " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك (٤) " نبي الله كان محتاجا إلى علم آصف (٥)؟. وعن قوله: " ورفع
___________________________________
(١) نقله المجلسى في المجلد الرابع من البحار ص ٥٨١ من الطبع الحجرى عن التحف وقال: وفى الاختصاص للشيخ المفيد عن محمد بن عيسى بن عبيد البغدادى عن محمد بن موسى مثله ورواه ايضا بأدنى تغيير في المجلد الثانى عشر عن المناقب لابن شهر آشوب.
(٢) هو أبوأحمد موسى المبرقع أخو أبى الحسن الهادى عليه السلام من طرفى الاب والام كان امهما ام ولد تسمى بسماتة المغربية وكان موسى جد سادات الرضوية، قدم قم سنة ٢٥٦ وهو أول من انتقل من الكوفة إلى قم من السادات الرضوية وكان يسدل على وجهه برقعا دائما ولذلك يسمى بالمبرقع.
فلم يعرفه القميون فانتقل عنهم إلى كاشان فأكرمه أحمد بن عبدالعزيز بن دلف العجلى فرحب به وأكرمه وأهدى إليه خلاعا فاخرة وأفراسا جيادا ووظفه في كل سنة ألف مثقال من الذهب وفرسا مسرجا فلما عرفه القميون أرسلوا رؤساءهم إلى كاشان لطلبه وردوه إلى قم واعتذروا منه وأكرموه واشتروا من مالهم دارا ووهبوا له سهاما من القرى وأعطوه عشرين ألف درهم واشترى ضياعا كثيرة. فأتته أخواته زينب وام محمد وميمونة بنات محمد بن الرضا عليهما السلام ونزلن عنده، فلما متن دفن عند فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام واقام موسى بقم حتى مات سنة ٢٦٦ ودفن في داره وقيل: في دار محمد بن الحسن بن أبى خالد الاشعرى وهو المشهد المعروف اليوم.
ويظهر من بعض الروايات أن المتوكل الخليفة العباسى يحتال في أن ينادمه.
وقد أفرد المحدث النورى رحمه الله في أحواله رسالة سماها: " البدر المشعشع في أحوال موسى المبرقع ".
(٣) في بعض النسخ [ قلت: لا، قال ولم قلت لم أعرفها ].
(٤) سورة النمل آية ٤٠.
(٥) هو آصف بن برخيا.
(*)
[٤٧٧]
أبويه على العرش وخروا له سجدا (١) " سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء.
وعن قوله: " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب (٢) "، من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب النبي صلى الله عليه وآله فقد شك، وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذا أنزل الكتاب؟.
وعن قوله: " ولو أن ما في الاأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله (٣) " ما هذه الابحر وأين هي؟ وعن قوله: " وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين (٤) " فاشتهت نفس آدم عليه السلام أكل البر فأكل وأطعم [ وفيها ما تشتهي الانفس ] فكيف عوقب؟.
وعن قوله: " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا (٥) " يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك؟ وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله: " وأشهدوا ذوي عدل منكم (٦) "؟ وعن الخنثى وقول علي عليه السلام: يورث من المبال، فمن ينظر إذا بال إليه؟ مع أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال، أو عسى أن يكون رجلا وقد نظرت إليه النساء وهذا مالا يحل.
وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل؟ وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلما بصر بصاحبها خلى سبيلها، فدخلت بين الغنم كيف تذبح وهل يجوز أكلها أم لا؟.
وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار وإنما يجهر في صلاة الليل؟.
وعن قول علي عليه السلام لابن جرموز: بشر قاتل ابن صفية بالنار (٧) فلم يقتله وهو إمام؟ وأخبرني عن علي عليه السلام لم قتل أهل صفين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجاز على الجرحى (٨)، وكان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل موليا ولم يجز على جريح ولم يأمر بذلك، وقال: من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، لم فعل ذلك؟ فإن كان الحكم
___________________________________
(١) سورة يوسف آية ١٠٠.
(٢) سورة يونس آية ٩٤.
(٣) سورة لقمان آية ٢٦.
(٤) سورة الزخرف آية ٧١.
(٥) سورة الشورى آية ٤٩.
(٦) سورة الطلاق آية ٢.
(٧) ابن صفية هو الزبير بن العوام صحابى المعروف الذى قتله يوم الجمل ابن جرموز والقصة مشهورة مذكورة في التواريخ.
(٨) أجاز على الجريح: أجهز عليه أى شد عليه واتم قتله.
(*)
[٤٧٨]
الاول صوابا فالثاني خطأ.
وأخبرني عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد، أم يدرأ عنه الحد؟ قال عليه السلام: اكتب إليه، قلت: وما أكتب؟ قال عليه السلام: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأنت فألهمك الله الرشد أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنتك لتجد إلى الطعن سبيلا إن قصرنا فيها، والله يكافيك على نيتك وقد شرحنا مسائلك فأصغ إليها سمعك وذلل لها فهمك واشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجة والسلام.
سألت: عن قول الله عزوجل: " قال الذي عنده علم من الكتاب " فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عليه السلام عن معرفة ما عرف آصف لكنه صلوات الله عليه أحب أن يعرف أمته من الجن والانس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان عليه السلام أودعه عند آصف بأمر الله، ففهمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته كما فهم سليمان عليه السلام في حياة داود عليه السلام لتعرف نبوته وإمامته من بعده لتأكد الحجة على الخلق.
وأما سجود يعقوب عليه السلام وولده فكان طاعة لله ومحبة ليوسف عليه السلام كما أن السجود من الملائكة لآدم عليه السلام لم يكن لآدم عليه السلام وإنما كان ذلك طاعة لله ومحبة منهم لآدم عليه السلام، فسجود يعقوب عليه السلام وولده ويوسف عليه السلام معهم كان شكرا لله باجتماع شملهم، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت: " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث - إلى آخر الآية - " (١).
وأما قوله: " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب " فإن المخاطب به رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن في شك مما انزل إليه ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة؟ إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الاسواق، فأوحى الله إلى نبيه " فاسأل الذين يقرؤون الكتاب " بمحضر الجهلة، هل بعث الله رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الاسواق ولك بهم اسوة.
وإنما قال: " فإن كنت في شك " ولم يكن شك ولكن للنصفة كما قال: " تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل
___________________________________
(١) سورة يوسف آيه ١٠٢.
(*)
[٤٧٩]
فنجعل لعنة اللة على الكاذبين (١) " ولو قال: عليكم لم يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم الله أن نبيه يؤدي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين، فكذلك عرف النبي أنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه.
وأما قوله: " ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله " فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمده سبعة أبحر وانفجرت الارض عيونا لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله وهي عين الكبريت وعين النمر (٢) وعين [ ال ] برهوت وعين طبرية وحمة ماسبذان (٣) وحمة إفريقية يدعى لسنان (٤) وعين بحرون (٥)، ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تدرك فضائلنا.
وأما الجنة فإن فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين وأباح الله ذلك كله لآدم عليه السلام والشجرة التي نهى الله عنها آدم عليه السلام وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما أن لا ينظر إلى من فضل الله على خلائقه بعين الحسد فنسي ونظر بعين الحسد ولم يجد له عزما وأما قوله: " أو يزوجهم ذكرانا وإناثا " أي يولد له ذكور ويولد له إناث، يقال لكل اثنين مقرنين زوجان كل واحد منهما زوج، ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لبست به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم " ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا(٦) " إن لم يتب.
وأما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضا، فإن لم يكن رضى فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لان الرجل
___________________________________
(١) سورة آل عمران آية ٦٠.
(٢) وفى المناقب [ وعين اليمن ].
(٣) في المناقب [ ما سيدان تدعى لسان ].
(٤) في المناقب [ تدعى بسيلان ].
(٤) والحمة - بالفتح فالتشديد: العين الحارة التى يستشفى بها الاعلاء والمرضى.
وأراد بها وبالعين ههنا كل ماء له منبع ولا ينقص منه شئ كالبحار وليس منحصرا فيها فكان ذكرها على سبيل التمثيل ولانها معهود عند السائل.
(٥) في المناقب [ وعين باحوران ].
(٦) سورة الفرقان اية ٦٨ و ٦٩.
(*)
[٤٨٠]
لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.
وأما قول علي عليه السلام في الخنثى فهي كما قال (١): ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه.
وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما (٢)، فاذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيتها وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم (٣).
وأما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة، لان النبي صلى الله عليه وآله كان يغلس بها (٤) فقراءتها من الليل.
وأما قول علي عليه السلام: بشر قاتل ابن صفية بالنار فهو لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة، لانه علم أنه يقتل في فتنة النهروان.
وأما قولك: إن عليا عليه السلام قتل أهل الصفين مقبلين ومدبرين وأجاز على جريحهم (٥)، وإنه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجز على جريح ومن ألقى سلاحه آمنه ومن دخل داره آمنه، فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين (٦)، رضوا بالكف عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه أعوانا، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام (٧) يجمع لهم السلاح
___________________________________
(١) في المناقب [ فهو كما قال: يرث من المبال ].
(٢) وساهم بينهما أى قارع بينهما.
(٣) زاد في المناقب [ وسهم الامام سهم الله لا يخيب ].
(٤) يغلس بها أى يصلى بالغلس وهو بالتحريك: ظلمة آخر الليل.
(٥) أى أجهز عليهم.
(٦) في المناقب [ غير محاربين ولا محتالين ولا متجسسين ولا مبارزين ].
(٧) في المناقب [ وامام منتصب ].
(*)
[٤٨١]
الدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء (١) يهيئ لهم الانزال ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم(٢) ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسوا حاسرهم (٣) ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم (٤)، فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد (٥) لكنه شرح ذلك لهم، فمن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك.
وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه بينة وإنما تطوع بالاقرار من نفسه وإذا كان للامام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن عن الله، أما سمعت قول الله: " هذا عطاؤنا - الآية (٦) " قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه فاعلم ذلك.
___________________________________
(١) أسنى له الجائزة: جعلها سنية.
والانزال: جمع نزل - بالتحريك - اى العطاء والفضل وأنزل القوم: أرزاقهم.
(٢) الكسير بمعنى المكسور. ويجبر الكسير أى يصلحه.
(٣) الحاسر: العارى والمراد الذى كان بلا درع وثوب.
(٤) في المناقب [ فان الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتهم إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها. والحكم في اهل صفين أن يتبع مدبرهم ويجهز على جريحهم ].
(٥) في المناقب [ ولولا امير المؤمنين عليه السلام وحكمه في اهل صفين والجمل لما عرف الحكم في عصاة اهل التوحيد ].
(٦) سورة ص آية ٣٨. وبقية الاية " فامنن أو مسك بغير حساب ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق